آلان براكونيير هو مختص الطب والتحليل النفسي، ومدير مركز فيليب باوميل للاستشارات والرعاية في باريس المخصص للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، ومؤلف كتاب "دليل المراهقين والعواطف الجنسية" (Guide de l’adolescent, Sex des emotions).
وقد أجرى معه موقع بسيكولوجي المقابلة التالية التي يعرفنا من خلالها إلى القلق الإيجابي والقلق السلبي وبعض الطرق التي تساعدنا على التغلب عليه.
برأيك؛ هل يمكن أن يكون القلق جيداً أحياناً؟
نعم فالقلق يعد إيجابياً عندما يكون محفزاً لنا. يسمح لنا هذا النوع من القلق الطبيعي والفطري بأن نشعر بالخطر المحتمل ونتخذ الإجراء المناسب لمواجهته.
ويتميز هذا القلق بأنه عابر وحدسي ومصدر للإبداع والفضول. كما أنه ينمي لدينا ملكة التعاطف ويجعلنا ننظر بروح الفكاهة إلى المواقف الصعبة لنحمي أنفسنا من المعاناة التي قد تنجم عنها.
أما القلق السلبي فهو بخلاف ذلك حالةٌ ذهنيةٌ دائمةٌ لا يمكننا السيطرة عليها. وهو يولد التفكير السلبي، والإسقاطات الخاطئة، والإنكار والنظرة ذات اللون الواحد إلى الأمور، والتناقض، وعدم الثقة بالنفس، وردود الأفعال الدفاعية غير الملائمة وحتى تدمير الذات.
أقول دائماً إن القلق يمثل "حرارة النفس". عندما لا نقلق بما فيه الكفاية ستكون النفس شديدة البرودة ومن ثم فنحن نجازف بعدم الاستجابة للمواقف التي يجب أن نتوقعها. ومن جهة أخرى فإن القلق المبالغ فيه يعني "ارتفاع حرارة النفس"؛ ما يعني المخاطرة بالإصابة "بحمى ذهنية" بسبب هذا الغليان المفرط.
هل يمكن للشخص التعامل مع قلقه بمفرده؟
يعتمد ذلك على نوع القلق، فعندما يكون شديداً إلى درجة شعورنا بالعجز عن التصرف يصبح القلق مرضياً. تتضمن الصحة النفسية بصورة جوهرية تمتعنا بطيف واسع من الاحتمالات فيما يتعلق بالتفكير واتخاذ القرار في موقف معين. وتحدث المعاناة عندما يؤدي القلق إلى تقييد هذه الاحتمالات بصرف النظر عن الموقف الذي نواجهه. وفي هذه الحالة من الأفضل طلب المساعدة من مختص؛ كالمختص في العلاج السلوكي على سبيل المثال.
بخلاف ذلك يمكن لممارسات التنمية الشخصية أن تساعدنا على تغيير السلوكيات التي تسبب لنا مشكلات في حياتنا. ويمكن البدء بذلك من خلال تعلم كيفية استخدام الآليات الدفاعية استخداماً أفضل عبر تطبيق ما يسمى "استراتيجيات التكيف".
يعد الاستغراق في قراءة كتاب من أسهل الطرق التي يمكنك استخدامها لتشتيت انتباهك عن الأفكار الوسواسية؛ إذ تتيح لك القراءة إسقاط مخاوفك على شخصية أخرى وتحديدها.
وينطبق الأمر ذاته على جميع الأعمال الإبداعية، فالعديد من الفنانين الذين يعانون من القلق تمكنوا من خلق مساحة انتقالية بين عالمهم الداخلي الذي يسكنه هذا القلق، والعالم الخارجي. يتيح لك الفن، حتى لو لم تكن رساماً أو موسيقياً رائعاً، استخدام خيالك بطريقة إيجابية.
لكن ألا يعد ذلك محاولةً للهروب من القلق؟
لا بل طريقة لإدارته. ومن ناحية ثانية فإن الانغماس في العمل يعد طريقة هوسيّة وغير بناءة في إدارة القلق. وبسبب الميل إلى إساءة معاملة أجسادهم فإن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من القلق الذي يؤدي بدوره إلى الأرق أيضاً، يستغلون حالتهم هذه للعمل في الليالي التي لا يتمكنون فيها من النوم.
لكن يجب أن نعلم أن النوم الجيد هو أولوية قصوى لصحتنا، ومن المفيد تذكر بعض النصائح الأساسية مثل تناول عشاء خفيف وعدم قضاء وقت طويل ليلاً أمام التلفاز. إضافةً إلى ذلك فإن لممارسة الاسترخاء دوراً فعالاً في إدارة القلق؛ إذ تتيح لك هذه التقنية التحكم في عواطفك تحكماً أفضل والانفصال عن بيئتك وتجنب تراكم التوترات. وينطبق الأمر ذاته على الممارسات الأخرى كالتأمل.
هل يتسم الناس الذين يتبعون فلسفة حياة روحية بأنهم أقل قلقاً؟
نعم. لأن الإنسان ليس بحاجة إلى الاتساق مع نفسه فقط؛ بل مع العالم من حوله أيضاً، فذلك يمنحه مزيداً من الطمأنينة. وعندما تقع الأحداث المؤلمة نلاحظ ازدياد التوجه نحو ممارسة الشعائر الروحية والدينية، فمثلاً لم تشهد كنائس نيويورك الإقبال ذاته الذي شهدته بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول.
ألا تعتمد استراتيجيات التعامل مع القلق في المقام الأول على شخصية الفرد؟
بالطبع. لذلك يجب على الشخص الذي يعاني من القلق أن يتعلم كيف يتخذ الإجراء الملائم الذي يساعده على السيطرة على مخاوفه ومكافحتها بصورة أفضل بدلاً عن تشتيت نفسه في محاولة اتخاذ عدة إجراءات غير ملائمة قد لا يتمكن من إتمامها.
ومهما كانت الطريقة التي سنتبعها في مواجهة القلق فإنه من الضروري أن نستعيد الشعور بأهمية اللحظة الحالية. المشكلة الرئيسية لدى الأشخاص الذين يعانون من الإحباط هي تعلقهم بالماضي وشعورهم بعدم اليقين حيال المستقبل.
ومن المهم أن تعي أنك حتى لو كنت ذا شخصية قلقة، فإنه ليس من المحتوم أن تظل حبيس قلقك. هناك الكثير من الوسائل التي تساعدك على الحد من شعورك بالقلق بشأن كل ما حولك.
الأنماط الثلاثة للشخصيات القلقة
- القلقون المبدعون: يتسم هؤلاء الأشخاص بخوفهم ونظرتهم السلبية إلى حد ما تجاه أنفسهم والآخرين من حولهم. كما أنهم خجولون وحساسون، ويفتقرون إلى الثقة بالنفس، ويعيشون حالةً دائمةً من خيبة الأمل ويخافون من حكم الآخرين عليهم. ومن أشهر الشخصيات التي تندرج تحت هذا التصنيف: بيتهوفين، سامويل باكيت وفرانسيس بيكون.
- القلقون المفكرون: يتسم هؤلاء الأشخاص برؤيتهم المتناقضة حول أنفسهم والآخرين، ويسيطر عليهم الشك وعدم اليقين والسلبية أحياناً بسهولة. كما تتسم أفكارهم حول أنفسهم والآخرين بالشفافية. ومن أشهر الشخصيات التي تندرج تحت هذا التصنيف: مونتين، كافكا وبروست.
- القلقون المقاتلون: يتسم هؤلاء الأشخاص بنظرتهم الإيجابية تجاه أنفسهم والسلبية إلى حد ما في الوقت ذاته تجاه الآخرين. وعلى الرغم من أنهم يبدون واثقين من أنفسهم فهم يبحثون باستمرار عن الشعور بالرضا، وتمثل لهم الحياة تحدياً مدفوعين بطموحهم الذي لا ينطفئ. ومن أشهر الشخصيات التي تندرج تحت هذا التصنيف: فيفالدي، فيكتورهوغو وأندريه مالرو.