تساعدنا الأحلام التي تنسج معالمها حكمتنا الباطنية أو اللاواعية على جعل حياتنا أقرب إلى تطلعاتنا. سنتناول في مقالتنا شروحاً وتمارين مستخلصة من كتاب "تفسير الأحلام الروحي" (The Spiritual Interpretation of Dreams) (دار "سالفاتور" (Salvator)) من تأليف عالميّ اللاهوت "أنسيلم غرون" و"شين جو وو".
(علم اللاهوت هو الدراسة المنهجية للطبيعة الإلهية).
"أنسيلم غرون" هو راهب بنديكتي (من الأنظمة الدينية الكاثوليكية) وأستاذ في علم اللاهوت ويدير دير "مونستاشفارزاخ" في ألمانيا. هو مستشار روحي وقائد معتكف وكاتب في جعبته الكثير من المؤلفات يركز فيها على التأمل والصوم وتفسير الأحلام. كرس مؤلَّفاً كاملاً مع العالم اللاهوتي البروتستانتي شديد التأثر بالثقافة الطاوية "شين جو وو" حول البعد الروحي لأحلامنا، يذكر فيه أهميتها ورسائلها المقدَّسة في الديانات اليهودية والطاوية والمسيحية. بصفتنا بشراً متواضعين تساعدنا مراعاة البعد الروحي على فهم "سر وجودنا" بثقة أكبر. بما أن "أنسيلم غرون" قارئ نهم لمؤلفات "سي جي يَن" ويقتبس منه كثيراً، فهو ليس من بين الذين ينكرون مفهوم اللاوعي؛ بل إنه يقرّ به ويمنحه بُعداً جديداً: "لا يتفرد علم النفس بتناول موضوع اللاوعي؛ بل يرسل الله لنا من خلال اللاوعي رسائل ألاحظها أحياناً بسهولة أكبر مما ألحظها في حياتي الواعية التي أكون وحدي المتحكم فيها".
1. اطلب الحلم من الخالق
ابدأ بالدعاء للخالق حتى يوحي لك بحلم يُظهر دربَ المستقبل؛ درباً منفصلةً تماماً عن رغبات الذات المضللة، وهنا لا نتحدث عن "قيادة" الحلم وإنما الانفتاح على بعد أعلى. ثم اسأل نفسك عندما تستيقظ إذا رأيت حلماً، وإذا ما زلت تتذكره وما الشعور الذي أحسست به عندما رأيته. قد يوقظك الحلم من نومك في الليل، وأحياناً يذكرك به موقف تمر به خلال النهار.
2. دوّن ما تتذكره من حلمك
وحاول أن تدونه في دفتر ملاحظات تخصصه لهذا الغرض. ابدأ بتدوين أحلامك كل يوم، ثم بعد مرور فترة ثق في حدسك ولا تدوّن إلا الأحلام التي تؤثر فيك والتي تثير اهتمامك، وبالطبع التي تبرز بوضوح بأنها تنتمي إلى الفئة الروحية. لكن لا تسأم انتظار رؤية الحلم المنشود الذي سيكشف لك ما تريد، كن مثابراً ومنتبهاً. كتب "أنسيلم غرون": "أثناء كتابتي لحلمي أعيد ترتيب مشاهده دون أن أحاول تفسيره، فأنا أدون ما يتبادر إلى ذهني فقط. ثم بعد بضع دقائق وعندما أتصفح دفتر ملاحظاتي سأدرك ما الذي وجّهني إلى مشاهدة ما شاهدته في الحلم، وما الذي شاهدته فيه/ بماذا نفعني، وأكتشف ما الذي تغير في روحي على مدار العام، وما المواضيع التي حركتني في مواقف معينة".
قد يضم حلمك الروحي شخصيات ورموزاً دينيةً أو روحيةً (ملائكة، رهبان، قساوسة، ساحرات، شامان (شخصية دينية) وغيرها الكثير)، أو "كيانات" لا يمكن تحديد ماهيتها (كيان مشرق بنوره، صوت ما، وغير ذلك)، أو حيوانات متكلِّمة، أو مشاهير يقدمون نصائح وجودية "شخصية"، وما إلى ذلك.
3. اذكر حلمك في صلاتك ودعائك
نعني بالصلاة هنا الحركات التي تحررنا من ذاتنا لنتوجه بحديثنا إلى خالقنا الأعظم من ذاتنا. إذا كان الحلم يشير إلى الصعوبات التي تحتاج حلاً أو إذا كان يمثل موقفاً مربكاً يحتاج توضيحاً، يمكنك أن تطلب من عقلك الباطن أن ينير بصيرتك ويظهر لك أفضل الخيارات. إن بدء هذا الحوار في الصلاة يتيح لك صياغة طلب واضح للتغيير، وفي نفس الوقت ينير القلب والروح. عندما تنفتح على بُعد آخر فإنك تضع نفسك أيضاً في موضع يسمح لك بتلقي الأفكار والحلول التي قد لا تخطر على بالك عندما تفكر بعقلك فقط.
4. ارسم حلمك
جهز ورقةً أكبر وأقلام رصاص أو أقلام تحديد أو فراشي رسم، ثم ارسم أو لون حلمك. احرص على أن تكون شاملاً وأميناً قدر الإمكان عند رسمك لحلمك، والأهم من كل ذلك ألا تحاول أن "تبتكر" وتكون خلاقاً. يعلّق "أنسيلم غرون" قائلاً: "إنها طريقة للاقتراب من توصيف الحلم وفهمه، فعندما ترسمه ترسخه أكثر في ذاتك، ويقل احتمال نسيانك له".
5. أطلق العنان لمخيلتك
يتذكر "أنسيلم غرون": "وجد "سي جي يَن" أن تدبّر مشاهد الحلم، إذا جاز التعبير، والتدقيق فيها خلال الحلم ينفع الروح، فمن خلال تركيز انتباه المرء على المشاهد التي يرسمها اللاوعي والسماح لها بأن تنكشف بحرية؛ تظهر صور أخرى وتستمر الروح بالحلم". بمجرد أن تنهي رسمتك أمعن النظر فيها وافسح المجال لخيالك بأي إضافات وتعديلات، وسجلها. إذا ظهرت شخصية في حلمك وتحدثت معك أخبرها بما تريد واستمع إلى إجابتها لك. تتيح لك هذه الطريقة تحليل عقلك الباطني، وفي المقابل تمنح عقلك الباطني فرصة لتحليلك. ويضيف المؤلف أن فائدة أسلوب التخيل النشط تتجلى بالتحديد عند السعي خلف الأحلام: "أنا أسأل من يطاردني لمَ يتبعني هكذا وما الذي سمعني أقوله، فربما يريد أن يلفت انتباهي إلى أمر مهم وفي معظم الأحيان يتبين أنه صديق، فيصبح الخيال الذي يمثله عوناً لي يثري حياتي".
وهكذا تظهر التوضيحات والنصائح والرسائل بعد إثراء السيناريو الأصلي للحلم، اكتبها وتأملها وحاول أن تربطها بوضعك الحالي.
6. أخبر أحدهم عن حلمك
الكلام يعزز الحلم، لذا اختر شخصاً مناسباً تثق به وأخبره قصة آخر حلم شاهدته أو الأكثر أهمية لديك. لكن انتبه، فلا ينبغي لمن تحدثه أن يحاول فك رموز الحلم: "يجب أن يستمع فحسب. دع الحلم يؤثر فيه ودعه يعبر عن المشاعر التي أثارتها مشاهد الحلم فيه. يمكنه إدلاء رأيه وطرح الأسئلة والاستفسار عما لا يفهمه؛ لكن لا ينبغي له تحت أي ظرف أن يفرض عليك تفسيراً للحلم. كما يمكنه منح المشاهد بعداً أكبر من خلال مقارنتها مثلاً بالأساطير أو الروايات. والغاية من ذلك واضحة وهي توفير جميع الفرص لك لنتأثر بحلمك وتستلهم منه وتستنير به. اترك كل ذلك يتغلغل فيك ثم دوّن انطباعاتك وتفسيراتك والرسائل التي استخلصتها من هذا الحديث.
7. اعثر لنفسك على خليل روحي
لم تعد مسألة جمع معلومات أو تفسيرها؛ بل مسألة "البحث عما يتعلق بعملية الاكتفاء الذاتي (إجراء مقابلة مع معالج نفسي) أو بالرحلة الروحية (إجراء مقابلة مع مرشد روحي). يشير "أنسيلم غرون" إلى سلبيات تحليل المرء رموز رسائل الحلم الروحية دون الاستعانة بمتخصص:”قد تخدعنا ذواتنا لأنها تسرع دائماً إلى الدفاع عن راحتها وتجنب الاستجواب. ومن هنا تأتي الحاجة إلى رأي طرف ثالث معتاد على الخوض في العالم الروحاني الذي يكون مضطرباً أو عاصفاً أحياناً. يعود الأمر لكل امرئ في اختيار هذا الطرف الثالث حسب قناعاته وحدسه لكن الاختيار يتباين دائماً. يمكن أن يكون مدرّساً في التأمل أو اليوغا، أو معالجاً وجودياً أو محللاً وفق منهج "سي جي يَن"، وليس بالضرورة أن يكون "متديناً"، كما يمكنك مقابلة شخص من محيطك يكون حساساً للبعد الروحي للوجود والكينونة”.
إذا كنت تريد تحليل حلمك دون تلقي المساعدة فاحرص على الإصغاء إلى صوتك الداخلي، والرسائل التي تزعزع أو تمس قناعاتك أو عاداتك. دوّنها وتدبّرها. لا شك أنك ستميز في النهاية ما إذا كانت تلائمك وتلهمك أم لا.
7 تواريخ بارزة في حياة "أنسيلم غرون"
1945: ولد في 14 يناير/كانون الثاني في مدينة بافاريا في ألمانيا.
1964: التحق بدير "مونستاشفارزاخ" في ألمانيا، بالجماعة البندكتية في مدينة "سانكت أوتيليين" حيث كان عمه راهباً.
السبعينيات: أمضى أربع سنوات يدرس في روما حيث تعلم الفلسفة واللاهوت.
1977: حاز على دبلوم في الإدارة وأصبح مسؤول المؤونة في الدير، "يدير" مائة راهب ويطور الأنشطة الصناعية فيه.
1980: أنشأ مجموعة "كتيبات الدير" (Les Opuscules de l’abbaye) (مائة عنوان). واكتسب الدير نسخةً مطبوعة.
1998: ترجِمت "ألبَن ميشيل" أطروحة صغيرة له عن الروحانيات اليومية إلى الفرنسية وبيعت منها أكثر من خمسين ألف نسخة.
2018: إصدار "حسن حياتك واعثر على توازنك الداخلي" (Living Better and Finding Your Inner Balance) (دار سالفاتور).