لماذا يصعب علينا الاعتذار للآخرين؟ وكيف يمكن أن نقدم اعتذاراً صادقاً؟

5 دقائق
الاعتذار للآخرين

ربما لم تكن تلك المرة الأخيرة التي اعتذرت فيها صادقةً، فقط تلفظت بعبارات مثل "أنا آسف" أو "أعتذر عن ذلك الأمر" لتبقي على علاقتك بالشخص الآخر. من الممكن أيضاً أنك كنت صادقاً في اعتذارك، لكنه لم يصل للطرف الآخر بالشكل الصحيح، أو أنه لم يكن في التوقيت المناسب؛ ما أفقده قيمته الحقيقية.

إن العلاقات المثالية التي يظهر فيها كل طرف بشكل نموذجي هو أمر غير منطقي بالمرة، فارتكاب الأخطاء هو أمر بشري طبيعي، كما أن حدوث سوء تفاهم في بعض المواقف لا يعني أن أحد الأطراف يكنّ مشاعر بغيضة تجاه الطرف الآخر؛ ما يعني أن الاعتذار حينها قد يكون وسيلة جيدة لاستعادة الثقة وتوطيد العلاقة.

يمكن أن يؤدي الاعتذار للآخرين أيضاً إلى الراحة، خاصة إذا كنت تشعر بالذنب تجاه أفعالك وأقوالك، فالاعتذار وحده لا يمحو الأذى، لكنه يثبت أنك تعلم أن أفعالك أو كلماتك كانت خاطئة وأنك ستبذل قصارى جهدك في المستقبل لمنع حدوث ذلك الأمر مرة أخرى.

على الجانب الآخر، فإن عدم الاعتذار عندما تكون مخطئاً يمكن أن يضر بعلاقاتك الشخصية والمهنية، كما يمكن أن يؤدي إلى الاجترار والغضب والاستياء والعداء الذي قد ينمو بمرور الوقت.

ما فوائد الاعتذار؟

توضح "إليزابيث سكوت" (Elizabeth Scott)؛ المختصة في علم النفس الإيجابي والعلاقات الصحية والرفاهية العاطفية عدداً من فوائد الاعتذار. وتشير إلى أن العلاقات يمكن أن تكون مصدراً رائعاً لتخفيف التوتر، لكن الصراع يمكن أن يسبب ضغطاً كبيراً؛ ما قد ينتج عنه خسائر فادحة.

لذا، يؤدي الاعتذار للآخرين دوراً حيوياً في خفض الآثار السلبية للنزاع والضغط في العلاقات، كما أنه يساعدنا على وضع الخلاف وراءنا والمضي قدماً بسهولة أكبر، عوضاً عن اجترار الأفكار والحزن.

تشمل فوائد الاعتذار أيضاً الحفاظ على علاقات قوية، بالإضافة إلى تقليل الخلاف وزيادة التسامح.

ما يجب التفكير به عند تقديم اعتذار؟

إن الاعتذار الصادق هو الذي ينقل التعاطف الحقيقي والندم للطرف الآخر، بالإضافة إلى الوعد بالتعلم من الأخطاء. بمعنى آخر، على الفرد أن يؤمن حقاً أنه فعل شيئاً خاطئاً وأنه يشعر بالأسف على الأذى الذي سببه.

كذلك، تشير عدد من الدراسات لبعض النقاط المهمة التي يجب التفكير بها عند الاعتذار:

1. تأكد من أن اعتذارك حقيقي وصادق

الصدق منجّي؛ ذلك أمر شديد الأهمية في العلاقات، خاصة أوقات سوء التفاهم أو المشكلات الناتجة عن افتقار الحوار الجيد بين الأطراف. لكن على الرغم من أن الاعتذارات عالية الجودة والصادقة فعّالة للغاية في تعزيز المصالحة، فإن المخطئين غالباً ما يختارون تقديم اعتذار روتيني، أو الامتناع عن الاعتذار من الأساس، أو الرد بشكل دفاعي.

تُظهر مراجعة للأبحاث أجرتها الباحثة "كارينا شومان" (Karina Schumann) من قسم علم النفس بـ "جامعة بيتسبرغ" (University of Pittsburgh) الأميركية، والتي درست كيفية تأثير بعض العوائق على تقديم اعتذار صادق، أن بعض الأشخاص يجدون صعوبة في تقديم اعتذاراً صادقاً لأنهم يعتقدون أن قولهم "أنا آسف" أمر غير فعَّال بشكل عام، بالإضافة إلى أسباب أخرى كانخفاض الاهتمام بالطرف الآخر أو العلاقة، والتهديد المتصوَّر للصورة الذاتية للشخص المعتذر.

2. عبِّر عن نواياك للتعويض

إن الأفعال أصدق من الأقوال وأكثر تأثيراً، كذلك هو الحال بالنسبة للاعتذار. فإصلاح الأمر أو محاولة إصلاحه بفعل شيئاً ما يُظهر مدى رغبة الشخص في الاعتذار الحقيقي والصادق. على سبيل المثال، إذا فقدت أو دمرت شيئاً كان ثميناً لأحد الأصدقاء، فيمكنك اتخاذ خطوات للتعويض عن ذلك عن طريق استبدال العنصر المفقود أو التالف؛ ما يشعر صديقك أنك جاد وصادق في اعتذارك عن مجرد قول "أنا آسف".

وجدت دراسة من "جامعة كيس ويسترن ريزيرف" (Case Western Reserve University) بأميركا أن محاولة موظفي المطار لإصلاح مشكلات مثل: فقدان الأمتعة أو إلغاء الرحلات كانت أكثر أهمية للعملاء من حل المشكلة في النهاية.

فبعد الاعتذار على الفور، كان يُنظر إلى الموظفين الذين بحثوا عن حلول محتملة بقوة لحل المشكلة بدلاً عن الاستمرار في الاعتذار على أنهم أكثر فعالية. ذلك لأن محاولة إيجاد حل هي مؤشر على الندم الفعلي، بينما الاعتذار اللفظي قد يكون صادقاً أو لا.

3. اختر توقيتاً جيداً للاعتذار

لإحداث فرق كبير، يجب أن يكون لاعتذارك توقيتاً جيداً أيضاً؛ لا يعني ذلك بالضرورة أن يكون الاعتذار فورياً. أظهرت دراسة منشورة في مجلة علم النفس الاجتماعي التجريبي (Journal of Experimental Social Psychology) أجريت عام 2005، أن الاعتذارات كانت أكثر فعالية عندما تأتي في وقت لاحق في المناقشة وليس خلالها، أي عندما تتبع بعض الوقت من الاستماع الفعال والذي يمكن من خلاله طرح الأسئلة للتأكد من أنك تحاول فهم المشكلة.

كذلك، أظهرت دراسة أجريت عام 2020 نشرت بدورية "نيتشر" (Nature) أنه عندما يتعلق الأمر بالمشاجرات الزوجية، يكون التوقيت أكثر حساسية، وليس لدى المخطئ سوى إطار زمني محدد للاعتذار؛ والذي يجب أن يكون خلال عشر دقائق من إتمام المناقشة؛ حيث وجد الباحثون أنه بعد ذلك الوقت، تميل المناقشات إلى التعقيد الشديد والتصعيد بسرعة كبيرة.

تضيف سكوت للنقاط السابقة التي يجب وضعها في الاعتبار عند الاعتذار ما يلي:

4. تحمل المسؤولية

إن تحمُّل المسؤولية يعني الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها والتي قد تكون قد أذت الشخص الآخر، وهي من أهم المكونات وأكثرها إهمالاً في معظم الاعتذارات.

إن قول شيء غامض مثل، "أنا آسف إذا شعرت بالإهانة بسبب شيء قلته"، يعني أن المشاعر المؤلمة كانت رد فعل عشوائي من جانب الشخص الآخر. لكن بتحديد العبارة التي قلتها وتسببت في أذى الطرف الآخر والاعتذار عنها، يعبِّر عن تحملك مسؤولية كلامك.

من المفيد أيضاً أن يعرف الشخص الآخر أنك تشعر بالسوء حيال إيذائه، وأنك تتمنى لو لم تفعل ذلك.

5. إعادة تأكيد الحدود

من أهم أجزاء الاعتذار هو إعادة تأكيد الحدود الصحية في العلاقة. عندما تختلف مع شخص ما، غالباً ما يتم تجاوز الحدود. إذا تم انتهاك قاعدة اجتماعية أو كسر الثقة، فإن الاعتذار يساعد في تأكيد نوع السلوك المستقبلي المفضّل.

ستؤدي مناقشة نوع القواعد التي ستلتزم بها كلا الطرفين في المستقبل إلى إعادة بناء الثقة والحدود والمشاعر الإيجابية؛ ما يجعل العلاقة أفضل مستقبلاً.

6. امتلك الجزء الخاص بك فقط!

تذكر أنك عندما تعتذر، فأنت تتحمل مسؤولية الجزء الخاص بك من النزاع. هذا لا يعني أنك تعترف بأن الصراع بأكمله كان خطأك. غالباً ما يخشى الناس الاعتذار أولاً لأنهم يعتقدون أن من يعتذر أولاً هو "أكثر خطأ" أو "الخاسر" في النزاع.

إن تقديم اعتذار حتى عندما يكون جزء صغير فقط من الصراع هو مسؤوليتك هو أمر جيد وصحي في كثير من الأحيان؛ حيث يسمح لك بتحديد ما تندم عليه ويؤكد أيضاً حدودك.

يعني ذلك أن تكون عادلاً في اعتذارك؛ سواء تجاه الشخص الآخر أو تجاه نفسك، فلا تقبل كل اللوم إذا لم يكن ذلك كله خطأك.

7. اختر طريقتك

الاعتذارات اللفظية مناسبة في معظم الظروف، لكن قد يشعر الكثير من الناس بعدم الراحة عند الاعتذار وجهاً لوجه، فيمكنهم اختيار الاعتذار المكتوب؛ خاصةً إذا كان الانزعاج من الموقف يؤثر على قدرة التعبير عن النفس.

إن كتابة الاعتذار في رسالة أو بريد إلكتروني أو رسالة نصية يمكن أن يمنحك الوقت الكافي لصياغة اعتذارك بعناية، والتأكد من قبول المسؤولية، والتعبير عن الندم، بالإضافة إلى إعادة تأكيد الحدود.

الاعتذار وسيلة لإصلاح العلاقات

على الرغم من أن الاعتذارات الحقيقية ليست سهلة، إلا أنها تمثِّل عاملاً مهماً من إصلاح العلاقات والحفاظ عليها؛ يتحقق ذلك من خلال التعاطف والشعور بالمسؤولية والشجاعة.

كذلك، فمهما تعددت الوعود بعدم الخطأ، ومحاولة تجنب قول أو فعل أشياء من شأنها أن تؤذي مشاعر الطرف الآخر، لا مفر من حدوث سوء التفاهم والخطأ غير المقصود.

لذلك، حين تحدث تلك المشكلات، يكون الوقوف على الأسباب الحقيقية والاعتذار هي الطريقة المثلى لمعالجة الأمر، دون الإطاحة بالعلاقة كاملة في سبيل إرضاء الأنا التي ترفض تقديم "الاعتذار للآخرين".

المحتوى محمي