"عندما دخلت إلى الممر، كان زوجي يقف بجانب الباب. مبتسماً، عرض أن يمسك حقيبتي وشنطة يدي. كان من الممكن أن تكون هذه لفتة لطيفة للغاية؛ إلا أنه كان يراقبني وأنا أخلع حذائي للتأكد من أنني وضعته في المكان الآمن الذي خصصه لممتلكاتي الملوثة. لا يُسمح لأي شخص بالدخول إلى المنزل مرتدياً الأحذية؛ يؤدي ذلك إلى انتشار التلوث الخارجي في جميع أنحاء المناطق الآمنة التي صنعها زوجي ويحافظ عليها". هذا ما أوضحته امرأة متزوجة من مريض الوسواس القهري.
ننتقل في حياتنا من مرحلة إلى أخرى بحقيبة ممتلئة بما نرغب في الاحتفاظ به، ونترك الأغراض غير المهمة بالنسبة إلينا أو التي لم تعد تساعدنا على النمو الشخصي أو العملي. لكن على الرغم من أن هذا الأمر يبدو سهلاً، فهناك بعض الأغراض التي تقفز داخل هذه الحقيبة دون إرادة منا؛ منها اضطرابات وأمراض من ماضينا لم نشفَ منها.
ومن هذه الاضطرابات التي تتشبث بقوة بالمريض، اضطراب الوسواس القهري الذي يصاحب الفرد في مراحل وسياقات عدة، ويتداخل في علاقاته مع الآخرين بشدة، دون أن يستطيع السيطرة عليه في كثير من الأحيان.
تأثير الوسواس القهري في العلاقات العاطفية
واضطراب الوسواس القهري في العلاقات (R-OCD) هو شكل من أشكال اضطراب الوسواس القهري الذي يعاني فيه الأشخاص من أفكار متطفلة ومتداخلة وسلوكيات قهرية مرتبطة بعلاقاتهم مع شركائهم.
يشير الاختصاصي النفسي الإكلينيكي، أوين كيلي (Owen Kelly) في مقاله إلى أن هذه الحالة يمكن أن تخلق أفكاراً متكررة تركز على الشكوك أو المخاوف بشأن العلاقة؛ قد يشعر الشخص بعدم اليقين بشأن ما إذا كان شريكه يحبه حقاً أو ما إذا كانت العلاقة ستستمر؛ ما يُنتج سلوكيات قهرية موجهة لاكتساب الطمأنينة من الطرف الآخر.
في هذه الحالة لا يعاني الشخص المصاب بالوسواس القهري من ضغط متزايد نتيجة أعراض الاضطراب فقط؛ بل قد تعاني العلاقة بأكملها من هذا الضغط مع مرور الوقت.
لذلك قد تعيق أعراض الوسواس القهري بناء علاقات جيدة والحفاظ عليها؛ بل وقد يظل الأفراد المصابون بهذا الاضطراب عازبين لفترة طويلة، والذين ينجحون في بناء علاقات غالباً ما يبلغون عن قدر كبير من التوتر لمحاولة إنجاحها والسعي نحو استمراريتها، ذلك لأن الفرد المصاب بهذا الاضطراب لا يؤدي العادات والطقوس القهرية وحده؛ بل أن نحو 60% من أفراد الأسرة يشاركون فيها إلى حد ما وفقاً لنتائج دراسة من معهد الطب النفسي بلندن.
أعراض وأنواع الوسواس القهري في العلاقات العاطفية
يعاني معظم الناس من مستويات متفاوتة من القلق بشأن العلاقة من وقت إلى آخر؛ إلا أن الأشخاص المصابين بالوسواس القهري قد يكونون أكثر قلقاً وتكون أعراض القلق لديهم أشد حدة. تتضمن بعض علامات وأعراض الوسواس القهري في العلاقات العاطفية:
- أفكار متداخلة حول علاقتك أو شريك حياتك.
- القلق الدائم بشأن ما إذا كان شريكك يحبك حقاً.
- القلق المفرط بشأن سعادة شريكك.
- التفكير المستمر في عيوب شريكك.
- التفكير في إمكانية العثور على شريك مختلف وأفضل.
- السعي باستمرار للحصول على الطمأنينة من شريكك.
- التشتت وعدم القدرة على التركيز بسبب الأفكار المتطفلة حول علاقتك أو شريكك.
كما يوجد نوعان مختلفان من الوسواس القهري في العلاقات؛ قد يعاني بعض الأشخاص من أحدهما أو كليهما:
- التركيز على العلاقة: تتركز أعراض هذا النوع من الوسواس القهري حول العلاقة نفسها؛ قد يتساءل الشخص دائماً حول مدى حبه لشريكه أو مدى حب شريكه له.
- التركيز على الشريك: يتمحور تركيز الفرد على مراقبة الشريك وتحليل صفاته، ويكون دائم الانشغال بالأسئلة المتعلقة بشخصية الشريك وذكائه وصفاته الأخرى.
الوسواس القهري في العلاقات والحاجة الدائمة إلى السيطرة
يميل الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري (OCD) إلى إظهار الحاجة إلى السيطرة المفرطة على شركائهم وأقاربهم؛ ما يمثل مشكلة رئيسية في علاقاتهم. ربما يتعلق هذا السلوك بالحاجة لغير ملباة للسلامة في طفولتهم.
استكتشفت مراجعة للدراسات من جامعة بالاسكو أولوموتس بجمهورية التشيك (Palacky Olomouc)، البعد الشخصي للوسواس القهري وتأثيره في المشكلات الزوجية، وأظهرت أنه غالباً ما يكون المريض متعلقاً بشدة بأحبائه وينقل مخاوفه المفرطة إليهم لحاجته المبالغ فيها إلى الشعور بالأمان. ويؤدي ذلك إلى مشكلات عديدة في العلاقات الزوجية؛ من أهمها قلة الرضا عن الشريك والشعور بحميمة أقل.
بالإضافة إلى ذلك، فغالباً ما يُظهر الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري ميلاً للسيطرة على الآخرين على نطاق واسع، ويكونون أكثر غيرة ويعتبرون أي منافس لهم مهدداً لعلاقتهم بشركائهم. يظهر ذلك بوضوح أكبر بين الذي لديهم أسلوب ارتباط غير آمن -متجنِّب أو مقاوم- مقارنة بمن لديهم أسلوب ارتباط آمن.
ما تأثير الوسواس القهري في الحياة الجنسية؟
يوضح كيلي في مقاله أن الوسواس القهري في العلاقات العاطفية قد يمثل تحدياً بطرق مختلفة. على سبيل المثال؛ قد تواجه الفرد تحديات في الحفاظ على احترامه لذاته وتنتابه مشاعر الخزي بسبب أعراض هذا الاضطراب؛ ما قد يؤدي به إلى تجنب الاتصال بالآخرين.
كما قد ينشأ عن استمرار السعي نحو الحصول على الطمأنينة من الطرف الآخر في العلاقة شعور بالإحباط والارتباك عندما لا يفهم الشريك مصدر ذلك القلق المفرط، وقد يشعر أن حدوده الشخصية يتم تجاهلها تماماً؛ بل وحتى انتهاكها.
بالإضافة إلى ذلك، فقد يسعى الشخص المصاب بالوسواس القهري بدأب إلى إخفاء طبيعة وساوسه وأفعال لتجنب الرفض؛ ما يؤثر سلباً في العلاقة وعدم الشعور بالراحة لكلا الطرفين؛ حيث تتعارض السرية في هذه الحالة مع الحميمية ومتطلبات العلاقة الصادقة المبنية على الصراحة.
ويمكن أن تتداخل أعراض الوسواس القهري مع العلاقة الحميمة. على سبيل المثال؛ قد يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من وساوس تتعلق بالتلوث (مثل نظافة الأعضاء التناسلية لشريكهم) ما يجعل من الصعب للغاية الانخراط في هذه العلاقة بارتياح، وينتج عن ذلك عدم الشعور بالرضا عن علاقتهم بالشريك.
كيف أتخلص من الوسواس القهري في الزواج؟
ترتبط شدة أعراض الوسواس القهري بعدم القدرة على إقامة علاقة عاطفية قوية والحفاظ عليها. لذلك إذا كنت تعاني من الوسواس القهري في العلاقات، فمن المهم التحدث إلى الطبيب حول طرق إدارة الأعراض.
تتمثل الخطوة الأولى في التعامل الجيد مع الوسواس القهري في علاج الأعراض بشكل فعّال. قد تشمل طرق العلاج العلاج النفسي أو الأدوية أو مزيجاً من الاثنين:
- العلاج النفسي: بالإضافة إلى التحكم في أعراض الوسواس القهري؛ يمكن أن يوفر العلاج النفسي إطاراً مفيداً لحل المشكلات مثل تدني احترام الذات، وصعوبة اتخاذ القرارات، وضعف المهارات الاجتماعية، بالإضافة إلى انعدام الثقة بالنفس.
- الأدوية: قد يصف لك طبيبك أيضاً أدوية تساعد على تقليل أعراض الوسواس القهري؛ مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) التي تعمل كمضادات الاكتئاب.
كيف يمكن الحفاظ على العلاقة العاطفية في ظل الإصابة الوسواس القهري؟
توضح الطبيبة النفسانية والأستاذة المشاركة في جامعة أوتاوا (University of Ottawa)، مونيكا ويليامز (Monnica Williams) في مقالها، أنه على الرغم من أن الوسواس القهري يشكّل العديد من التحديات لتكوين علاقة رومانسية والحفاظ عليها والاستمتاع بها؛ إلا أن هناك طرقاً للتعامل معه:
- يعد فهم طبيعة اضطراب الوسواس القهري أمراً مهماً للتعامل مع الشريك المصاب به، حينها يمكن فهم مصدر هذه التصرفات والعادات، فالأشخاص المصابون بالوسواس القهري لا يمارسون الإكراهات لأنهم يريدون ذلك؛ ولكن لأنهم خائفون مما سيحدث إذا لم يفعلوا ذلك. وغالباً ما تكون الدوافع محاولات للحفاظ على الأحباء في مأمن من الأذى. لذلك كلما تعاطفت مع هذا النضال، ستتمكن من التواصل بكفاءة مع الشريك.
- ركز على السمات الإيجابية لشريكك وامتدح أي محاولة لمقاومة أعراض الوسواس القهري، من دون تأنيب أو انتقاد أو مشاركة في طقوس هذا الاضطراب.
- اعرف المزيد عن الاضطراب بقراءة بعض الكتب أو الانضمام إلى مجموعة للوسواس القهري للحصول على الدعم من الآخرين، وشجع شريكك بلطف على الذهاب للعلاج.
كذلك عندما تشعر بالإحباط من تكرار طقوس الشريك بسبب الوسواس القهري، اذهب إلى العلاج معه، فلا يجب أن تترك أعراض هذا الاضطراب تدمر زواجك؛ بل كن داعماً لشريكك الذي يعاني من دوامة من الأعراض القهرية التي لا يستطيع أن ينجو منها بمفرده في كثير من الأحيان.