هل استطعت تحقيق أحلامك؟ هل ما زالت تعيش على أمل أن تصبح رائد فضاء وتعيش على جزيرة وأن يكون لديك الكثير من الأطفال؟ ولماذا لم تتحقق كل هذه الأحلام بعد؟ وإذا كان الوقت قد حان لتحقيقها على أرض الواقع؛ كيف ستتصرّف؟
أغمض عينيك وتذكر. لقد كانت أحلامك حاضرة بقوة في طفولتك هل كنت تعتقد أنها ستتحقق عندما كنت تخطط لها؟ ماذا فعلت مع أحلامك التي كنت لا تنفك عن التفكير فيها والتخطيط لها؛ ماذا عن أملك في أن تكون مغامراً شجاعاً أو راقصا مشهوراً أو رجل إطفاء لا يهاب الموت؟ هل قمت ببناء قارب أو حلقت في الهواء؟ وهل عشت بين الذئاب والأسود كطفل يعشق حياة البراري؟ كان جسدك كله منخرطاً تماماً في الأحاسيس التي أعطتها لك هذه الرؤى؛ الفرح والزخم والقوة والحرية. للوهلة الأولى بدا كل شيء ممكناً؛ لكن ماذا فعلت بعد كل هذا؟ نراهن أن بعض أمنياتك قد تحققت بفضل الأنشطة اللامنهجية والإجازات ولحظات الحياة. وربما كان لديك حتى الحظ وروح المثابرة لجعل حياتك حلماً يتحقق. فإلى أي مرحلة وصلت في مخطط آمالك؟
وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إيبسوس" (Ipsos)؛ يشعر 47% من الفرنسيين بأنهم سيفقدون حياتهم. إنهم يلقون باللوم على أسلوب حياتهم، فلا يوجد وقت كافٍ ليكون هناك نمط حياة طبيعي (النساء أقل من الرجال) كما أن وسائل الترفيه قليلة جداً، فضلاً عن أن الحياة تسير وكأنها آلة تفقدهم طعم العيش وتحرمهم من الاستمتاع. علاوة على ذلك، فقد أصبحوا ينبذون طبيعة نشأتهم؛ متضررين من الوجود في حد ذاته ومكبّلين بالواقع الاقتصادي. وبحسب الاستطلاع؛ وصفوا الآثار على النحو التالي: انعدام تقدير الذات، والشعور بالجهل نحو تحديد ماهيته الأساسية، بالإضافة إلى الشعور السيئ الذي يعتري أجسادهم ويدفعهم إلى ترك كل شيء وراءهم. فماذا يفعلون عادةً مع أزمة منتصف العمر؟!
إعادة إحياء الأمل
برز في الساحة العامة في العاصمة الفرنسية باريس مجموعة مظاهرات أسست لها فرقة لي نوي ديبو، للنبش في شعارات عام 1968، على غرار: "الحلم العام" و"مجنون من لا يتعلم من آلامه" و"الغد يبدأ من هنا". في سياق آخر، تجاوز فيلم ميلاني لوران وسيريل ديون "غداً" الرقم القياسي البالغ مليون متفرج. هناك شيء ما يحدث على المستوى الجماعي ويستمر في تأكيد نفسه؛ تزايد التشاؤم (58 % من الفرنسيين يشعرون بالقلق بشأن المستقبل؛ أي بزيادة تسع نقاط عن العام الماضي وفقاً لشركة "إيفوب" (Ifop)) وعدم ثقة في الحكومة بشأن قضايا الأمن ومكافحة البطالة وحماية البيئة، والحاجة الماسة إلى اليوتوبيا. عندما نحلم بعالم آخر أو نضيع في متاهات هذا العالم، فإن غريزة البقاء لدينا تقوم بعملها. لقد تم تشخيص مرض الروح الغربية على يد يونغ في بداية القرن العشرين، ويبدو أنه وصل اليوم إلى "فئة غير مسبوقة" من الناس حسب تقدير المعالجة النفسية إيناس ويبير التي أرسلت إلينا مؤخراً مقالاً نُشر على موقعنا بعنوان: "لديهم كل شيء ليكونوا سعداء لكنهم بصدد استشارة الآخرين ".
وكتبت نقلاً عن المعالج النفسي والفيلسوف الألماني غراف دوركهايم: "من الغريب بالنسبة للإنسان الذي تحدده الحضارة العقلانية، أن معاناته تأتي من حقيقة أن النظام الذي يفرضه المجتمع ومطالبه الضيقة حول الكفاءة والسلوك الأخلاقي تخفي عنه حقيقته العميقة". عند "بدء العلاج"، ميز الطبيب النفسي بين وجودنا الوجودي (قدرتنا على شغل مكان والقيام بوظائف في المجتمع) ووجودنا الأساسي (طبيعتنا العميقة والمفردة). كم منا استطاع أن يحقق أحدهما دون أن يعبر عن الآخر؟ بسبب قلة معرفتنا، وتشكيكنا المستمر في قدرتنا على المثابرة لتحقيق أحلامنا. تقول إيناس ويبير أنها تستقبل المزيد من الأشخاص الذين ليس لديهم أي مشاكل حقيقية. وتوضح: "من المفارقات أن هذا هو أكثر ما يشتكون منه ويجعلهم يشعرون بالذنب عند طلب المساعدة دون أن يكون لديهم أي شيء جاد يستحق بالفعل المساعدة والتدخل". وتضيف: "كلّ أمورهم الحياتية (الوظيفة والحب والأسرة) تسير على ما يرام؛ لكنهم يتحدثون عن شعور منتشر ومثير للاستياء بعدم الرضا أو الإحباط العميق، ويتملّكهم إحساس بأنهم يعيشون نصف الحياة". وتلاحظ المعالجة: "فهمت أن هؤلاء الأشخاص لا يأتون إلينا لحل المشاكل ولكن لتحقيق التطلعات والتقدم الوجودي والبحث عن حياة أكثر أصالة". طلب ذو طبيعة روحية؛ كيف نصبح أنفسنا؟!
تحقيق الغاية
كن على سجيتك، هذا هدف بقدر ما هو تحدٍ! لماذا نريد أن نحقق أحلامنا ما لم نكن نرغب بالانسجام مع حقيقتنا وكل ما يلهمنا بعمق؟ ولكن كيف نحقق ذلك؟ كيف نشبع رغبتنا ونحقق ما في خيالنا؟ كيف يمكن الانتهاء من مشروع لم يتم القيام به بعد؟ وما الحلم الذي نتحدث عنه وما علاقته بأحلامنا الليلية؟! في هذا الصدد؛ يهتم التحليل النفسي بالرغبة، وهي مفهوم كرّس له جيرارد بونيه وزملاؤه كتاباً نظرياً متاحاً للجميع بعنوان "الرغبة: ما تجعلنا نعيش". ميّز جيرارد بين الرغبات (مجموع رغباتنا كما يمكننا التعبير عنها) والرغبة اللاواعية التي ترتبط بها هذه الرغبات. وطبقاً له فإن هذه الرغبة تستغل كل فرصة لتتحقق على أرض الواقع؛ بحيث يتجسد موضوع الرغبة في أفعال حقيقة من خلال مشروع ما أو إبداع أو أسلوب حياة. وحتى لو راود المرء شعور بأنه لن يحقق شيئاً، فيجب أن يدرك أن الأمر ليس كذلك أبداً". وهكذا تمتد جذور وجودنا بالكامل للبحث عن "كائن الرغبة الغامض" الذي يغذي طاقتنا الحركية؛ لكنه يظل بعيداً عن الوصول إلينا بشكل جذري. وفي الحقيقة لن تكون الأهداف التي نسعى إليها مصدراً فعلياً للرضا والإنجاز إلا إذا كانت تتوافق مع هذا اللغز الأساسي. ووفقاً للمعالجة إيناس ويبير؛ لا يُمنح هذا الجزاء للجميع، فاتخاذ الخيارات لا يكون دائماً تبعاً لمعايير خارجية (نموذج معياري للنجاح ومنهجية كاملة للأمن الاقتصادي واستجابة لتوقعات الآخرين) ولكن يمكن أن يكون هناك دافع داخلي. إذاً كيف نحقق وجودنا؟
اكشف عن خيالك
يصبح السؤال أكثر إلحاحاً عندما لا تعرف ما تريده بعد الآن بسبب تغاضيك عن رغباتك. في هذا الصدد يقول جيرارد بونيه: "أولئك الذين ليس لديهم مشروع ليسوا فاقدين للرغبة؛ وإنما يجب أن يبحثوا عنها بصبر وبلا هوادة". وعلى حد قوله: "فإن رغبتنا تطورت منذ الطفولة وتركزت على شيء سمح لنا بالتغلب على الاختبار لمواجهة الشدائد؛ ما سمح لنا بتحويل المشاق إلى قوة فاعلة". هذا هو المسار الحقيقي. للأسف فهذه هي الحقيقة التي نسيناها؛ لكن لحسن الحظ تتمثل خصوصية الرغبة في التعبير عنها من خلال التكرار. وتظهر جليةً في أحلامنا الليلية ولكن بطريقة مقنّعة ومشفّرة؛ تماماً كما أوضح فرويد.
ومن هنا فإن الاهتمام بالأحلام يشجع المحللة النفسية آن دوفورمانتيل، على ملاحظتها عند الاستيقاظ واستجوابها وتعلم الحوار معها، لأن هناك أنماطاً متكررة وخطوط قوة تخبرنا عن حقيقتنا والحلول الجديدة للتقدم في تحقيق كياننا. وبعد كل هذا، هل حقاً تنسى أحلامك عندما تستيقظ؟! قرر أن تتذكرها وانتبه لها جيداً وسوف تعود للظهور من جديد. اكشف عن خيالك ولا تتردد وانسج على منوال العظماء مثل: جول فارن وألكساندرا دافيد-نال ودافيد تورو. لا تتجاهل حاجتك إلى التفوق على نفسك والارتقاء بها. أنت تحتاج إلى هذا، والعالم كذلك. ينبغي أن يأخذك هدفك دائماً إلى المعالي. واعلم أن الفشل أفضل سبيل نحو التعلم.