كيف نفقد ذواتنا في العلاقات باسم “الحب”؟ وكيف يمكن أن نستعيدها؟

4 دقائق
تكوين العلاقات مع الآخرين

إن تكوين العلاقات مع الآخرين هو أمر حيوي لبقائنا، نسعى فيه للتوافق مع الطرف الآخر لبناء علاقة جيدة والاستمرار بها.
لكن الأمر لا يسير بتلك الأريحية والبساطة في بعض الأحيان. حين تكون العلاقة مساومة على "الذات" فإما أن تستمر كما أنت لكنك ستفقد الرابط مع الطرف الآخر، أو تفقد ذاتك لتُرضي الطرف الآخر وتُلبي رغباته، متوهماً أنك بذلك تعزز التوافق معه، حتى تُطمس ذاتك الحقيقية تماماً.

كيف نفقد ذواتنا في العلاقات؟

نظراً لأن هويتنا لا تتم الإشارة إليها فقط بصفاتنا الشخصية؛ بل أيضاً بالعلاقات التي نكوِّنها، فقد نعطي الأولوية لعلاقاتنا فوق أنفسنا في بعض الأحيان؛ وفقاً لخبيرة العلاج الأسري "دارلين لانسر" (Darlene Lancer).

في العلاقات المهمة يكون ذلك خشية فقدان علاقتنا بالآخرين أو محاولة للتوافق معهم. ومع شريكنا فنحن نضحّي بأنفسنا مراراً وتكراراً بطرق مختلفة؛ بدءاً من التنازلات الصغيرة إلى التخلي عن العمل، أو قطع الصلة بأحد الأقارب أو الأصدقاء، أو التغاضي عن سلوك غير أخلاقي أو المشاركة فيه؛ الأمر الذي قد يكون مرفوضاً لنا من قبل ولم يمكننا تصوُّره.

بمرور الوقت؛ يُشعرنا ذلك الامتثال للمعايير الجديدة في العلاقة بالذنب والغضب والاستياء - تلك المشاعر التي غالباً ما تكون صامتة. يتبع ذلك لوم أنفسنا على كل تلك التنازلات التي قدّمناها، ويتضاءل احترامنا لذاتنا واستقلاليتنا التي كنا نمتلكها في بداية الدخول في العلاقة. ونتيجة لذلك؛ نصبح قلقين ومكتئبين، ونتخلى ببطء عن اختياراتنا وحريتنا حتى نشعر بالحصار واليأس.

الارتباط بالآخرين لدرجة فقدان النفس

في مقالها "أنت لا تكملني، أنا أكملني" (You Don't Complete Me, I Complete Me)، تقول المعالجة النفسية "إيلين كوهين" (Ilene Cohen) إننا دائماً ما نرغب في النمو وتغيير أنفسنا طوال حياتنا وذلك بتكوين العلاقات مع الآخرين.

ومع ذلك؛ تظهر المشكلات عندما نكون مرتبطين بالآخرين لدرجة أننا نفقد أنفسنا. فعلى الرغم من أن الاقتراب من الأشخاص الذين نهتم بهم يُشعرنا بالرضا خلال الأوقات الهادئة إلا أن هناك جانباً إشكالياً؛ حيث يمكن أن نكافح كثيراً عندما تكون مقاومة عائلاتنا وثقافتنا ومجتمعنا والآخرين للحفاظ على علاقتنا بالطرف الآخر قوية جداً.

كذلك، فقد نفقد أنفسنا خلال وجودنا في تلك العلاقات من خلال التكيُّف والاستسلام وانتظار ردود أفعال الطرف الآخر في العلاقة للتصرُّف بناءً عليها.

ونتيجة للكفاح والصراع المستمرَّين؛ قد نشعر أيضاً بالحساسية الزائدة تجاه الآخرين ونرفض الانجذاب إلى العمل الجماعي. فكلما طُمسَت ذاتنا في علاقاتنا، كلما كنا أكثر عرضة للصراع وخلق المسافة والتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا بردود أفعال حادة.

حينها يمكن أن تكون الأشياء ذاتها التي نقوم بها لإدارة قلقنا بشأن العلاقات في حياتنا هي نفس الأشياء التي تخلق المزيد من الفوضى في علاقاتنا.

لذلك عندما نجد أنفسنا عالقين في أنماط متضاربة أو غير فعالة من التفاعل مع الأشخاص الذين نهتم بهم، يمكن أن يعمينا ذلك عن الحقيقة.

اقرأ أيضاً: 4 أنماط للعلاقات السامة تعرَّف إليها

التركيز على تلبية طلبات الآخرين يقطع صلتنا بأنفسنا

تضيف كوهين أنه كلما بحثنا عن الآخرين لإكمال أنفسنا، ينصبّ تركيزنا عليهم وعلى ما يحتاجونه منا، وليس على أنفسنا ومسؤولياتنا واحتياجاتنا الخاصة.

لذلك فعلى عكس الاعتقاد بأننا إذا ركزنا على أنفسنا نكون أنانيين؛ يساعدنا ذلك على بناء علاقات صحية وإدارة تفاعلنا مع الآخرين بشكل أفضل، بالإضافة إلى تطوير تفكيرنا خلال الأوقات الصعبة.

فإذا تعلمنا أن نكمِّل أنفسنا بفهم قيمنا ومبادئنا ومسؤولياتنا وأهدافنا لا أن ننتظر أحداً يكمّلنا؛ سننعم بعلاقات أفضل.

التضحية بأنفسنا بدافع الحب

تنطوي العلاقات غير الصحية على العديد من القواعد "السامة" التي يضعها الطرف المسيء الذي يسعى للهيمنة، ليعاني منها الطرف الآخر.

في تلك العلاقات، تكون تلبية احتياجات ذلك الطرف هي الأولوية وما دونها هو أمر غير مهم؛ ما يجعل الطرف الآخر -الضحية- يشعر بالضياع في مثل هذه العلاقة.

تضيف لانسر في مقالها أن النساء يملن بشكل خاص إلى فقدان أنفسهن في العلاقات بسبب العوامل الثقافية السائدة. كذلك، فقد يفعلن ذلك حتى في العلاقات الجيدة بدافع الحب وليس الخوف، غير مدركات ما قد ينتج عن ذلك من فقدان الذات.

مراحل فقدان أنفسنا في العلاقات

تشير لانسر في مقالها أيضاً لعدة مراحل من فقدان النفس في العلاقة؛ والتي تبدأ تدريجياً وتزداد سوءاً شيئاً فشيئاً.

فكثير من الناس يقومون بعمل جيد بمفردهم؛ إلا أنهم بمجرد الدخول في علاقة يبدؤون في فقدان استقلاليتهم والتخلي عن روتينهم واهتماماتهم ليكونوا دائماً مع شريكهم، منشغلين بإرضائه ومعتمدين عليه، وفي بعض الأحيان تستحيل تلك الرغبة في الإرضاء هوساً.

تتفاقم هذه الأعراض في العلاقات الاستبدادية؛ حيث تدور القرارات حول احتياجات وسُلطة شخص واحد. وعندما تتعارض مصالح الطرفين عند نقطة ما، يبدو الأمر كما لو كان على أحد الأطراف التضحية والاختيار بين أن يستعيد ذاته وثقته بنفسه وبين استمرار العلاقة.

كيف يمكن استعادة نفسنا المفقودة؟

إن المرور بتجربة كتلك ليس بالأمر الهيِّن؛ لكن لحسن الحظ يمكن استعادة نفسنا التي فقدانها نتيجة الدخول والاستمرار في علاقة مسيئة.

تنصح لانسر بالخطوات التالية لاستعادة الذات المفقودة:

  • أولاً يجب التوقف عن التركيز على تغيير شريك حياتك وإنكار وجود مشكلة حقيقية. سيؤدي ذلك إلى الشعور بالتحسُّن واستعادة القوة.
  • وفي فترة التعافي يجب تحويل التركيز الذي كان منصبّاً على الشخص الآخر إلى نفسك؛ يساعد ذلك على زيادة الثقة بالنفس.
  • بعد فترة تصبح التغييرات في التفكير والسلوك طبيعية، وتصبح الأدوات والمهارات المكتسبة عادات صحية جديدة.

كيف يمكننا أن نبقى في العلاقة دون أن نفقد أنفسنا؟

إن الهدف من العلاقات هو أن تكون قريباً من شخص ما بينما لا تزال تحتفظ بهويتك كشخص مستقل. عندما يكون الناس في حالة فردية، يكون لديهم شعور أقوى بأنفسهم حتى يكونوا قادرين على زيادة الحب والعاطفة في علاقتهم.

لتحقيق ذلك؛ تقدم الاختصاصية النفسية الإكلينيكية "ليزا فايرستون" (Lisa Firestone) الخطوات التالية:

  1. حافظ على اهتماماتك، فعندما يقع شخصان في الحب، فإنهما يختبران نفسيهما وبعضهما البعض كأفراد منفصلين بهويات وأفكار واهتمامات مميزة؛ تلك الفردية تجعلهم ممتعين لبعضهم البعض.
  2. حافظ على الصداقات المهمة بالنسبة إليك.
  3. شجع شريكك على الحفاظ على الاهتمامات التي لطالما كانت ذات مغزىً له، وكذلك الصداقات.
  4. أنشئ تواصلاً هادفاً مع شريكك، فشخصان يتشاركان الحياة معاً لديهما الكثير للتحدث عنه. لذلك من المهم تطوير أسلوب منفتح في التحدث والاستماع إلى بعضكما بعضاً.
  5. استمع لشريكك جيداً دون إصدار أحكام، وبنفس الاحترام الذي تقدمه لأي إنسان آخر.

على الجانب الآخر؛ يجب تجنُّب:

  1. فكرة العثور على "القطعة المفقودة" أو "توأم الروح" والحاجة إلى شخص آخر ليكون كاملاً.
  2. افتراض أنك تعرف ما يشعر به شريكك، فكونكما زوجَين لا يعني ذلك أنكما تعرفان بعضكما بعضاً جيداً، أو أن لديكما نفس التصورات والأفكار، ولا تفترض أنك تعرف كيف يراك شريكك.
  3. التحدث كوحدة واحدة؛ مثل استخدام "نحن" بدلاً عن "أنا"، أو التحدث نيابة عن شريكك.
  4. رسم صورة خيالية مثالية عن شريكك وعدم رؤية عيوبه، أو على الجانب الآخر تشويه سمعته.
  5. وأخيراً؛ معاقبة شريكك لأنه لا يرقى إلى المستوى المثالي، وكذلك ترك خيال الوقوع في الحب يحل محل الأفعال التي تعبر عن الحب بالفعل.

المحتوى محمي