هل تجعلك المواقف المحبِطة والمرهِقة تفقد توازنك بانتظام؟ أو ربما تشعر غالباً أنك على حافة الهاوية أو لا تثق بنفسك تماماً لاتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب؟ حتى لو لم تكن هذه الصراعات الداخلية حاضرة بشكل دائم في حياتك، فهل وجدت يوماً أن ظروفاً معينة مثل العلاقات الجديدة أو المشاكل القديمة أو الأحداث المسبة للتوتر تجعلك تتأثر عاطفياً بدرجة كبيرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هذه علامة على أنك تجد صعوبة في إدارة العواطف.
يمكنك تعلم كيفية إدارة عواطفك للاستجابة بشكل مناسب في أي موقف معين بدلاً من السماح لها بالتحكم في ردود أفعالك.
في هذا المقال، سوف نتعرّف إلى معنى إدارة العواطف وأساليبها المختلفة، بالإضافة إلى التحديات المشتركة وتقنيات تقوية مهاراتك في إدارة العواطف. وكلها معلومات ستساعدك على أن تصبح أكثر مرونة وهدوءاً ونجاحاً في تسيير نظام عواطفك.
ماذا تعني إدارة العواطف؟
يدور مفهوم إدارة العواطف حول إدارة مشاعرك، أو بشكل أكثر دقة إدارة استجابتك لعواطفك. يمكنك التفكير في الأمر على أنه العملية التي تنتقل من خلالها من الشعور إلى الاستجابة والعودة مرة أخرى حتى لا تسيطر مشاعرك في المواقف الصعبة التي تحتاج التروي في إبداء رد فعل معين مثلاً.
إنها مهارة نستخدمها جميعاً كل يوم، عندما نكون على دراية بها أو عندما لا نكون كذلك. فعندما تكون في وضع عاطفي منظم، أي تُدير عواطفك بشكل جيد، تكون قادراً على الاستجابة بشكل مناسب للموقف بناءً على الحقائق بدلاً من الانسياق وراء عواطفك، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإدارة العواطف لا تشتت انتباهك عن هدفك. أما عندما لا تدير عواطفك بشكل جيد، قد تتسبب مشاعرك في المبالغة في رد الفعل أو الرد بشكل غير لائق لا يناسب الموقف.
لماذا من المهم أن نفهم أساليب إدارة العواطف؟
كما رأينا، العواطف جزء أساسي من التجربة الإنسانية. إنها أيضاً جزء أساسي من اختبارنا العالمَ الخارجي. لسوء الحظ، يمكن أن تسبب لنا المشاعر الكثير من التوتر والصراع غير الضروريين. عندما لا نمتلك المهارات اللازمة لفهم وإدارة عواطفنا، فإننا نواجه خطر ترك هذه العواطف تخرج عن نطاق السيطرة.
يعاني الكثير من الناس من خلل في إدارة عواطفهم قد يؤثر بشكل كبير في حياتهم اليومية، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى مشاكل تتعلق بالصحة النفسية. وفقاً للوكالة المحلية للصحة العامة بولاية واشنطن (Spokane Regional Health District)؛ القدرة على إدارة العواطف تساعد على منع الاكتئاب وتقليل السلوكيات العدائية التي يمكن أن تسبب خطراً على أنفسنا أو الآخرين.
وتكمن أهمية فهم أساليب إدارة العواطف في منع وقوع تلك المواقف المحرجة التي جعلتك تقول أو تتصرف مثلاً بغضب قد تندم عليه لاحقاً، وتتمنى لو تمكنت من السيطرة أكثر على ردات فعلك. هناك العديد من الأساليب التي يمكنك استخدامها لفهم وتقوية مهاراتك في إدارة العواطف وتقليل تأثيرها السلبي على حياتك.
5 عوامل محددة تؤثر في الاختيار الفردي في إدارة العواطف
حددت دراسة تحليلية نُشرت في 2020، قام من خلالها مجموعة باحثين متخصصين في علم النفس والطب النفسي من جامعات في بريطانيا وأميركا بتفحص منهجي لنتائج دراسات عديدة بهدف معرفة ما إذا كان الأشخاص يقومون بإدارة عواطفهم عن طريق الاختيار وكيف يحدث ذلك؛ حيث تمكنوا من تحديد 5 عوامل مؤثرة في إدارة العواطف، وهي كالتالي:
1. العوامل العاطفية
وتتعلق بالنية لإدارة المشاعر، فالأفراد الذين يحملون هذه النية مسبقاً يكونون أكثر تحفزاً لإدارة مشاعرهم السلبية.
2. العوامل المعرفية
تنقسم إلى أربعة محددات تشمل:
- إمكانيات استخدام أو القدرة على اختيار استراتيجية معينة لإدارة العواطف مثل: إعادة التقييم.
- الجهد المعرفي: أي الجهد المتوقع القيام به، أو الجهد الفعلي كأن يتخذ الشخص خيارات لن يبذل جهداً في تنفيذها أو خيارات يتعين عليه بذل الجهد لتنفيذها لاحقاً.
- طبيعة التفسير: والذي قد يعطيه الأشخاص لشعور معين تبنوه واستنتجوا أنه كان مفيداً حينها كالغضب، إضافة إلى التذرع بتفسيرات شخصية لسبب اختيار عواطف بعينها. ويشير هذا إلى أن الطريقة التي يفسّر بها الناس عواطفهم تؤثر بشكل مباشر في ما يشعرون به.
- وجود خيارات إضافية أمام الفرد تؤثر في خياره في إدارة عواطفه.
3. العوامل التحفيزية
وتنقسم إلى ثلاثة محددات تحفيزية محتملة تجعل الفرد ينوي أو يختار إدارة عواطفه، وتشمل الأهداف البارزة وتوقع مهمة قادمة وحوافز ذات طبيعة مادية كالأموال.
4. العوامل الفردية
وتشمل أربعة محددات تتضمن المحددات الديموغرافية مثل العمر والجنس، أما المحددات الفردية الأخرى فتشمل الصحة النفسية والفروقات بين الأفراد مثل مستويات الاضطراب في الشخصية وما يعتقده الأشخاص عن العواطف التي يشعرون بها.
5. العوامل الاجتماعية والثقافية
وتتضمن محددات مثل مدى شعور الأفراد بالحاجة إلى الانتماء إلى مجموعة والأيديولوجية السياسية؛ أي الدافع لتجربة العواطف كأعضاء في مجموعة.
3 أساليب رئيسية لإدارة العواطف
من المحتمل أنك تستخدم مزيجاً من الأساليب الثلاثة من وقت لآخر؛ كما يمكنك استخدام أسلوب مختلف في سياقات مختلفة أيضاً. ما عليك إلا أن تتعلم كيفية تحديد الأسلوب الذي يناسب شخصيتك أكثر وكيف يمكن أن يساعدك على اكتساب فهم أفضل لأسلوبك في إدارة العواطف.
حدّدت المحاضِرة في علم النفس الثقافي والمستشارة المتخصصة في علم نفس التحولات عبر الثقافات ماريانا بوغوسيان (Marianna Pogosyan) ثلاثة أساليب لإدارة العواطف، وهي كالتالي:
1. الكبت
ويتضمن هذا الأسلوب حجب أو قمع مشاعرك حيث تحاول جاهداً تجاهلها. ويحدث ذلك غالباً لتجنب المبالغة في رد الفعل في الوقت الآني.
2. التقبل العاطفي
يرتبط بعدم التفاعل مع المشاعر السلبية وإدراكها وتقبلها. ويتطلب هذا الأسلوب بعض اليقظة الذهنية، فالأشخاص الذين يتقبلون مشاعرهم السلبية عندما يتعرضون للتوتر يتعرضون لمشاعر سلبية أقل من الأشخاص الذين لا يتقبلون مشاعرهم ويقاومونها.
3. إعادة التقييم المعرفي
ويتضمن هذا الأسلوب إعادة تفسير مشاعرك والربط بينها بطريقة مختلفة. مثلاً: تذكير نفسك بأنك لست في خطر حقيقي عندما تشعر بالقلق، ويرتبط هذا الأسلوب بمستويات أقل من الاكتئاب ومستويات أعلى من العافية.
لا بد أنك مررت بتجارب حياتية تضمنت اتخاذ بعض القرارات الحاسمة تجاوباً مع أحداث خارجة عن السيطرة أو غير متوقعة، أو أنك دائماً ما تشعر أن الأمور تسير بوتيرة سريعة تجعلك بحاجة إلى متنفس قبل أن تتولى زمام الأمور، خاصة إذا لم تكن محاطاً بأفراد أسرة داعمين أو شبكة دعم من الأصدقاء.
يمكن للعديد من المواقف أن تثير مشاعرك فتفقد السيطرة. لذا يوفر لك فهم أساليب إدارة العواطف فرصة أفضل للسيطرة على ردود فعلك إزاء تلك المواقف الصعبة التي تمر بها.