تحت ضغط مواعيد تسليم العمل القريبة، والصعوبات المالية وشكاوى العملاء، لم تعد سيلفي ذات الـ 43 عاماً، وهي مختصة في علوم الحاسوب، تشعر بالانسجام مع عملها الذي لطالما كانت شغوفة به، ولتتمكن من فهم ما تمر به بصورة أفضل فقد قررت حضور دورة في البرمجة اللغوية العصبية.
ما هي البرمجة اللغوية العصبية؟
تقول مختصة علم النفس والعلاج النفسي والشريكة المؤسسة مع برنارد هيفين لمركز دوجو في باريس، ومؤلفة كتاب "9 طرق جيدة لبناء حياة الكبار" ( Neuf Bonnes Façons de construire sa vie adulte)، جين تورنر: "تعد حالة سيلفي شائعةً تماماً في العالم المتسارع والمضطرب الذي نعيش فيه اليوم". وتتابع المتخصصة: "تهدف البرمجة اللغوية العصبية إلى دراسة تجربة الفرد الشخصية وسلوكه في سياق محدد، وليس البحث عن أصل مشكلة ما كما هو الحال في التحليل النفسي". تبدأ جلسات البرمجة اللغوية العصبية دائماً بإجراء مقابلة مع الفرد، وحتى لو كانت شكواه تتعلق بالحياة المهنية، كما في حالة سيلفي، فإننا نتطرق إلى جوانب أخرى من حياته. ولذلك فقد تحدثت سيلفي عن عائلتها المكونة من طفلين صغيرين، وعن زوجها الذي يعاني من عدم الاستقرار المهني، وقالت في النهاية: "أشعر وكأنني فقدت مساري في الحياة". استنتجنا من هذه المناقشة أنها تُحمّل نفسها فوق طاقتها، وترى النجاح كواجب مفروض عليها. كما عرفنا أنها وتحت وطأة هذا الضغط، لم تعد قادرةً على تحديد القرارات التي يجب أن تتخذها وتلتزم بها.
يتمحور نهج البرمجة اللغوية العصبية حول فكرة رئيسية تمثل نقطة الانطلاق، وهي أن الواقع الذي يعيشه الفرد هو نتاج توقعاته الشخصية، ومن ثم فإنه هو الذي يخلق هذا الواقع. أما الخطوة التالية فهي نمذجة السلوك، وتوضح المختصة قائلةً: "لا يساعد الممارس المريض على إدراك سلوكياته فقط؛ بل الدافع وراءها أيضاً أي إدراك مشاعره وطريقة تفكيره ونظرته إلى النجاح، ويكون ذلك من خلال طرح أسئلة محددة عليه؛ مثل: ما الذي تريده حقاً؟ أو ما الذي يحفزك؟".
وجهت المختصة إلى سيلفي هذه الأسئلة: "ماذا ستفعلين إذا ربحتِ اليانصيب غداً؟ ولماذا؟ أي ما دافعكِ الرئيسي لما تنوين فعله؟ ومن خلال التفكير بهذه الأسئلة والإجابة عنها أدركت سيلفي أن عجزها عن تنظيم حياتها بطريقة مختلفة لا يرجع إلى الصعوبات المالية. وتوضح جين تورنر: "عملنا خلال الجلسات على تغيير انطباعها بأنها غير قادرة على تحقيق تطلعاتها والالتزام بقراراتها، من خلال البحث عن لحظات النجاح والفشل في حياتها". من السهل أن يتبنى المرء سلوكاً معيناً ثم يصبح تلقائياً بالنسبة إليه، وهذا هو حال بعض الأشخاص الذين يكتسبون سلوكيات خاطئة بناء على تجربة واحدة مؤلمة، أو مجرد فكرة سلبية كنقص تقدير الذات أو عدم الثقة بالنفس. ينشئ كل فرد أنماط التفكير الخاصة به واستراتيجياته التي يستخدمها عند اتخاذ القرارات وحل المشكلات والتعلم، وغيرها، وتُدرج هذه الأنماط في نظامه العصبي ويعيد استخدامها دائماً. وتسمح البرمجة اللغوية العصبية بفهم هذه السلوكيات وإعادة برمجتها من خلال استخدام مجموعة من التقنيات والتمارين مثل تمثيل الأدوار أو تصور المستقبل.
ومن جهة أخرى تسمح البرمجة اللغوية العصبية بالعودة إلى الماضي البعيد للفرد والوقوف على ظروفه الشخصية، وفهم منشأ السلوكيات الخاطئة لديه، وسبب عجزه عن تحقيق النجاح، ومعرفة العوائق التي تقف في طريقه. وبهذه الطريقة تذكرت سيلفي لحظةً مهمةً في حياتها وهي الصراع الداخلي بين رغبتها في متابعة دراستها في باريس، وشعورها بأنها غير جديرة بالإقامة في العاصمة لأنها كانت تقطن وعائلتها في الريف، ومن ثم فإنه لا "مبرر" لديها لتسعى إلى تحقيق حلمها. تقول المختصة: "عملنا خلال الجلسات على نمذجة سلوك سيلفي؛ أي تعليمها السلوك الملائم الذي كان يجب أن تتخذه عندما غادرت المنزل وانتقلت للعيش في باريس، ومن خلال ذلك أدركت أنها ليست بحاجة إلى "مبرر" لتسعى إلى تحقيق رغبتها، وبعد بضع جلسات تمكنت سيلفي من إيجاد معنى حياتها مجدداً".
نبذة تاريخية
في أوائل السبعينيات، أبدى أستاذ اللسانيات الأميركي جون غريندر ومواطنه المعالج النفسي وعالم الرياضيات ريتشارد باندلر اهتماماً بطريقة عمل مؤسس علاج الغشطالت فريتز بيرلز، ومبتكر طريقة التنويم المغناطيسي الجديد ميلتون إيريكسون، وخلصا إلى أن نجاح العلاج لا يتوقف على النظرية بل على سلوك المعالج الذي يطبقها. ولذلك فقد طورا نماذج سلوكية وطرق تفاعل بين المعالج والمريض يمكن تعليمها. لقد أصبحت هذه "النمذجة" طريقة ناجحة جداً ولا سيما أنها متاحة لجميع الناس، ويستخدمها ممارسو البرمجة اللغوية العصبية كعلاج موجز أو أداة للتواصل أو التنمية شخصية.