هل يمكن للزوجين أن يصبحا صديقين بعد الانفصال؟

4 دقائق
الصداقة بعد الانفصال

عندما تصل العلاقة الزوجية إلى طريق مسدود فإنه من الأفضل أن يفترق الطرفان بطريقة ودية بدلاً عن الدخول في نزاعات. لكن بعض الأزواج لا ينفصلون تماماً؛ إذ تتحول العلاقة بينهم بعد الانفصال إلى علاقة صداقة، فهل فكرة الصداقة بعد الانفصال جيدة؟
تقول منى ذات الـ 32 عاماً وهي وكيلة سفريات: "لقد احتفظت بعلاقة صداقة مع زوجي السابق، فهو والد ابنتي سارة وكان ذلك من أجلها طبعاً. ولكنه كان من جهة أخرى حبي الأول الذي يعرفني عن ظهر قلب، إنه شخص مقرب لا يمكنني الاستغناء عنه". فهل منى بالفعل لا تستطيع الاستغناء عن زوجها السابق أم إنها لا تريد ذلك؟

ترى مختصة التحليل النفسي ومؤلفة كتاب "أخيراً أنا، التحليل النفسي النشط" (Enfin moi, votre psychanalyse active) جينيفيف أبريال، أن منى قد تكون تائهةً بعض الشيء. في معظم الأحيان ترتبط رغبة المرء في الاحتفاظ بعلاقة صداقة مع الزوج السابق بمعاناة سابقة مع انفصال الوالدين؛ ما أدى إلى جعل فكرة الانفصال أمراً يصعب تقبله بالنسبة إليه، إلا إذا لم ينفصل والداه بطريقة ودية وتخلل ذلك الكثير من النزاعات التي جعلته لا يرغب في تكرار أخطائهما. وعلى الرغم من أنه من الجيد أن يحافظ الزوجان على علاقة الصداقة بينهما بعد الانفصال، فإنه من الأفضل أن تسبق ذلك عملية تَفكر ذاتي، لتكون هذه الصداقة تقديراً للتاريخ الذي جمع بين الطرفين، لا ثمرة شعور أحدهما بالضعف.

أنا لست صادقاً مع نفسي

تقول مختصة علم النفس الإكلينيكي ليزا ليتيسيير: "تصبح علاقة الصداقة بين الزوجين المنفصلين أفضل عند وجود أولاد". لكن هذه العلاقة المتينة قد تخفي في بعض الأحيان نوايا أكثر غموضاً كالرغبة في مراقبة الآخر، أو العجز عن إتمام "عملية الحداد" التي تلي الانفصال نتيجة الشعور الدائم بالغضب، أو حتى الأمل في استعادة السيطرة على الآخر. وعلى الرغم من أن هذه النوايا؛ التي لا تكون واعيةً في بعض الأحيان، هي ليست نوايا خبيثة فإنها تعد دلالةً على سوء فهم المرء لرغباته الحقيقية ومشاعره ومخاوفه، وعدم قدرته على "طي هذه الصفحة" والمضي قدماً.

وتوضح جينيفيف أبريال أن هذه الحالة تمنع المرء من التعرف إلى أحد آخر وحتى لو حدث ذلك فإن هذا "الحضور الدائم" للزوج السابق سيؤدي إلى صعوبات في العلاقة الجديدة.

اقرأ أيضا:

أخفي في داخلي طفلاً ما يزال بحاجة إلى الآخرين

تطرح مختصة التحليل النفسي فرضيةً أخرى وتقول: "يمر الفرد بعدة مراحل في حياته يتعرض خلالها إلى الانفصال، ابتداءً بالولادة ثم المراهقة وغيرها من المراحل الأخرى. ويواجه بعض الناس عملية التفرد هذه بصعوبة؛ إذ يمثل الانفصال إضعافاً بالنسبة إليهم. تقول ليزا ليتيسيير: "يؤدي افتقار الإنسان إلى الثقة بالنفس إلى ازدياد خوفه من فقدان توازنه". وهكذا فإن الانفصال يخلق لديه حالةً من عدم الأمان بينما يشعره الارتباط بالاطمئنان، إلى درجة أنه يرغب في التأكد من تعايش الجميع (أولاده وزوجه السابق وحتى الزوج الحالي) مع هذا الوضع بطريقة رائعة.

وتوضح جينيفيف أبريال أن هذا الخيال الجميل يترجم الحاجة إلى الشعور بأننا ننتمي إلى مجموعة وقبيلة متحدة إلى الأبد، تماماً كالروابط التي نخلقها خلال فترة المراهقة ونؤمن بأنها ستستمر إلى الأبد، وتعبر هذه الحاجة إلى الانتماء عن رغبة في تعويض انعدام الأمن الداخلي.

اقرأ أيضا:

لا أستطيع أن أتحمل التعرض للهجر

توقظ حالة الانفصال الجروح النفسية القديمة. وتوضح مختصة التحليل النفسي أن المرء يسقط صورة والديه على الزوج السابق ولا سيما إذا كان الزوجان المنفصلان بدورهما والدين أيضاً. من جهة أخرى فإنه يمكن للمرء أن يعاني من ما تسميه ليزا ليتيسيير "اضطراب التعلق". ويعود هذا الاضطراب إلى الشعور بالتعرض للهجر في مرحلة الطفولة بسبب المعاناة من نقص عاطفي سواء كان هذا النقص فعلياً كانشغال الوالدين بالعمل، أو متصوراً، على سبيل المثال بسبب قدوم مولود جديد (أخ أصغر). إضافةً إلى ذلك فإن فقدان أحد الأحباء يحفز عواطف قوية وشعوراً بالألم لا يمكن تحمله. وهكذا فإن الشخص الذي تعرض لكل هذه الظروف يحاول الانفصال عن الزوج انفصالاً "جزئياً" ليخفف من مشاعر القلق التي تلي الانفصال، ويملأ هذا الشعور القديم بالفراغ في داخله.

ما الذي عليّ فعله إذاً؟

قل لزوجك السابق "شكراً لك" واطوِ الصفحة.

"تقول ليزا ليتيسيير: "من الضروري أن يستغرق الأمر الوقت الكافي لإدراكه، كما أن عملية "الحداد" اللاحقة للانفصال هي عملية ضرورية. ومن المستحسن أن تأخذ لحظةً تعيد فيها التواصل مع نفسك لتعي احتياجاتك ورغباتك وعواطفك الحقيقية. من جهتها ترى مختصة التحليل النفسي جينيفيف أبريال أن إظهار الامتنان للزوج السابق هو أفضل طريقة "لطي الصفحة"، وتقول: "لمَ لا تقول له "شكراً لك"؟ "شكراً لك على كل ما قدمته لي وفعلته من أجلي، ومن أجلنا". يتيح لك التعبير عن الامتنان بهذه الطريقة التعرف إلى قيمة هذه العلاقة ومن ثم قطع هذا الارتباط بطريقة أفضل.

سل نفسك الأسئلة الصحيحة

بالنسبة إلى ليزا ليتيسيير، فإنه من الضروري أن تسأل نفسك: "ما شعوري تجاه زوجي السابق؟ ماذا أتوقع من علاقتنا اليوم؟ هل لا أزال غاضباً أو حزيناً؟ هل أنا خائف؟ هل ثمة سوء تفاهم بيننا؟". يمكن أن تنشأ صداقة قوية ودائمة وصادقة من الحب، طالما أنك تدرك مشاعرك يطريقة صحيحة.

استعد الثقة بالنفس

إذا كان سبب صداقتك مع زوجك السابق هو فقط خوفك من فقدان توازنك، فمن المهم أن تستعيد ثقتك بنفسك. وتوضح الطبيبة النفسية أن تعزيز الشعور بالأمان الداخلي يسمح للمرء باستعادة استقلاليته. ويمكن للتحليل النفسي أن يكشف عن مصدر الهشاشة النفسية لديك خاصة إذا كنت تعاني من مشكلة تتعلق بالهجر.

كان لا بد من "إطلاق سراحه"

تقول كوثر ذات الـ 47 عاماً وهي طبيبة أسنان: "لقد حافظتُ على صداقتي بوالد ابني وزوجي السابق ولم تكن لدى زوجي الحالي مشكلة في ذلك. وعندما تزوج شعرتُ أنني فقدته، لذا حاولت أن أكون صادقةً مع نفسي ووصلت إلى نتيجة مفادها أنني كنت أرغب دائماً في الابتعاد عنه وأنه كان لا بد من "إطلاق سراحه" وتقبل أنه سعيد الآن، من دوني وبعيداً عني".

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي