سأُقلع عن التدخين وأبحث عن وظيفة جديدة، وأبدأ بممارسة الرياضة! إنها أمثلة عن القرارات الكثيرة التي نتخذها مع كل بداية سنة جديدة دون أن نلتزم بها، فهل يرجع ذلك إلى ضعف الإرادة أم الصراعات الداخلية التي تحدث في اللاوعي؟
ما الذي يمنعنا من الالتزام بالقرارات التي نتخذها؟
ما الذي يحول دون الالتزام بالقرارات؟ هل هو ضيق الوقت أم الافتقار إلى التنظيم أم ضعف الإرادة؟ في الحقيقة يعزو مختصو التحليل والعلاج النفسي هذه المشكلة إلى الصراعات الداخلية التي تدور في اللاوعي،
ومن ثم فهم يبحثون عن الدافع العميق الكامن وراء اتخاذ قرار معين. مثلاً ما الرغبة التي تدفع سوسن إلى التفكير في تغيير وظيفتها؟ وهل هي رغبتها الشخصية أم رغبة والدتها التي اعتادت أن تطالبها بالكثير حينما كانت طفلة؟ وهل يريد ماجد الإقلاع عن التدخين حفاظاً على صحته أم إرضاءً لزوجته؟ من جهة أخرى يركز المختصون على آليات العقاب الذاتي التي قد تمنع الشخص من المضي قدماً ومنها الأفكار النمطية؛ مثلا فكرة شخص ما عن نفسه بأنه غير جدير بالنجاح. وفي بعض الأحيان يكون الخوف من النجاح وتداعياته السبب الرئيسي في شعور الإنسان بالعجز؛ كأن يفكر في أن اجتيازه تدريباً مهنياً معيناً يعني أن مسؤوليات عمله القادم ستكون أكبر.
يرى مختصو العلاج السلوكي أن سلوكيات التجنب هذه هي محاولة للحفاظ على تقدير الذات، ويوضح مؤلفا كتاب "تقدير الذات" (L’Estime de soi) كريستوف أندريه وفرانسوا ليلورد أن هذه الآليات الدفاعية تساعد الفرد على حماية صورته الذاتية؛ إذ يرى أن الامتناع عن اتخاذ خطوة ما سيجنبه الوقوع في الأخطاء. ويقول مدير المدرسة الباريسية للغشطالت، غونزاغ ماسكولييه: "إنها مساومة غير واعية يضحي فيها الأفراد بتطورهم الشخصي مقابل الاحتفاظ بشعور وهمي بالأمان".
هنالك ما يسمى "دورة الاتصال" في علاج الغشطالت وهي الطريقة التي يعي الفرد من خلالها رغباته واحتياجاته. وقد يشير عجز المرء عن الالتزام بقراراته إلى خلل ما في المرحلة الأولية من تحديد الاحتياجات. مثلاً يشعر مازن أن التعرف إلى امرأة ما هو ما سيخلصه من شعوره بالوحدة؛ لكن هل هذا صحيح؟ أو قد يظهر الخلل عند الرغبة في تنفيذ القرار، فمثلاً تريد سوسن الاشتراك في دورات تدريبية لكنها لا تريد تقليص حجم أعبائها المهنية؛ ما يعني أنه لن يكون لديها الوقت الكافي لهذه الدورات. تعد تقنية تقمص الأدوار المستخدَمة في العلاجات النفسية الجماعية طريقة فعالة تساعد الفرد على اكتشاف مواضع الخلل هذه، لأن تفاعله مع مجموعة يجعل عواطفه وردود أفعاله الجسدية أشد وضوحاً ما يمكّنه من اكتشاف رغباته الحقيقية.
تقول سوسن ذات الـ 36 عاماً وهي ملحق تجاري: "أشعر بأن حياتي المهنية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولأسابيع كنت أقول لنفسي إنه عليّ الالتحاق بدورات تدريبية تسمح لي بالتطور، وكنت أسجل عناوين المعاهد التدريبية وأرتبها دائماً لكن دون أن أتواصل مع أي منها، وبهذه الطريقة بقيت حيثما أنا وما زال عملي يسبب لي المزيد من الضيق كل يوم ولا سيما مع شعوري بالذنب بسبب عدم اتخاذ أي خطوة تساهم في تطوري".
ويقول ماجد ذو الـ 43 عاماً وهو مختص في علوم الحاسوب: "مع بداية كل سنة جديدة كنت أتخذ قراراً بالإقلاع عن التدخين ولكن دون جدوى وظللت أكرر الأمر على مدار 11 سنة. في معظم الأحيان اتخذ هذا القرار في منتصف ليل 31 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة وأخبر أحبائي به، وأعلن عن سعادتي ويقيني من عدم التدخين مرة أخرى لكن حماستي هذه تنطفئ بعد بضعة أيام لأعود بعد نحو أسبوع من الإقلاع إلى تدخين علبتيّ سجائر يومياً، ويثير سلوكي هذا غضب زوجتي وتلومني لأنني أعطيها "أملاً زائفاً" بأنني سأقلع عن التدخين".
أما مازن ذو الـ 29 عاماً وهو طبيب متمرن فيقول: "أنا أعاني كثيراً من الوحدة وأتحدث إلى أصدقائي دائماً عن هذا الأمر، لذا قررت أن أتعرف إلى امرأة ما لأتغلب على هذا الشعور لكنني لم أتمكن من ذلك، فعندما أركز على امرأة تجذبني أبدأ بتخيل المكان الذي سنجلس فيه معاً لتناول القهوة مثلاً ولكن عندما اقترب منها لا أجرؤ على التحدث إليها فأستدير هارباً، ثم أجلس في المساء وحيداً في المنزل وأبدأ بتوبيخ نفسي بشدة".
كيف أتخذ قراراً وألتزم به؟
إن ضعف الثقة بالنفس هو عدوك الأول الذي يحول دون التزامك بقرار اتخذته، لذلك فإن الحصول على التشجيع والدعم من شخص آخر يمكن أن يحدث فرقاً في حياتك؛ مثلاً وجود زميل عمل إلى جانبك عندما تود إجراء مكالمة مهمة، أو صديق يمكنك التحدث إليه عن معاناتك مع أعراض انسحاب التبغ؛ كما يمكن للمعالج النفسي أن يقدم هذا الدعم لمريضه خلال جلسات العلاج. إحدى طرق الدعم التي يقدمها مختص العلاج السلوكي بصورة خاصة، هي التمارين التي يطلب من المريض التدرب عليها إلى حين حلول موعد الجلسة القادمة؛ كما أن أساليب التدريب الشخصي تقدم للأفراد دليلاً بخطوات مفصلة لتطوير الذات.
3 نصائح ستساعدك على الالتزام بالقرارات
حدد أولوية واحدة كل يوم
حدد هدفاً واحداً كل يوم وركز كل طاقتك على تحقيقه. مثلاً وضعت سوسن هدفاً يومياً وهو إجراء مكالمة واحدة مع أحد معاهد التدريب. وعندما تنجح في إنجاز المهمة الصغيرة التي حددتها، هنئ نفسك بذلك.
تخيل النجاح مسبقاً
خذ نفساً عميقاً وأغلق عينيك وتخيل أنك نجحت في اتخاذ القرار والالتزام به. كيف تشعر في هذه اللحظة؟ هل تتخيل نفسك رفقة شخص ما؟ هل تتخيل نفسك جالساً في غرفة أم على شرفة أحد المقاهي؟ ركز جيداً على التفاصيل الصغيرة في هذا المشهد التي تشعرك بالراحة وتشجعك على المضي قدماً في اتخاذ القرار.
حدد أفكارك الراسخة وتغلب عليها
عندما تمسك سوسن هاتفها لتتصل بمعاهد التدريب، تقول لنفسها: "لا لن يتم قبولي، فهنالك أشخاص أكثر جدارة مني". دوّن الأفكار السلبية التي تسيطر على ذهنك عندما تنوي اتخاذ قرار ما، ثم دوّن أمامها عوضاً عنها عبارات إيجابية تتضمن كلمات تشجيع تؤكد قدرتك على اتخاذ القرار والالتزام به.