ما بين فقدان القدرة على التركيز، والشعور بالحزن واليأس، والمبالغة في التركيز على المشاعر السلبية مثل تدني احترام الذات؛ يؤثر الاكتئاب في عدة مناحي في الحياة. ويكون المراهقون أكثر هشاشة وعرضة للإصابة بالاكتئاب نتيجة التغيرات المختلفة التي يمرون بها في هذه المرحلة العمرية، من تغير الهرمونات واختلاف نمط الحياة بالانتقال من مرحلة لأخرى، بالإضافة إلى الضغوط الدراسية.
كل ذلك يؤثر سلباً في حياة المراهقين بشكل عام، وتحصيلهم الدراسي بشكل خاص. وذلك التأثير قد لا يكون عابراً، فقد يؤثر في بنية الدماغ ووظيفته إلى جانب المشكلات العاطفية والسلوكية حال استمراره دون علاج.
فما هي أسباب الاكتئاب لدى الطلاب؟ وكيف يؤثر هذا الاكتئاب في أدمغتهم ومستوياتهم الدراسية، وما أفضل الطرق للوقاية منه أو تخفيف حدة أثره السلبي؟
أسباب الاكتئاب عند الطلاب
الاكتئاب مرض شائع الحدوث بين الطلاب في جميع الأعمار، سواء كانوا في المدرسة الإعدادية أو الثانوية أو الجامعة. يشير استبيان هيلثي مايند (Healthy Mind) لعام 2020 إلى أنه من بين ما يقرب من 33,000 طالب جامعي في الولايات المتحدة، عانى 50% من الاكتئاب أو القلق أو كليهما.
كما أوضحت دراسة من جامعة الشارقة (University of Sharjah) انتشار الاكتئاب والقلق والتوتر بين طلاب الجامعات في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة بنسبة 38% للاكتئاب، يليه القلق بنسبة 29%.
وبشكل عام، فهناك بعض العوامل التي قد تساهم في الإصابة بالاكتئاب لدى الطلاب؛ والتي تختلف من شخص لآخر، وتشمل:
- كيمياء الدماغ: في الحالات الطبيعية، تنقل الناقلات العصبية الإشارات بين مناطق الدماغ المختلفة، وبين الدماغ والجسم. عندما تكون هذه الناقلات معطلة، تتغير وظيفة المستقبلات والأنظمة العصبية؛ ما يؤدي إلى الاكتئاب.
- الهرمونات: قد تكون التغييرات في توازن الهرمونات في الجسم سبباً في الاكتئاب أو تعمل على تحفيزه.
- العوامل الوراثية: يكون الاكتئاب أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابون به.
- صدمات الطفولة المبكرة: قد تسبب الأحداث الصادمة خلال مرحلة الطفولة؛ مثل الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو فقدان أحد الوالدين، تغيرات في الدماغ تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.
وتتمثل علامات الاكتئاب لدى الطلاب في:
- مشاعر الحزن المستمرة.
- الشعور بالتوتر والتحدث مع الآخرين بغضب.
- تدني احترام الذات.
- مواجهة صعوبة في النوم أو النوم لفترات طويلة.
- تغيرات في الشهية؛ مثل تناول الطعام أقل أو أكثر من العادة.
- تغيرات غير مقصودة في الوزن.
- انخفاض الطاقة وعدم القدرة على أداء المهام.
- صعوبة تذكر الأشياء.
- انعدام الرغبة في إنجاز المهام.
- وجود أفكار انتحارية.
- الشعور بالمرض الجسدي دون وجود سبب حقيقي.
- الانعزال أو تجنب مقابلة الأصدقاء.
بالإضافة إلى ما سبق؛ قد يلجأ الطلاب المكتئبون لتناول المشروبات الكحولية والمواد المخدرة في بعض الأحيان كوسيلة للتكيف.
اقرأ ايضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب.
هل يفقد الاكتئاب القدرة على التركيز؟
قد يعاني المصابون بالاكتئاب من مشكلات في وظائفهم المعرفية ومن أهمها الانتباه والذاكرة؛ ما يؤدي إلى النسيان أكثر من المعتاد بحسب تحليل تلوي بقيادة الباحث من قسم علم النفس في جامعة ماكواري الأسترالية (Macquarie University)، ريكو لي (Rico Lee).
ويُعتقد أن مشكلات الذاكرة تلك مرتبطة بالتغيرات في بنية ووظيفة الدماغ والتي تحدث بسبب الاكتئاب، فحين يستخدم الجهاز العصبي المركزي الناقلات العصبية لنقل الرسائل بين الخلايا العصبية والخلايا الأخرى داخل الجسم؛ والتي تتحكم في كل شيء من التنفس إلى الحالة المزاجية، فهي تتأثر كثيراً في حال الإصابة بهذا المرض.
على سبيل المثال؛ ربطت مراجعة لباحثَين من قسم الطب النفسي بمستشفى يانجيا الثاني بجامعة سنترال ساوث الصينية (The Second Xiangya Hospital of Central South University) بين الاكتئاب والقلق لدى بعض الأفراد، والمستويات المنخفضة من النواقل العصبية مثل:
- السيروتونين.
- الدوبامين.
- النوربينفرين.
ولا يكون عدم التوازن بين الناقلات العصبية مسؤولاً فقط عن سوء الحالة المزاجية والتركيز؛ بل قد يؤدي إلى انخفاض حجم الدماغ الذي يحدث في حالة الاكتئاب، وفقاً لمراجعة من مدرسة إيكان للطب في جبل سيناء (Icahn School of Medicine at Mount Sinai) بأميركا.
قد يهمك أيضا:
- تجربتي مع اكتئاب الحمل: تعرفي على الدروس التي خرجت بها
- ما هو الهوس الاكتئابي؟
- كيف أتعامل مع زوجي مريض الاكتئاب؟
- كيف أتخلص من الاكتئاب المبتسم؟
كيف يؤثر الاكتئاب في الدماغ؟
وفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعة شرق لندن بالمملكة المتحدة (University of East London)، وجامعة بنسلفانيا الأميركية (University of Pennsylvania)؛ يرتبط الاكتئاب بتغييرات واسعة النطاق في بنية ووظيفة الدماغ بما في ذلك قشرة الفص الجبهي والحصين واللوزة، وهي مناطق تشارك في الإدراك والوظيفة التنفيذية مثل التخطيط واتخاذ القرار والاستدلال، بالإضافة إلى معالجة المشاعر.
لذلك يمكن أن يكون للتغييرات في وظيفة الدماغ التي تظهر خلال الإصابة بالاكتئاب تأثير كبير في مدى جودة عمل دماغنا والذاكرة. على سبيل المثال؛ غالباً ما يكون لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب حصين أصغر، ويعمل دماغهم بنشاط أكبر خلال استدعاء المعلومات أو الأحداث من خلال تجنيد مساعدة مناطق دماغية إضافية مقارنةً بالأشخاص الأصحاء، وفقاً لدراسة بقيادة الباحث في معهد الطب النفسي في كينغز كوليدج لندن (Kings' College London)، نيكولاس والش (Nicholas Walsh).
3 طرق فعالة لتحسين الذاكرة لدى مريض الاكتئاب
تشير أستاذة علم الأعصاب العاطفي بجامعة شرق لندن، سينثيا فو (Cynthia Fu)، إلى بعض الخطوات التي تساعد المصابين بالاكتئاب على تحسين ذاكرتهم؛ مثل:
1. ممارسة التمارين الرياضية: تفيد ممارسة التمارين الرياضية الذاكرة العاملة وسرعة معالجة المعلومات والانتباه؛ حيث يُعتقد أن التمرين يزيد من إفراز السيروتونين والدوبامين، ويزيد من التنشيط في قشرة الدماغ، وكلاهما يزيد من نمو الخلايا العصبية الجديدة وقدرة الدماغ على التغيير والتكيف والنمو.
2. التدريب المعرفي: يمكن لبرامج التدريب المعرفي؛ مثل التمارين أو الألعاب المعرفية عن طريق الكمبيوتر، تحسين الذاكرة العاملة والانتباه..
3. مضادات الاكتئاب: في بعض الحالات يمكن أن تساعد مضادات الاكتئاب على تحسين الذاكرة العاملة؛ حيث ترتبط مضادات الاكتئاب بالتحسينات في التخطيط واتخاذ القرار والاستدلال، على الرغم من إمكانية اختلاف هذه الآثار الجيدة لدى كبار السن.
الوقاية من الاكتئاب الدراسي
لا تقل الوقاية من الاكتئاب أهميةً عن علاجه، لذلك تساعد هذه الخطوات على الوقاية من الاكتئاب بشكل عام وكذلك الاكتئاب الدراسي:
1. خلق صداقات
يُعتبر خلق الصداقات أحد المفاتيح المهمة في منع الاكتئاب، وهو يمكن أن يتحقق بالاختلاط بالآخرين والانخراط في الحياة الاجتماعية؛ حيث يؤثر ذلك إيجاباً في الصحة النفسية وفقاً لدراسة من جامعة تكساس الأميركية.
يمكن أن يشمل هذا الاختلاط جدولة جلسة دراسية أسبوعية مع أحد الزملاء، كما يعد حضور الأحداث الاجتماعية؛ مثل لعبة كرة القدم أو حتى التطوع مع منظمة غير ربحية طرقاً ممتازة للتواصل مع الطلاب الآخرين.
2. إعطاء الأولوية للنوم
يمكن أن يساعد اتباع جدول نوم صحي ومنتظم على منع الاكتئاب. قد يستغرق الأمر بعض الوقت إن لم يكن الشخص معتاداً على ذلك؛ لكن وضع خطة لمحاولة النوم في نفس الوقت كل ليلة يمكن أن يحسّن من مستويات الطاقة خلال اليوم.
من الوسائل المساعدة أيضاً على تحسين النوم قراءة كتاب أو ممارسة بعض تمارين التنفس أو الاستماع إلى بودكاست للتأمل قبل النوم. كما يمكن أن يساعد بذل الجهد والنشاط طوال اليوم على الشعور بالتعب عند حلول وقت النوم؛ وبالتالي النوم جيداً.
وأخيراً؛ تمكن الوقاية من الاكتئاب أيضاً بزيادة المرونة وتعزيز احترام الذات للمساعدة على التعامل مع المشكلات عند ظهورها، وممارسة الرعاية الذاتية؛ مثل اتباع نظام أكل صحي، واستخدام الأجهزة الإلكترونية باعتدال، بالإضافة إلى طلب الدعم الاجتماعي، خاصة في أوقات الأزمات.
قد يهمك أيضا: