كيف نتغلب على الإجهاد؟

4 دقائق
التغلب على الإجهاد

لكي نستقر؛ يجب أن نفكر بهدوء فيما يزعجنا أو يثير غضبنا. كما ينبغي ألا ننساق مع عواطفنا أو الاضطرابات التي تحيط بنا. لهذا من الضروري أن نعيش بهدوء أكبر مع الآخرين ومع أنفسنا؛ لكن هذا يتطلب عملاً حقيقياً. فيما يلي بعض النصائح لإيجاد السلام و"التغلب على الإجهاد".
في بعض الأيام يصبح كل شيء مجنوناً. نشعر بالغرق والذعر والاندفاع وعدم القدرة على التفكير لفهم الأشياء. في هذه الحالة "اهدأ، تنفس، خذ خطوة إلى الوراء"! فالأوامر الإيجابية التي نصدرها لأنفسنا تخبرنا أن نضغط على زر" إيقاف مؤقت "، وهو الوقت الذي نشغل فيه العقل. بالنسبة لعلماء الأحياء العصبية، فإن هذا يرقى إلى تشغيل النصف المخي الأيسر من دماغنا (مقر التفكير) بدلاً عن الجزء الأيمن (مركز المشاعر). هذه القدرة على إيقاف آلة التفكير والتنحي جانباً والنظر إلى الموقف من زاوية أخرى، نمتلكها جميعاً. إنها آلية تفرض نفسها علينا بشكل طبيعي في أكثر اللحظات دراماتيكية في حياتنا (على غرار الحادث والمرض والفجيعة). وفجأة، يصبح كل ما تبقى من الحياة تافهاً، تاركاً مساحة للأساسيات. ولكن في صخب وضجيج حياتنا اليومية، يكون من الصعب في كثير من الأحيان الوصول إلى حالة الانفصال والصفاء هذه.

تعرف مريم البالغة من العمر 40 عاماً لحظات الذعر هذه جيداً، لا سيما عندما وجدت نفسها وحيدة مع طفليها. كان عليها التعامل مع ابنها المريض بمفردها، بالإضافة إلى ضغط العمل والمشاكل الأسرية. وتقول في هذا السياق: "كنت أعاني من أرق رهيب". استيقظت فجأة وقد تملكتني مجموعة من الأفكار المظلمة. كان لدي شعور بأنني سأصل إلى أعلى جبال الهيمالايا ولكنني لن أصل إلى هناك أبداً". كيف تمكنت من تهدئة نفسها؟ تتابع مريم: "إنه نفس الشيء في كل مرة؛ يجب أن أسقط في قاع البئر وعندها فقط يمكنني العودة للأعلى. عندما يصبح كل شيء مظلماً تماماً ويعبث اليأس في النفس، يمكنني حينئذٍ أن أستقر، ثم أضع أطفالي في الفراش قبل نصف ساعة من النوم وكل منهم يحمل كتاباً. شرحت لهم أنني بحاجة إلى الهدوء والراحة وأخذت دفتر ملاحظاتي وقمت بعمل قائمة بكل الأشياء التي يجب القيام بها، كانت كل مهمة على حدة في صفحة خاصة. بهذه الطريقة، استعدت حواسي.

وجّه مشاعرك

"بشكل عفوي، تغمرنا عواطفنا كطفل صغير يغمره الغضب والخوف والفرح" كما تؤكد المعالجة والمحللة النفسية مارتين تيلاك. وتتابع: "شيئاً فشيئاً، سيساعده التعليم وحديث الكبار والمثل الأعلى على توجيه كل مشاعره المحتدمة. ومع ذلك، بمجرد أن يصبح الشخص بالغاً يصبح من الصعب جداً عدم السماح للآثار بغزو المرء". تحدثت مريم عن جبال الهيمالايا، بينما تكلمت جليلة ذات الـ 45 سنة عن تسونامي. توضح جليلة: "أظل هادئة مع الناس ومع نفسي؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالأشياء أفقد السيطرة عليها". وتعدد في هذا السياق: "في الأسبوع الماضي، في صباح أحد الأيام، انقلبت حياتي رأساً على عقب. كُسر المناول في السيارة، وبدأ إنذار المنزل في الرنين دون توقف ولم أستطع الوصول إلى رجل التوصيل لاستلام أريكتي". شعرت بالإرهاق التام، وكأن ما حدث لي جرفني بعيداً كما فعلت كارثة تسونامي في السابق". هي أيضاً تستطيع تهدئة درجات الغضب التي تنتابها بطريقتها الخاصة. تضيف: "تنفست وقلت لنفسي: عليكِ أن تفعلي ذلك. كان الأمر صعباً، بل ومؤلماً؛ لكنني اتصلت بمصلح الكمبيوتر والميكانيكي ورجل التوصيل. بعد القيام بذلك، حتى لو لم يتم إصلاح أي شيء، عاد الهدوء إلي".

لا تفكر بسرعة كبيرة

من الواضح أن الجميع يتفاعلون وفقاً لتاريخهم الشخصي ونقاط قوتهم وضعفهم؛ لكن لا أحد يفلت من الآثار المحيطة به. لأننا جميعاً نركض بمرور الوقت، نفقد قدرتنا على التحليل ورباطة الجأش. ونتيجة لذلك لم نعد نتحرك؛ بل "نعيد ذات الفعل". هل نحن مسؤولون دائماً بنفس القدر؟ إن إلحاحنا على التّحرك يتفاقم بسبب الوتيرة المحمومة التي تفرضها علينا جميع التقنيات. الراديو والتلفزيون والهاتف والإنترنت (أسوأ مثال على ذلك، وفقاً لمارتين تيلاك، موقع الشبكة الاجتماعية تويتر: "في الإيجاز والإلحاح وتدفق المعلومات") يجعلنا في بعض الأحيان نفقد عقولنا. لقد فصلتنا هذه الشبكات عن أجسامنا ونظامنا الحيوي الطبيعي، وهذا التحول يسبب الشلل.

عند تحليل عدم قدرتنا على قياس مخاطر المناخ وسلوك التغيير، يشير عالم الاجتماع النفسي الألماني هارالد ويلزر، من خلال كتابه "حروب المناخ" (Les Guerres du climat) إلى أن "التفكير السريع جداً يمكن أن يكون مميتاً. ولهذا السبب يقتضي أخذ قرار بشأن مشكلة كبيرة، وقفة فكرية لتمييز ما نتعامل معه حقاً". في مواجهة القضايا التي تقلقنا، يتعزز شعورنا بالعجز بشكل أكبر، تماماً كما حدث في أزمة فيروس الإنفلونزا (H1N1). تتذكر مارتين تيلاك: "قرأنا وسمعنا معلومات متناقضة تسببت في قلق شديد. خاصة وأن المهنيين والموارد "الطبيعية" في هذا النوع من المواقف، هم أنفسهم مترددون. في حين أننا من الواضح غير مسؤولين عن جميع العلل في العالم أو معارك الخبراء، لدينا القدرة على التراجع والتصرف بأنفسنا.

انحدار الذات

عندما يشعر أن التوتر يتزايد، يقول تامر ذو الـ36 عاماً إنه يلجأ إلى "تفكيره الديكارتي". ويوضح: "منذ بضع سنوات، في كل مرة اضطررت إلى اصطحاب أطفالي ليلاً من الرعاية النهارية وكان لدي عمل عاجل لإنهائه، كنت أشعر بالاختناق. تمكنت الآن من إيقاف دوامة الإجهاد التي أعاني منها وحاولت تنظيم مهامي، مع العلم أن الأطفال ظلوا أولوية بالنسبة إلي. وبعد ذلك، لم أكن أنزعج من ارتفاع درجات الأدرينالين من وقت لآخر".

في ذات الصدد، تقول مارتين تيلاك: "إن الحفاظ على الهدوء والتوازن الداخلي يتطلب مجهوداً". فقط الاستجواب الشخصي، من خلال تقنية "الانحدار إلى الذات"، يجعل من الممكن توضيح أفكار المرء والعثور على الإجابة. هذا الغوص الداخلي شيء مهدئ، لأننا نأخذ الوقت الكافي للنظر إلى أنفسنا، لجعلها مفهومة أمامنا". هذه الحركة الاستبطانية تلقي بنا "خارج أنفسنا"؛ ولكن لأسباب وجيهة، لأنها تساعدنا على فصل أنفسنا عاطفياً عن الحدث والتعرف إلى مشاعرنا (الخوف والحزن والغضب والكرب) ومناشدة قشرة الفص الجبهي، وهي ضرورية أيضاً لكبح نبضاتنا.

توضح ليلى ذات الـ44 عاماً: "عندما بدأت تحليل حالتي كل أسبوع، كنت أشعر أن تمكّني من أخذ كل هذا الوقت من أجلي، انتصار صغير. وعلى الرغم من أنني ما زلت أشعر غالباً بالارتباك، فإنني لم أعد أشعر بالذعر. كما أنني أمنح نفسي دائماً بعض الوقت للتفكير قبل اتخاذ القرار". يجد البعض الآخر في التأمل أو العلاج الجماعي أو تمارين التنمية الشخصية طرقاً لإدارة عواطفهم والتعامل مع المواقف التي تسبب لهم القلق.

ودعنا لا ننسى أن أخذ قسط من الراحة والنظر إلى نفسك مرة أخرى، هو دائماً شرط مسبق للعمل الجيد. يؤكد الفيلسوف تشارلز بيبين هذا: "الفلسفة هي عبارة عن أخذ خطوة جزئية إلى الوراء تبعدنا عن الواقع ولكن ليس ذلك فقط؛ إنها أيضاً عودة إلى الواقع وإلى الفعل الذي يسمح لنا بتجربة التفكير. سيكون الخطر هو الانسحاب من العالم للعثور على الحقيقة. لكن الحياة ليست متجمدة: إنها عبور دائم من حالة إلى أخرى. المسافة التي تثير القلق وممارسة الحرية، تتطلب أن يكون المرء "خارج الذات"، وأن يفكر "ضد الذات"، ثم يمكن العودة إلى الذات وإلى الآخرين"َ.

المحتوى محمي