تفرض علينا ظروف الحياة أحياناً مواقف صعبة متتالية، تُسبّب لنا تراكماً للمشاعر السلبية مع الوقت. وأحياناً قد تدفعنا الضغوط اليومية التي تأتي عادة مع روتين العمل والمسؤوليات المتنوعة التي تجذبنا في اتجاهات مختلفة، إلى الشعور بالإحباط والإرهاق النفسي بسرعة، وفي بعض الأوقات يكون سبب التعب النفسي والحالة النفسية السيئة غير واضح.
قد تختلف أسباب الحالة النفسية السيئة عند كل شخص؛ ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الحلول السريعة و التوصيات التي يقدمها لنا دائماً علماء النفس للخروج منها.
ما أعراض التعب النفسي؟ وما الفرق بينها وبين الاكتئاب؟
عندما يتعلّق الأمر بالحالة النفسية السيئة لدى الأفراد، فغالباً ما تكون الشكوى الأكثر شيوعاً كالتالي:
"حالتي النفسية سيئة. ماذا أفعل؟"؛ حيث تمثّل هذه طريقة للتعبير عن الوضع الداخلي النفسي والعاطفي غير المتزن في ظرف زمني معين.
ولأن المشاعر السيئة وحالة الإحباط غير دائمة، فمن الضروري معرفة الأعراض العامة التي تميّز حالة التعب النفسي. ونلخّصها كما يلي وفقاً لما يراه المعالجون النفسيون في موقع "الخدمات الصحية الطبيعية" (Natural Health Service) ومستشارو الصحة النفسية في موقع "دليل تقديم المشورة " (Counselling Directory):
- الحزن.
- الإحباط وفقدان الأمل.
- الشعور بالإرهاق والتعب الجسدي.
- اختفاء الرغبة والحافز للقيام بأي شيء.
- تدني مستويات احترام الذات والثقة بالنفس.
- الغضب والعصبية والتوتر.
- فقدان التركيز.
بعد التعرّف إلى أبرز الأعراض المُصاحبة لحالة التعب النفسي، من المهم أيضاً التمكّن من التمييز بين هذه الحالة النفسية السيئة والاكتئاب الذي يتطلّب تدخّلاً مُباشراً من طرف طبيب نفسي، لذلك يجب أن نُدرك أن التعب النفسي الذي يدوم لأكثر من أسبوعين تقريباً، قد يكون دليلاً على وجود الاكتئاب، خاصة إذا ما صاحبته أفكار بعدم استحقاق العيش أو أذية النفس.
كما أنّه يتوجّب استبعاد وجود أي أمراض جسدية أو أدوية ذات آثار جانبية محتملة قد تؤدي إلى الوقوع فريسة للمشاعر السلبية. وأحياناً كثيرة، يكون للنقص حاد في فيتامين معيّن مثل "فيتامين دال" (Vitamin D) تأثير مُباشر في حالتك النفسية السيئة.
الأسباب المحتملة للتعب النفسي
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر في الصحة العقلية والحالة المزاجية السيئة. يمكن أن يخبرنا أشخاص من مختلف الشرائح الاجتماعية بأن حالتهم النفسية السيئة مرتبطة بأحداث درامية معينة أو وقائع مؤلمة في الماضي القريب أو البعيد، أو بكل بساطة يربطوا حالة الإحباط العام لديهم بظروف الحياة الضاغطة بشكل عام.
في حين يميل مختصو الصحة النفسية إلى ربط التعب النفسي عند أغلب الأشخاص بأسباب أكثر دقة تشمل الآتي:
- الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة.
- ظروف حياتية عصيبة تمرّ بها؛ مثل فقدان الوظيفة أو شخص عزيز، أو انهيار علاقة عاطفية أو اجتماعية، أو أنك تعيش تغييرات جذرية كبرى في حياتك.
- الحمل و الإنجاب.
- نمط الحياة غير الصحي.
- العوامل البيولوجية والصحية؛ مثل اضطرابات النوم، داء السكري، التغيرات الهرمونية وتأثير بعض الأدوية الموصوفة.
توصيات للخروج السريع من الحالة النفسية السيئة
يشعر الجميع بالحزن والإحباط من وقت لآخر، فيمرون ببعض الأيام السيئة التي تصعب فيها تأدية المهام اليومية العادية؛ كالعمل والعناية بالآخرين وحتى الرعاية الذاتية، بفاعلية وسلاسة. الخبر الجيد هو أن هناك خطوات يمكنك القيام بها لتحسين الحالة النفسية السيئة.
إذا كنت متأكداً بأن حالتك النفسية السيئة ليست مشكلة حقيقية تستوجب طلب المساعدة المباشرة من مختص الصحة النفسية، فستجد هنا مجموعة أفكار وخطوات سهلة التطبيق أثبتت الدراسات العلمية فعاليتها في تحسين الحالة النفسية في مدة زمنية وجيزة:
1. توقّف عن المقاومة حالاً
في غالب الأمر؛ يحدث نوع من النفور في حالة التعب النفسي. وإنه لأمر طبيعي أن يكره الشخص المعنيّ بالأمر عدم قدرته على إيجاد حلّ للخروج من حالته النفسية تلك أو معرفة كيفية التحسن.
لذلك تُخبرنا أستاذة القانون سابقاً بجامعة كاليفورنيا ومؤلفة كتاب "كيف تكون مريضاً" (How to Be Sick) "توني برنارد" (Toni Bernhard J.D)، أنه لا ضير من الشعور بالشفقة تجاه الذات شريطة أن تكون مصحوبة بالتعاطف. ذلك يعني أنك تهتم بألمك فلا تُنكره، ويمكن أن يساعدك ذلك أيضاً على تحويل الإحباط إلى حزن يفتح بصيرتك ووعيك على حقيقة معاناتك النفسية.
2. الجأ إلى الموسيقى
قد لا تهوى الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية ذات الإيقاع السريع نسبياً. تصوّر إذاً أن القيام بذلك الآن سيُغيّر مزاجك بشكل جذري، فهي وسيلة ذات تأثير هائل في تغيير المشاعر، نظراً لأنها تؤدي دوراً مهماً في الربط بين الإثارة والمزاج، فتُساعد على تحسين الحالة النفسية السيئة وفقاً لنتائج دراسة نُشرت سنة 2015 في "المجلة العالمية للطب النفسي" (World Journal of Psychiatry).
3. تَوجَّه إلى الشاطئ
يعزّز الوجود بجوار الأماكن الطبيعية، وخاصة المياه الزرقاء، الشعور بالتفاؤل والأمل، ويتميز الشاطئ أكثر من أي مظاهر طبيعية أخرى بخاصية الرفع السريع للمعنويات وتقليل الإحساس بالضغط العصبي.
في مقال نشرته صحيفة الغارديان (The Guardian) في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2019، صرّح كبير المحاضرين في "جامعة إكستر" (University of Exeter)؛ الدكتور وعالم النفس البيئي في "الصحة الزرقاء" (BlueHealth) -وهو برنامج يبحث في فوائد الصحة- "ماثيو وايت" (Mathew White) أن العوامل البيئية النموذجية المفيدة للبيئات المائية كالهواء الأقل تلوثاً وضوء الشمس، من بين أهم المسارات الثابتة التي يرتبط من خلالها وجود الماء بشكل إيجابي بالرفاه والسعادة. بالإضافة إلى ميل الأشخاص الذين يكونون بجوار المياه إلى أن يكونوا أكثر نشاطاً من الناحية البدنية من خلال ممارسة الرياضة.
ويُضيف "ماثيو وايت" أن الفضاء الأزرق له ميزة أفضل من المساحات الخضراء في إحداث تأثير "ترميمي" للنفس من خلال تعزيز المزاج الإيجابي وتقليل الوتر.
4. تحدّث إلى صديق صدوق
"سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعد منصفٌ". تعبير في غاية الروعة من "الإمام الشافعي" يُظهر أهميّة الأصدقاء الحقيقين في حياة كل واحد منا.
لا بدّ أن تمضية بعض الوقت مع شخص قريب يحسن الاستماع إليك ويقدّم النصيحة بنيّة حسنة هو أمر جيّد، غير أنه يصبح بالغ الأهمية عندما تشعر أنك عالق في فقاعة الحالة النفسية السيئة، فالصديق يمثّل شبكة الدعم لك في وقتك العصيب. لقاء قصير أو مكالمة هاتفية واحدة مع صديقك المُقرّب قد يسهمان في تحسين مزاجك ويرفع معنوياتك، كما يمكن أن يمنحاك منظوراً جديداً. فلتتحدّث إلى صديقك فوراً.
5. هناك سر صغير في المطبخ
ربّما يرتبط الدخول إلى المطبخ في ذهنك بالكثير من الأعباء، أو بأشهى الوجبات. يختلف ذلك من شخص لآخر؛ ولكن ليس من المألوف للجميع معرفة أن ممارسة الطبخ بعمق ويقظة ذهنية يُسهم في تحسين الصحة النفسية والعقلية.
فقد أظهرت دراسة نُشرت عام 2017 في مجلة التثقيف الصحي والسلوك (Health Education & Behavior Journal) أن الطبخ هو إحدى الوسائل الناجحة المُستخدمة في التدخلات العلاجية وإعادة التأهيل منذ وقت طويل.
بالتأكيد هناك الكثير من الطرق الناجحة لمساعدتك على تجاوز الحالة النفسية السيئة بأقلّ الأضرار؛ أي دون أن تؤثر سلباً في جوانب حياتك المهنية والشخصية. لذلك اخترنا لك فقط الطرق الأسرع والمثبتة علمياً بقدرتها الفعالة على تحسين الحالة النفسية السيئة؛ ولكن لا تتردّد في طلب المساعدة إن كنت تعرف أن حالتك النفسية أكثر تعقيداً مما أتينا على مُناقشته.