لا تختلف نتائج المنشورات العلمية على حقيقة انتشار مرض السكري بصورة ضخمة في الدول العربية مقارنةً مع بقية دول العالم، وقد يُعزى ذلك أحياناً لبعض سلوكيات النمط المعيشي السيئة مثل قلة النشاط البدني أو الاختيارات الغذائية غير الصحية وغيرها.
وحتى لا نُحمِّل المُصابين بهذا المرض المُزمن جزءاً كبيراً من المسؤولية، فعادةً ما يتأثر القاطنون في الدول العربية ببعض المحددات الاجتماعية التي تجعلهم أكثر عرضة للوقوع في شرك أمراض النمط المعيشي المزمنة، إلى جانب الخطر الوراثي الذي يلعب دوراً مهماً في حالة مرض السكري.
وعلى العموم؛ تشير التقديرات إلى أن عدد المُصابين بمرض السكري في العالم العربي أقرب لأن يتضاعف في عام 2035 حسب دراسة حديثة نشرها فريق بحثي من جامعة لانكستر وجامعة حائل وجامعة سينز ماليزيا في ربيع 2021.
كما أن نحو نصف المُصابين بمرض السكري يبدون غير مدركين لحالتهم وأنهم معرضون لخطر كبير من مضاعفاته؛ ما يجعل من الصعب عليهم التعامل مع شيء يجهلون حقيقته.
إضافةً لما سبق؛ يمكن أن تكون الإصابة بمرض السكري سبباً رئيسياً لظهور الضغط النفسي بجانب تقلبات الحياة الطبيعية؛ ما يُصعِّب التعايش معه ويجعلهم بطبيعة الحال أقل قدرة على السيطرة عليه والتعامل معه بصورة مناسبة.
بالتالي فقد يؤثر الضغط النفسي بصورة سلبية تُترجم في هيئة صعوبة القيام بأهم مسؤولية تقع على عاتق المُصاب بمرض السكري؛ والتي تتمحور حول دوره في إدارة هذا المرض المُزمن والتعايش معه بطريقة صحيحة تساهم في تحقيقه أعلى مستويات الصحة الممكنة.
وفي حين لا يمكن منع المواقف التي يسودها الضغط النفسي من الحدوث، دعونا نستكشف معاً ماهية تأثير الضغط النفسي في المصابين بمرض السكري وكيف يرتبط به، كما أننا سنتعلم الأساليب الصحية للتعايش معه وإدارته بأفضل الطُرق.
ما هو الضغط النفسي؟
في البداية يجب التنويه عن أن الضغط النفسي لا يسبب مرض السكري، ويقتصر أثره في المجمل على الإخلال بمستويات السكر في الدم وكبح جهود إدارة المُصاب لحالته المرضية بصورة صحيحة.
ونعني بمصطلح الضغط النفسي كيفية تفاعل الجسد والعقل مع المواقف العصيبة أو غير المعتادة؛ والتي قد تكون قصيرة المدى مثل حالة القلق بشأن مشروع ستقدمه صباح الغد أو الذهاب إلى مناسبة ضخمة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو شيء جسدي كحادث أو مرض.
وعلى النقيض من ذلك، فقد يكون الضغط النفسي نتيجة مخاوف أقل إلحاحاً في اللحظة الحالية ولكنها مستمرة على المدى الطويل وتتعلق بأشياء يتخلف تقييمها من شخص لآخر مثل المال أو فقد بعض العلاقات الاجتماعية وما إلى ذلك.
وفي ضوء ما سبق، بلا شك؛ من الممكن أن يؤثر الضغط النفسي في الإنسان جسدياً وعاطفياً وعقلياً ما يزيد من أهمية تحليل ارتباطه مع مرض السكري.
ما هي علامات الضغط النفسي المرضية؟
قد تختلف أعراض هذه الحالة النفسية من شخص لآخر؛ ما يجعل من المهم التعرف إلى العلامات المرضية المختلفة حتى يستطيع الشخص تحديدها لحظة حدوثها واتخاذ الخطوات الصحيحة للتعامل معها.
فعلى سبيل المثال؛ قد يعاني من تعرَّض أو يتعرض لحالات الضغط النفسي لأي من الآتي:
- الإعياء أو الصداع.
- آلام العضلات أو التوتر.
- اختلال مدة وجودة النوم.
- الإحباط أو سرعة الانفعال.
كما من الشائع للأشخاص الذين يتعرضون للضغط النفسي أن يتبنّوا سلوكيات سلبية غير معتادة مثل:
- التصرف بعدوانية وغضب.
- الانسحاب من اجتماعات الأصدقاء والعائلة.
- الإفراط في الأكل أو شرب الكحول أو التدخين.
كيف يؤثر مرض السكري في المصابين به؟
بوجهٍ عام تُفرز الغدد الصماء في البنكرياس بصورة طبيعية هرمونيّ الإنسولين والغلوكاغون؛ حيث يعمل كلا الهرمونين بصورة متوازنة ويلعبان دوراً حيوياً في تنظيم مستويات السكر في الدم، إلى جانب هرمون السوماتوستاتين الذي يمنع إفرازهما.
وفي حالة مرض السكري قد يحتاج المُصابون به إلى تنظيم مستويات السكر في الدم عن طريق تنظيم مستوى هرمون الإنسولين بتدخل منهم بعدة طُرق؛ مثل النشاط البدني المُنتظم أو التغذية الصحية السليمة أو الأساليب الدوائية التي تعتمد على نوعه وعوامل أخرى.
كيف يمكن أن يؤثر الضغط النفسي في مرض السكري؟
تشير "الرابطة البريطانية لمرضى السكر" (Diabetes UK) إلى أن توجّه الجسم خلال لحظات التوتر أو القلق لآلية الهرب أو المواجهة، يُصعِّب من عمل هرمون الإنسولين بصورة صحيحة نظير التركيز على إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين.
وتفسير ذلك أن الجسم يقع رهينة لحالة مقاومة الإنسولين التي يتعذّر معها وصول الطاقة للخلايا؛ ما يساهم في ارتفاع مستويات السكر في الدم ويجعل المُصاب بمرض السكري أكثر عرضة لدخول حالة ارتفاع خطير للسكر في الدم تُسمى "فرط سكر الدم" (Hyperglycemia).
بالتالي فقد يسبب الضغط النفسي المستمر حالات قلق أو توتر من الممكن أن يستمر معها ارتفاع مستويات السكر في الدم؛ ما يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات مرض السكري ويؤثر في الحالة المزاجية وإدارة المرض ونتيجةً لذلك يتأذى المُصاب به نفسياً وعقلياً.
ما الأساليب المناسبة للتعامل مع الضغط النفسي؟
من الممكن تقليل ضغوط الحياة أو تحييد خطرها من خلال التوجّه للعلاج النفسي المناسب بجانب الحرص على توفير دعم عائلي واجتماعي إيجابي.
وإضافة لذلك؛ فيما يلي بعض الأساليب التي يمكن تبنيّها للتحكم في تأثيرات الضغط النفسي:
- إدارة الضغط النفسي والعقلي: فقد يكون من الجيّد ممارسة تقنيات الاسترخاء التي تساعد على إدارة الأفكار السلبية ومساعدة الجسد والدماغ على التهدئة بصورة صحية.
- إدارة الضغط العاطفي: يساعد التعامل مع مصادر الضغوط العاطفية على إعادة توازن تركيز الإنسان لمستويات جيّدة تساهم في تخفيف أثرها.
- إدارة الضغط الجسدي: قد يُعزز النشاط البدني المُنتظم من قدرة الجسم على تطوير تحمّل ومرونة تساهم في تخفيف آثار هذا النوع من الضغط، كما يمكن تبنّي تقنيات الاسترخاء الحركية مثل اليوغا وغيرها.
- إدارة الضغط الاجتماعي: يساعد تقنين المسؤوليات أو الأنشطة الاجتماعية داخل المنزل وخارجه على تحسين تعامل الشخص مع بعض الضغوط، كما يمكن تبنّي أنشطة ترفيهية وممتعة مثل المشي الصحي لمسافات طويلة أو السباحة أو أي نشاط آخر مُحبَّب.
- إدارة ضغوط العمل: قد يساهم تحجيم مسؤوليات العمل وعدم جلبها إلى المنزل من أثرها السلبي، كما يمكن تلافي بعضها عن طريق التحدث مع المدير المباشر وإن استمرت فمن المهم التفكير في تغيير جذري يحيّد مصدر تلك الضغوط.
ختاماً؛ على الرغم من وجود تقاطعات عديدة بين الضغط النفسي ومرض السكري من النواحي الجسدية والنفسية والعقلية، فمن الممكن إدارة مرض السكري بأسلوب فعال من خلال الاهتمام بنمط حياة صحي يخفف من سطوة تأثيرهما في بعضهما بعضاً.
كما يجب أن نعي هنا الانتشار الضخم لمرض السكري من حولنا في الدول العربية؛ ما يجعل على عاتقنا ومن واجبنا المبادرة إلى تخفيف أثر المحددات الاجتماعية والمساهمة في دعم المُصابين به على الوجه الأمثل حتى يستطيعوا الوصول لأعلى مستوى ممكن من الصحة.