كثيرة هي الأوقات التي تنتابنا فيها مشاعر القلق؛ لكن الشعور بالقلق في لحظة بعينها يختلف كثيراً عن المعاناة من "اضطراب القلق".
وفقاً للجمعية الكندية للصحة العقلية، فالقلق هو رد فعل طبيعي للعديد من الأحداث والمواقف المختلفة في حياتنا، وهو أحد أنظمة الإنذار الداخلية لدينا التي تنبّهنا إلى وجود خطر أو تهديدات أخرى تحتاج منا استجابة مختلفة، ليهيئ أجسادنا للتعامل مع الموقف الخطير، فيما يعرف باستجابة الكر أو الفر.
ويعد هذا النوع من القلق -الذي يمكننا التحكم فيه ويصيبنا من وقت لآخر- مفيداً؛ لكن المشكلة الحقيقية تظهر عندما يصبح القلق خارجاً عن السيطرة، ويظهر بشكل غير متوقع ليصبح اضطراباً.
واضطرابات القلق هي أمراض نفسية لها تأثير كبير في حياة الفرد وقد تدفعه لتجنب ممارسة بعض الأنشطة المهمة في حياته اليومية لتلافي القلق الذي قد ينتج عنها وما يتبعه من أعراض واستجابات قوية؛ ما يعيقه عن أداء بعض المهام أو الأنشطة وبالتالي انخفاض جودة حياته.
الفرق بين القلق الطبيعي واضطرابات القلق
وعلى الرغم من أن الكثير ممن هم مصابون بهذه الاضطرابات يعلمون جيداً أن قلقهم لا يستند إلى الواقع؛ إلا أنهم يشعرون بأنهم "محاصرون" بأفكارهم ومشاعرهم، ولا يستطيعون السيطرة عليها.
يختلف القلق الطبيعي عن اضطرابات القلق كما يلي:
1. القلق الطبيعي:
- يرتبط بموقف أو مشكلة معينة واقعية.
- يستمر باستمرار المشكلة وينتهي بعدها.
- يتناسب مع حجم الموقف أو المشكلة.
2. اضطرابات القلق:
- قد يأتي بشكل غير متوقع ومن دون سبب واضح.
- تكون الاستجابة الناتجة منه قوية جداً ولا تتناسب مع حجم المشكلة.
- قد يستمر لفترة طويلة حتى عندما يتم حل المشكلة.
- يشعر المريض بعدم القدرة على السيطرة عليه.
- يتجنب المريض المواقف أو الأشياء التي يعتقد أنها تحفّز أعراضه.
اقرأ أيضاً: ما أنواع القلق المفيدة للدماغ؟
كم يستمر القلق النفسي؟
كما ذكرنا سابقاً، فالمواقف الحياتية التي نشعر فيها بالقلق والتوتر هي أمر طبيعي، ولا يمثل القلق فيها اضطراباً، وتزول آثاره بانتهاء الموقف. بينما يمكن تشخيص الفرد بأنه يعاني من اضطراب القلق المعمم إذا استمر الشعور بالقلق الشديد والمستمر والأعراض لمدة ستة أشهر على الأقل.
ومن وقت التشخيص، يمكن أن يستمر اضطراب القلق من بضعة أشهر إلى عدة سنوات. وغالباً ما يلجأ المصابون بهذا الاضطراب إلى طلب المساعدة المتخصصة واستشارة الطبيب بعد قضاء سنوات طويلة، تصل أحياناً إلى 15 عاماً بحسب دراسة من جامعة "ساوث كارولينا" الأميركية (Medical University of South Carolina).
اقرأ ايضاً: هذا ما يفعله القلق بصحة عينيك
كيف تساعد مَن يعاني من القلق؟
إن رحلة المعاناة من الأمراض النفسية والبدنية -خاصة المزمنة- هي رحلة طويلة لا يعاني فيها المريض فقط بل أصدقاؤه وأحباؤه.
إذا كان صديقك أو أحد أفراد عائلتك يعاني من اضطراب القلق، فهذه نصائح يقدمها الأستاذ المساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية، جوزيف ماكغواير (Joseph McGuire) يجب اتباع بعضها وتجنب البعض الآخر.
ما الذي يجب فعله مع مريض القلق؟
تعد الاستجابات المبنية على الحب والتقبل، والرغبة في رؤية من تحب يتحسن، حجرَ الأساس لمساعدة شخص يعاني من القلق. لذلك ضع في اعتبارك الأساليب التالية:
تقبّل خوفه وامنحه الدعم
محفزات القلق عديدة، وهي تختلف من شخص لآخر. لذلك فقول شيء مثل: "لا أستطيع أن أصدق أنك تنزعج من مثل هذا الشيء الصغير" يقلل من شأن تجربة الشخص ويرسل إليه رسالة مفادها أنك لا تشعر به حقاً. بدلاً عن ذلك؛ عليك أن تتفهم أن ما يمر به الشخص حقيقي، وتسأله كيف يمكنك تقديم الدعم خلال اللحظات الصعبة.
عبّر عن اهتمامك بشأنه
إن رؤية شخص عزيز عليك يمر بنوبة هلع هو أمر مؤلم؛ لكنك لا تملك الكثير لتقصير المدة أو تقليل شدة هذه النوبة.
حتى تتفادى الوصول لهذه المرحلة؛ عليك ملاحظة أي تغير يحدث في سلوك هذا الشخص، وعندما تبدأ في ملاحظة انسحابه من الأنشطة التي اعتاد الاستمتاع بها، يجب أن تعبر عن اهتمامك بشأنه وتسأله عن سبب هذا القرار، وتبدأ حوارك معه بطريقة إيجابية ودافئة عن ملاحظتك لتغيرات معينة في سلوكه، وإذا كان يرغب في المساعدة أو الدعم للتعامل مع القلق.
اعرف الوقت المناسب لطلب المساعدة المتخصصة
إذا بدأ قلق هذا الشخص في إعاقة قدرته على الاستمتاع بالحياة أو التفاعل في المدرسة أو العمل، أو إذا سبّب مشكلات في المنزل، فقد حان الوقت لطلب المساعدة المتخصصة. بالطبع يمكنه أن يكون معارضاً في البداية، لذلك يمكن تذكيره بأنه موعد واحد فقط من أجل الاطمئنان على صحته النفسية وقد لا يستمر العلاج لفترة طويلة بالضرورة.
ما الذي عليك تجنبه خلال التعامل مع شخص مريض بالقلق النفسي؟
على الرغم من الاعتقاد بأنها قد تساعد المريض؛ إلا أن الحماية الشديدة تحد من قدراته.
الرغبة في نزع مسببات القلق من البيئة المحيطة
قد تبدو الرغبة في مساعدة من تحب على تجنب المواقف المؤلمة عن طريق بذل الجهد للتخلص من سبب القلق أمراً جيداً؛ لكنها في الحقيقة لن تفيده على المدى البعيد ولن تجعل القلق يزول. وبمرور الوقت؛ إذا استمر الشخص في تجنب مواجهة المواقف الصعبة، فسيزداد قلقه.
كذلك إذا واصلت تعديل سلوكك أو البيئة لاستيعاب قلقه، فقد يعوق ذلك فرصة تعلمه كيفية السيطرة عليه؛ بل سيجعل عالمه أصغر لأن ما يمكنه فعله يصبح أكثر محدودية بسبب القلق المتزايد.
لا تجبره على المواجهة
من ناحية أخرى؛ ليس من الجيد أيضاً إجبار شخص غير مستعد على فعل شيء يخاف منه دون توعيته بكيفية التعامل معه. يتطلب ذلك استشارة طبيب مختص مسبقاً لتعلم كيفية التغلب على القلق الشديد.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن القلق
ما علامات الشفاء من القلق النفسي؟
تختلف الأمراض النفسية عن الجسدية بعض الشيء في علامات الشفاء، ففي حين يمكن التعرف إلى شفاء المريض من مرض جسدي بالتحاليل والفحوصات الطبية؛ تظهر علامات الشفاء من الأمراض النفسية في تعديل السلوك والأفكار ونمط الحياة.
تتمثل أهم العلامات الشائعة التي تدل إلى التعافي من القلق في:
- الوعي الجيد بالأفكار: في حالة الإصابة بالقلق؛ ينصبّ التركيز على الأفكار السلبية، حتى وإن كانت غير صحيحة، وتصديقها. لذلك تتمثل علامة الشفاء من القلق في تلاشي هذه الأفكار السلبية غير الصحيحة، وقد يتساءل الفرد حينها لماذا كان يفكر بها في المقام الأول وكيف ترك نفسه تتأثر فيها بشكل سلبي.
- النوم جيداً والشعور بالراحة عند الاستيقاظ: يؤثر القلق سلباً في جودة النوم، وبالتالي نشاط الفرد. لذلك فالحصول على نوم جيد والشعور بالحيوية والنشاط في اليوم التالي إحدى علامات الشفاء من القلق.
- امتلاك نظرة إيجابية عن الذات: يصاحب الشفاء من القلق عدم التفكير مراراً وتكراراً في آراء الآخرين السلبية عن الذات، ومرور هذه الأفكار من دون إضاعة الوقت في ترديدها.
- السماح للنفس باختبار المشاعر الحقيقية: يعني التعافي من القلق أيضاً السماح للذات بالشعور بالمشاعر الحقيقية المختلفة، بدلاً عن الشعور بالخدر حيال كل شيء جيد أو سيئ دون تركه يتولى زمام الأمور لوقت طويل.
- تفهُّم وتقبُّل الذات: يشمل التعافي من القلق أيضاً تقبُّل فكرة أننا لسنا مثاليين وأن الجميع يرتكب الأخطاء التي بالتعلُّم منها تجعلنا أفضل وأكثر مهارة وقدرة على مواجهة المصاعب المختلفة.
وأخيراً؛ ومن أهم النقاط في التعافي من القلق عدم خلط الأمور معاً، والتفكير الجيد في كل أمر على حدة، مع الاهتمام باحتياجات الجسم والصحة النفسية الأساسية من دون مخاوف غير حقيقية.