بالتأكيد لم يفكّر الروائي عبد الرحمن منيف في مآسي مرضٍ كآلزهايمر حين تكلّم عن فوائد النسيان قائلاً: "لولا النسيان لمات الإنسان لكثرة ما يعرف؛ لمات من تخمة الهموم والعذاب والأفكار التي تجول في رأسه".
وربما يعاني الأدباء والمبدعون من كثرة الذكريات والتجارب المؤلمة، فتجدهم يتغنون بتلك القدرة الإنسانية على عدم التذكّر؛ ولكن هذه الرؤية الشعرية والفلسفية لا تنطبق على من اختطفت ذكرياته بسبب الإصابة بألزهايمر، فحياته تُسلب من أمامه شيئاً فشيئاً.
لذلك سيولي هذا المقال الأهمية لإعطاء الأمل الحقيقي والمبني على أحدث الحقائق العلمية للمهتمين بمحاربة احتمالات الإصابة بهذا المرض والحفاظ على شريط حيّ ونابض لذكرياتهم السعيدة والمؤلمة حتى آخر لحظة من حياتهم.
آلزهايمر: الأسباب والأعراض
مرض آلزهايمر (Alzheimer's disease) هو اضطراب في الدماغ، يدمّر مهارات الذاكرة والتفكير ببطء؛ إذ يمكن أن يصل إلى درجةٍ تنعدم فيها القدرة على تأدية أبسط المهام حتى. وينقسم آلزهايمر إلى نوعين هما النوع المبكر (Early-onset) الذي تظهر أعراضه بين سن 30 و60، والنوع المتأخر (Late-onset) الذي تظهر أعراضه على المصاب به في منتصف الستينات. وتظهر الأعراض في حالة النوع المتأخر لأول مرة في منتصف الستينيات من العمر بالنسبة لمعظم الأشخاص المصابين به، ويُعتبر ألزهايمر السبب الأكثر شيوعاً للخرف بين كبار السن.
ويُعد التقدّم في العمر من أكبر عوامل الخطر التي يُعرف بها هذا المرض؛ ولكن وفقاً للجمعية الأميركية للشيخوخة (Alzheimer's Association) لا يمكن اعتباره مرحلة طبيعية من مراحل التقدم في السن.
من المحتمل أن تدخل مجموعة التغييرات المرتبطة بالعمر التي تطرأ على مستوى الدماغ في خانة الأسباب، إضافة إلى عوامل أخرى قد تختلف أهميتها في زيادة أو تقليل خطر الإصابة من شخص لآخر وفق خبراء المعهد الوطني للشيخوخة (National Institute on Aging)، ونلخّص هذه العوامل كما يلي:
- العوامل الوراثية: لا يعني وجود تاريخ عائلي للمرض أنك ستصاب به حتماً؛ ولكن ذلك يؤكد أنك أكثر عرضة للإصابة.
- العوامل الاجتماعية: نمط الحياة المرتبط بالنظام الغذائي السليم والنشاط البدني والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والنوم لعدد ساعات كافي ومحاولات التحفيز الذهني، حسب الأبحاث التي أشار إليها المعهد الوطني للشيخوخة يساعد الأفراد على الحفاظ على صحة جيدة أثناء تقدمهم في السن، ويؤكد خبراء المعهد أن هذه العوامل نفسها تساهم في تقليل خطر التدهور المعرفي ومرض ألزهايمر. وفقاً لذلك؛ يُعتبر نمط الحياة غير الصحي وتدنّي مستوى المشاركة الاجتماعية عوامل مساهمة تزيد من احتمالات الإصابة.
كيف تبدو أعراض آلزهايمر على كبار السن إذاً؟
رغم أن الأعراض قد تختلف من شخص لآخر؛ تعد أولى علامات مرض آلزهايمر هي تلك المتعلقة بمشاكل الذاكرة، إضافة إلى ضعف القدرة على التفكير وحل المشكلات؛ ما يجعل حياة المصابين مليئة بالتحديّات اليومية مثل دفع الفواتير والعثور على الكلمات الصحيحة أثناء المحادثة وقيادة السيارة والطهو، وغيرها من الصعوبات التي تتعلق بمهام بسيطة؛ ولكن فقدان القدرة التدريجي على القيام بها يجعل المصابين قلقين وغاضبين، وقد يؤثر سلباً في صحتهم النفسية، خاصة حين يفقدون الأشياء بسهولة أو يضيعون طريقهم.
نحو 98% من آلزهايمر مرتبط بالعادات اليومية
آلزهايمر ليس نتيجة حتمية للتقدم بالسن، ولا ينبغي الاستسلام للخوف دون وجود أسباب طبية وأعراض حقيقية تشير لإمكانية الإصابة به؛ ولكن يمكننا جميعاً الاستثمار في أنفسنا وصحتنا البدنية والنفسية لخلق فرص أكبر حتى نعيش مرحلة شيخوخة خالية من أمراض الخرف والذاكرة، فهل يمكنّنا التعلم من ذلك؟
تجيبنا بـ "نعم" عالمة الأعصاب والمؤلفة والمتحدثة في أشهر البرامج الأميركية، ليزا جينوفا (Lisa Genova). وقبل أن تعرف ما الذي يمكنك بالفعل القيام به الآن للوقاية من آلزهايمر، تطمئنك ليزا بأن النسيان لوحده ليس علامة على أنك مصاب أو ربما ستصاب بالمرض، فأن تنسى أين وضعت مفاتيح السيارة أو أسماء بعض الأشخاص، أو تنسى القيام بأمرٍ خططت له؛ كلها أمور طبيعية وليست لها علاقة بالمرض. ليست كل أنواع النسيان عند بلوغ سن الخمسين أو أكثر مرتبطة بألزهايمر، فذاكرة الإنسان ليست مصممة لتكون مثالية.
وبالرغم من تحديد العامل الوراثي كأحد أسباب الإصابة بألزهايمر من طرف أغلب العلماء المختصين في هذا المجال؛ تقول ليزا في مقابلة لها مع "بيغ ثينك" (Big Think) إن 98% من ألزهايمر مرتبط بالعادات اليومية التي نقوم بها لمدة طويلة من الزمن.
اقرأ أيضاً: ما هي أنواع النسيان التي يسببها مرض ألزهايمر؟
5 عادات للوقاية من الإصابة بمرض آلزهايمر
بخلاف ما قد يعتقده بعض الناس؛ لا يحدث آلزهايمر بين ليلة وضحاها أو في فترة وجيزة، لأن ظهوره يرتبط بتراكم صفائح وطبقات بروتين يُسمى ببتيد بيتا النشواني (Amyloid Beta)، وهو المسؤول عن الإصابة بالمرض.
تراكم صفائح هذا البروتين في الدماغ يتطلّب نحو 15-20 سنة، ويتأثر بنمط الحياة، وهذا هو الخبر السار الذي تخبرنا به ليزا جينوفا وتتحدث عنه أيضاً في كتاب لها بعنوان: "تذكر: علم الذاكرة وفن النسيان" (Remember: The Science of Memory and the Art of Forgetting).
أما العادات التي يمكن ممارستها للوقاية من آلزهايمر فيمكن تحديدها كالآتي:
1. أنت بحاجة النوم
أثناء النوم، تقوم الخلايا الدبقية (Glial Cells) بتنظيف المواد المتبقية من عمليات التمثيل الغذائي المتراكمة في دماغك حين كنت مستيقظاً، ويدخل بروتين ببتيد بيتا النشواني من ضمن المواد التي يتم التخلص منها بشكل نهائي، فعدم أخذ قسطٍ كافٍ من النوم يعني أنك لم تمنح الوقت الكافي للخلايا الدبقية لكي تقوم بمهمتها.
2. اتبع حمية "البحر المتوسط"
أظهرت العديد من الدراسات فوائد اتباع حمية "البحر المتوسط" (Mediterranean) الغذائية المكوّنة من الخضروات الورقية والفواكه ذات الألوان الزاهية والأسماك والمكسرات والفاصوليا وزيت الزيتون، يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر من الثلث إلى النصف.
3. تمرّن ولو قليلاً
يكفي المشي السريع لمدة 30 دقيقة، أربع إلى خمس مرات في الأسبوع، للعمل على تقليل مستويات بروتين ببتيد بيتا النشواني؛ وبالتالي تقليل خطر الإصابة بمرض ألزهايمر بمقدار الثلث إلى النصف.
4. قلّل من مستويات التوتر
يسبب التوتر والضغط أضراراً كبيرة للذاكرة؛ حيث يجعلان مستويات الكورتيزول دائماً مرتفعة؛ ما يؤدي إلى تقليص حجم الحصين (Hippocampus)، وهو الجزء المتواجد في الدماغ المسؤول عن تكوين الذكريات.
ويؤدي التوتر إلى تثبيط عملية تكوين الخلايا العصبية؛ وبالتالي يمنع ولادة خلايا عصبية جديدة في الحصين، وهو أول مكان يصيبه مرض آلزهايمر. بالتأكيد المعلومات السابق ذكرها ستجعلك ترغب في تقليل التوتر، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال تبنّي ممارسات إيجابية يومية كالتأمل واليوغا وتمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness) والتنفس العميق.
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من التوتر بممارسة تأمل اليقظة الذهنية؟
5. تعلّم أشياءَ جديدة دائماً
في كل تجربة تعلم جديدة، تبنى نقاط اشتباك عصبي جديدة، وبالتالي تتكون مسارات عصبية جديدة تسهم في بناء ما يُسمى بـ "الاحتياطي المعرفي" (Cognitive Reserve). وبما أن بروتين ببتيد بيتا النشواني يعمل على تحويل الروابط بين عدد معين من الخلايا العصبية إلى مادة لزجة وبالتالي منع حدوث نقاط الاشتباك العصبي؛ ستوفر تجربة التعلّم الجديدة حل لخلق المزيد من المسارات العصبية بدل تلك التي يمنع تكوّنها البروتين، فلا يمكن لوجود البروتين في الدماغ مهما كانت مستوياته أن يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى تكوين ألزهايمر.
تسهم العادات الخمس التي تنصح بها عالمة الأعصاب ليزا جينوفا في تطوير دماغٍ مقاومٍ للإصابة بمرض آلزهايمر، ويمكن للالتزام الدائم بهذه الاستراتيجيات المقترحة أن يزيل أو يقلل من التخوّف من أمراض الشيخوخة الذي يصيب بعض الأشخاص، خاصة إذا ما تبنوا عادات صحية أخرى في نمط عيشهم كما تقول ليزا، إذ يمكنها أن تساعد بشكل إضافي على الوقاية من المآسي التي يسببها مرض كهذا.