يمكن القول إن جميع البشر عاشوا مواقف عانوا فيها من الضغط النفسي، وقد تبدأ تلك المواقف منذ الطفولة في فترات الاختبارات المدرسية على سبيل الذكر لا الحصر؛ والتي تصبح فيما بعد اختبارات جامعية. وحتى بعد التخرج من الجامعة، لا يتوقف تعرضنا للضغط النفسي، فقد نتعرض لمواقف مثل حضور مقابلة توظيف، أو المرور بأزمة مالية.
تشير الطبيبة "ستايسي سامبسون" (Stacy Sampson) في مقال نشره موقع "ميديكال نيوز توداي" (Medical News Today) إلى أن استجابة الجسم تجاه المواقف العصيبة متباينة، فهناك أشخاص يعانون من تأثيرات نفسية فقط مثل التوتر، بينما يمتد التأثير عند البعض الآخر إلى ظهور أعراض جسدية، وذلك ناتج عن أن أجسادهم تكون أكثر حساسية للتأثر بالضغط النفسي.
الدماغ في خطر
يُعتبر الضغط النفسي مفيداً في حال كان تعرضك له على المدى القصير، على سبيل المثال إذا كان لديك موعد تسليم مهمة في العمل وتسابق الزمن لإنجازها. فبحسب الدكتورة "ويندي سوزوكي" (Wendy Suzuki) أستاذة العلوم العصبية وعلم النفس بجامعة نيويورك؛ سيفرز دماغك حينها هرمونات عديدة لمساعدتك على الإنجاز أهمها الكورتيزول.
لكن هذا الوضع طارئ، أما عند التعرض للضغط النفسي بشكل متكرر فإن مستويات الكورتيزول المرتفعة ستؤدي إلى إتلاف الحصين الواقع داخل الفص الصدغي في الدماغ؛ الذي يعد جزءاً محورياً لتأدية المهام المتعلقة بوظيفة الذاكرة طويلة المدى.
ليس هذا فحسب، فالضغط النفسي المزمن وما ينتج عنه من زيادة في إفراز الكورتيزول، يمكن أن يؤدي إلى إتلاف قشرة الفص الجبهي في الدماغ؛ المسؤولة عن الوظائف المتعلقة بالتركيز والتخطيط وحل المشكلات.
القلب يستغيث
يتكيف جسمك مع المواقف العصيبة بزيادة معدل ضربات القلب وضخ الدم بكثافة، بنفس الآلية التي تستعد بها للدفاع عن نفسك بالجري أو بذل أي مجهود بدني آخر. وبعد أن تنقضي المواجهة، من المنطقي أن تعود الوظائف البدنية إلى حالتها الطبيعية؛ لكن في ظل الوجود في عالم يتعرض الكثيرون فيه لضغوط مستمرة أحياناً، فذلك لا يحدث دائماً.
يكشف لنا الطبيب أحمد توكل المدير المشارك لمركز أبحاث تصوير القلب والأوعية الدموية التابع لمستشفى ماساتشوستس العام (Massachusetts General Hospital) بكلية الطب التابعة لجامعة هارفارد الأميركية، ما يفعله الضغط النفسي المزمن الذي يحدث في فترة تتراوح بين شهور إلى سنوات بالقلب.
ويؤكد أنه يؤدي مبدئياً إلى ارتفاع ضغط الدم وتراكم الدهون ومقاومة الأنسولين، وجميعها عوامل تعمل بشكل مشترك على زيادة تراكم اللويحات الشريانية، ومن ثم ارتفاع خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
الأمراض تخترق الجسم بسهولة
يؤدي الضغط النفسي المزمن إلى زيادة إفراز هرمونات معينة؛ مثل الكورتيزول الذي ينتقل بمرور الوقت بصحبة هرمونات التوتر الأخرى إلى الجهاز المناعي، مسبباً تأثيرات مختلفة أهمها الالتهابات الشديدة، وذلك وفقاً للطبيبة "جانيس غلاسر" (Janice Glaser) مديرة معهد أبحاث الطب السلوكي في كلية الطب بجامعة ولاية أوهايو الأميركية.
تشرح لنا "غلاسر" ما يحدث بعد ذلك بقولها إن إفراز السيتوكينات المؤيدة للالتهابات يزيد لدى الشخص المتوتر، وهي بروتينات تؤثر في الوظائف المناعية فتجعله أكثر عرضة للعدوى وأقل استجابة للقاحات؛ كما يستغرق وقتاً أطول للشفاء.
بالإضافة إلى ما سبق؛ يمكن أن يزداد الوضع سوءاً إذا ما انتقلت السيتوكينات المؤيدة للالتهابات إلى الدماغ، فحينها سترتفع نسبة الإصابة بالاكتئاب؛ وهو ما يعرض الشخص للوقوع في دائرة مظلمة مغلقة بين الضغط النفسي والاكتئاب والالتهابات.
لا تصدر أصوات المعدة عبثاً
هناك تأثير شائع يظهر عند مواجهتنا المواقف العصبية يتمثل في صدور أصوات قرقرة من المعدة. تلك الظاهرة لم تأتِ من فراغ، فوفقاً لدراسة أجرتها قيادة البحث الطبي بالجيش الأميركي عام 2018؛ توصّل الباحثون إلى أن الضغط النفسي يمكن أن يدمر الميكروبيوم الذي يساعد الأمعاء على أداء وظائفها، فتظهر بعد ذلك أعراض مختلفة مثل عسر الهضم، والغثيان، والقيء، والإمساك.
يمتد التأثير إلى قدرة الضغط النفسي على زيادة نسبة الإصابة بمرض كرونز والتهاب القولون التقرحي، وذلك بحسب دراسة أجرتها الجمعية اليابانية لتطوير العلوم ونُشرت نتائجها عام 2020. فقد أشار 75% من الأشخاص الذين خضعوا للدراسة إلى أن أعراض المرضَين السابقَين زادت لديهم نتيجة تعرضهم لضغوط نفسية.
انخفاض الرغبة الجنسية
يلفت موقع "سايك سينترال" (Psych Central) الانتباه إلى أن الضغط النفسي المستمر على المدى الزمني الطويل، يؤثر سلباً في الجهاز التناسلي للذكور والإناث على حد سواء.
فعند النساء تنخفض الرغبة الجنسية، وتزداد أعراض متلازمة ما قبل الحيض وتصبح أكثر إيلاماً، أما لدى الرجال فتنخفض مستويات هرمون التستوستيرون؛ ما يؤدي إلى الضعف الجنسي، والإصابة بالتهابات البروستاتا أو الخصيتَين.
يؤثر هرمون الكورتيزول على الصحة الجنسية أيضاً، وتشير الطبيبة"ماج وايزمان" (Maj Wismann) المتخصصة في علم الجنس لوجود علاقة بين الضغط النفسي وانخفاض الرغبة الجنسية لدى الرجال، فهي تؤكد أن معظم من يعانون من أعراض الضغط النفسي يزداد عندهم إفراز الكورتيزول من ناحية، وينخفض إنتاج هرمون التستوستيرون من الناحية الأخرى، وهذا يؤدي لانخفاض الدوافع الجنسية نتيجة أسباب فيزيولوجية بحتة.
الضغط النفسي والربو، ما الرابط؟
يشارك الجهاز التنفسي جنباً إلى جنب مع بقية أجهزة الجسم، في مواجهة المواقف التي يصاحبها ضغط نفسي. ومن الظواهر الملاحَظة أن الشخص يتنفس بشكل سريع حينها؛ ما يؤثر في نسبة الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم، وذلك وفقاً لتفسير الطبيب "نيل شاختر" (Neil Schachter) اختصاصي أمراض الرئة بمركز "ماونت سيناي" الطبي (Mount Sinai Medical Center) في مدينة نيويورك الأميركية.
يمكن وصف ما سبق بالتأثير المبدئي، فبحسب مراجعة لعدة دراسات أجراها مركز مونتريال للطب السلوكي (Montreal Behavioural Medicine Centre) ونُشرت عام 2017؛ توصل الباحثون إلى أن الضغط النفسي الحاد والمزمن يؤدي للإصابة بنوبات الربو، وتفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن.
عفواً لقد نفذ رصيدك من الدوبامين!
يرتبط الضغط النفسي المزمن بمستوى الدوبامين الذي يفرزه الدماغ، فوفقاً لمقالة بحثية نشرتها مجلة "إي لايف" (eLife) عام 2019؛ توصل الباحثون إلى أن التعرض للضغوط النفسية بشكل مستمر يرتبط بانخفاض القدرة على تخليق الدوبامين.
يرجع ذلك إلى حدوث عملية أشبه بالاستنزاف للدوبامين عند مواجهة الضغوط النفسية الحادة؛ ما يؤدي بمرور الوقت إلى انخفاض القدرة على تجدد إنتاجيته بشكل يوازي الطلب المرتفع عليه، ويرتبط ذلك بزيادة احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية ذات الصلة بانخفاض الدوبامين مثل الاكتئاب.
الالتهابات الجلدية جرس إنذار
يلحظ البعض ظهور بعض الالتهابات الجلدية المترافقة مع الإرهاق والتعرض للضغط النفسي لديهم؛ مثل حبوب الشباب والإكزيما. وهذا ليس من قبيل المصادفة؛ إنما هو نتيجة طبية بحتة وفقاً لطبيب الأمراض الجلدية "ريك فرايد" (Rick Fried).
يؤكد "فرايد" أنه عندما يعاني الشخص من حالة ضغط نفسي حاد أو مزمن، ينشط جهاز المناعة في الجلد تلقائياً، وذلك يزيد من ظهور الالتهابات المتعددة مثل الصدفية، والإكزيما، والوردية، والطفح الجلدي؛ لكن الحالة الأصعب تحدث عندما يشعر المريض بالمزيد من الضغط نتيجة الالتهابات الجلدية التي ظهرت عليه، فيدور في حلقة مفرغة تفاقم وضعه الصحي.
يتضح لنا مما سبق أن تأثير الضغط النفسي جسدياً ليس هيناً، ويمكن أن يؤدي إلى ظهور مشكلات صحية مزمنة، لذا ننصحك بالتخفيف قدر الإمكان من الضغوط الحياتية التي تتعرض لها، عن طريق إدارتها وإيجاد الحلول الفعالة لها.
شاركنا: هل ظهرت عليك أعراض صحية نتيجة تعرضك للضغوط النفسية؟