4 خطوات فعّالة للتعامل الصحي مع الندم

4 دقائق
الإحساس بالندم

"أَلا ليتَ رَيْعانَ الشَّبابِ جَديدُ، ودَهْراً تَوَلَّى يا بُثَيْنَ يَعودُ"، لعَلّ هذا البيت الشعري الخالد لشهيد الحب العذري الشاعر جميل بثينة، يلخّص كيف يمكن أن يطاردنا الإحساس بالندم بالفعل لفترات ممتدّة في حياتنا حيث لا يكون له حلّ سوى الاستمرار في الحسرة والبكاء على الأطلال واجترار هزائم الماضي.
يمكن للإحساس العام بالندم أن يشكّل واحداً من أصعب المشاعر التي يختبرها الإنسان في بعض المراحل من حياته، كما يمكن أن يكون شعوراً غامراً، شبه دائم ومتكرّراً ينغّص رفاه العيش ويحول دون تحقيق شيء من السلام الداخلي والتوازن النفسي.

في كلتا الحالتين؛ الندم شعور طبيعي جداً ينبغي أن نتقبّله ونعيش جميع تفاصيله، نظراً لأنّه جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية ككلّ.

غير أن ذلك يتطلّب التعامل معه بوعي وحذرٍ كبيرَين، حتّى لا يوقعنا في دوامة من الاجترار للمشاعر السلبية المعيقة للحياة اليومية كخيبة الأمل والإحباط والإحساس العميق بالذنب.

ما هو الندم إذن وما أنواعه في أروقة علم النفس؟

للندم قوة تأثير هائلة يمكنها أن تلقي بكامل ثقلها على الصحة النفسية فتدمّرها بالتدريج، وتستهلك بذلك القوة الداخلية للفرد؛ تلك التي تمنحه الحافز والإرادة لمتابعة مهام الحياة وتحمّل أعبائها.

يرى الكاتب والطبيب النفسي الفرنسي "كريستوف أندريه" الندم على أنه شعور يربط بين مجموعة من المشاعر؛ تتمثّل في الحزن والغضب والإحساس الدفين بالعار والخزي. وهي مشاعر تكون ممتزجة عادة بفكرة الرغبة في العودة إلى الماضي.

فرص ضائعة وأفعال مندفعة أو أحكام متسرّعة. يلوّن الندم مواقف حياتية عديدة، وهو نوعان وفقاً لكريستوف أندريه؛ ندم دافئ يحدث على الفور حين يتعلّق الأمر بحصول أحداث ومواقف نرى أنها فاشلة، ونوع ثانٍ وصفه بأنه ندم بارد يحدث لاحقاً في الحياة.

ما يمكن استنتاجه هنا أن هناك من الندم ما هو قصير الأمد، متعلّق بتلك المواقف الصغيرة التي نتعرّض لها يومياً أو خلال فترات قصيرة من الزمن، فتُشعرنا بالإحراج ولكن غالباً ما ننساها بسرعة أو مع مرور بعض الوقت. وآخر بعيد الأمد أو ذو طابع ديمومي، وهو الأكثر إيلاماً وسبب مباشر للتحسّر، وغالباً ما يتعلّق بالقرارات التي تمّ اتخادها أو لم يتم اتخاذها بخصوص العلاقات الاجتماعية والشخصية.

ووفقاً للمعالجة بالسلوك المعرفي "ويندي درايدن"( Windy Dryden)؛ يصبح الندم ساماً حين يكون الشخص عالقاً في حلقة صلبة وغير مرِنة، يستمرّ فيها بإلقاء اللوم على نفسه، فلا تُتاح له فرصة رؤية سلوكه في سياق أوسع وإدراك أن الأسباب الحقيقية وراء اختياراته كانت بناءً على المعلومات التي كانت متوفّرة حوله آنذاك فقط.

ومن جهة أخرى؛ أظهرت ورقة بحثية تمّ نشرها سنة 2005 في مجلة "نيتشر نيوروساينس" (Nature Neuroscience) عمل عليها 6 باحثين ومتخصصين في علم النفس العصبي وعلم الأعصاب، أن مشاعر الندم تُظهر نشاطاً متزايداً في منطقة من الدماغ تسمى "القشرة الأمامية المدارية الوسطى" (Medial Orbitofrontal Cortex)، وهي المسؤولة عن تنظيم السلوكات الاجتماعية.

4 طرق أثبتت فعاليتها في التعامل الجيّد مع الندم

يعدّ تقبّل الانخراط في الحياة بجميع تقلبّاتها أول خطوة في مشوار التعامل الصحّي مع الشعور بالندم أو الإحساس بالذنب تبعاً له، فلا يمكن إخفاء أو التخلّص من أي مشاعر للخسارة، الألم وخيبة الأمل.

أجرت المختصة النفسية الإكلينيكية من كلية الطب بجامعة فيرجينيا "جيه كيم بينبرثي" (J. Kim Penberthy) بحوثاً عن المشاعر المسبّبة للتوتر لمساعدة مرضاها على المضي قدماً في حياتهم والتغلّب على مشاعر الندم، وهذه هي الخطوات الأكثر فعالية التي توصّلت إليها لإدارة مشاعر الندم المؤلمة بطريقة صحيّة واعية وغير مؤذية.

التقبّل والإقرار

الإقرار يعني إبداء التسليم بما حصل أو لم يحصل، أمّا التقبّل فهو يشمل مشاعرك حول الموقف، فلا تحاول كبتها، إنكارها أو كرهها، لأن ذلك سوف يؤدي إلى مزيد من المشاعر السلبية القوية.

التعاطف مع الذات

ممارسة "التعاطف مع الذات" (Self Compassion) تعني الإدراك لإنسانيتك وضرورة الإقدام على الأخطاء والهفوات من أجل التعلّم والنمو. كما أن ذلك يساعد على تحديد نوعية مشاعرك الحالية، فإذا كنت تشعر بالسوء والخزي مثلاً، فلتعلم أن مشاعرك قد تكون مرتبطة بشكل وثيق بإحساسك بالندم على أمر ما ولا تعكس حقيقتك الشخصية.

مسامحة النفس

يجد العديد من الأشخاص صعوبة كبرى في مسامحة أنفسهم، وقد ينقادون بهذا إلى الوقوع في فخّ جلد الذات المستمّر. لا بد أن تغفر لنفسك هفواتها الصغيرة وأخطاءها الكبيرة، وكل ما كان يجب أن يحصل أو ما لم يكن يجب يحصل.

اكتساب معرفة أوسع

بعد تجاوز مشاعر الندم والمرور من مراحل الاعتراف والتعاطف مع النفس، لا بدّ من استخدام المرونة الناتجة عن ذلك في القرارات المستقبلية المناسبة هذه المرّة، ولن يأتي ذلك فعلياً إلا باكتساب أكبر قدر من المعلومات والمعرفة، فالندم على تفويت فرصة مهنية ما للعمل عند شركة كبرى مثلاً يمكن تخطّيه بالبحث عن الفرص التي يمكن أن تقدمّها شركات أخرى .

الجانب المُشرق من الإحساس بالندم والذنب

قد يعتبر الشخص غير القادر على الإحساس بالندم أو الذنب ذو شخصية سيكوباتية، رغم أن وجود هذه السمة غير كافٍ؛ حيث يؤكّد العلماء من ضرورة وجود سمة انعدام الخوف والافتقار إلى العمق العاطفي في الشخص المعتّل نفسياً.

وبناءً على ذلك؛ نجد أن الندم والقدرة على الإحساس بالذنب صفات مطلوبة في البنية النفسية السليمة، وإلّا لما عَمِل الأفراد على تخطّي عقباتهم وتطوير أنفسهم من خلال تجنّب ارتكاب نفس الأخطاء بل والتعلّم من تجاربهم وقراراتهم الخاطئة.

يمكن أن نتخذ من الندم علامةً حمراء تدلّ على الحاجة الماسّة إلى إجراء تغييرات في المسارات التي سلكناها من قبل، لذا فهو تجربة تعلّم حقيقية لتحسين سلوكيات أو أفعال معينة لم تخدمنا سابقاً.

على الرغم من مرارة الشعور بالندم والإحساس بالذنب في بعض الأحيان؛ تكون في ذلك فرصة للعمل على تحسين مهارات اتخاذ القرار الفعّال؛ مهارات لا يمكن الاستغناء عنها في جميع نواحي الحياة نظراً لدورها المهم في تحقيق التمكين والنمو الشخصي للفرد. لا بد أن هناك جانباً إيجابياً لتجاربك مع الندم جعلك تتعلّم دروساً قيّمة. فكّر جيّداً إذاً؛ لا بّد أنك تعلّمت الكثير بالفعل!

المحتوى محمي