ما أن ظهر فيسبوك (Facebook) في سماء وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبح طوق نجاة لكثيرين للبحث عن أصدقاء لم يتمكنوا من لقائهم في الواقع منذ سنوات عديدة، وعائلات تمكَّنت من لم شملها أخيراً، لدرجة أن بدأ البعض في البحث عن شجرة عائلتهم بتكوين مجموعات للتواصل مع أقاربهم في البلدان المختلفة، بالإضافة إلى إمكانية التعرُّف إلى أصدقاء جدد تجمعهم اهتمامات مشتركة.
وعلى الرغم مما لتلك الوسيلة من دور فريد في لم شمل من تفرقت بهم السبل؛ ما زاد من شعورهم بالدعم والقدرة على التواصل بطريقة تختلف عن طرق الاتصال التقليدية في ظل أدائهم لمهامهم اليومية بصورة طبيعية؛ فإن الأمر اختلف بشكل كبير في السنوات اللاحقة.
أصبح التوسُّع في استخدام فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى المقدَّم على كل منها سبباً للشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى تكوين صورة ذهنية سلبية عن الذات، مثلما أوضحت مراجعة لعدد من الدراسات المنشورة في مجلة طبيعة الاكتئاب (The Nature of Depression).
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة العقلية؟
تشير "كريستين ستابلر" (Christine M. Stabler)؛ المديرة الطبية لصحة المرأة في مستشفى لانكستر للصحة العامة بأميركا، في مقالها عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة العقلية، إلى عدد من تلك الآثار في الصحة النفسية والعقلية:
1. الإدمان
توضح ستابلر أن تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي لها نفس تأثير المقامرة في الدماغ، نظراً لأن الفرد لا يعرف المحتوى الذي سيراه حتى يفتح التطبيق. إن النتائج غير المتوقَّعة تسبب شعوراً "بالمكافأة" من خلال إطلاق مادة الدوبامين – المعروفة أيضاً بهرمون السعادة؛ ما قد يدفع الفرد لتصفحّها كثيراً.
2. التركيز على التفاعلات
يمكن أن ينشأ المزيد من المشكلات عندما يضع الفرد مزيداً من التركيز على التفاعلات التي يتلقاها؛ مثل الإعجاب أو الغضب، إلخ، على المحتوى الذي يشاركه. مثلاً إذا نشر الفرد صورة على أمل تلقي الإعجاب والتعليقات ولم يحصل عليهما، فقد يشعر بخيبة أمل، وقد يزيد ذلك الشعور السيئ عند المقارنة مع منشورات أشخاص آخرين نالوا مزيداً من الإعجاب. كل ذلك يمكن أن يتسبب في تدني احترام الذات وتشتيت الانتباه عن المهام الأخرى، وحتى الشعور بالقلق أو الاكتئاب.
3. خاصية التصفية (الفلتر) الممتعة والمزيفة
في حين يمكن أن يكون استخدام الفلتر المضحِك رائعاً للفكاهة والتندُّر؛ إلا أنه أيضاً يمكن أن يخلق صوراً كاذبة وأوهاماً تجعل الفرد يسعى للحصول على ذلك الجسد الممشوق والأسنان اللامعة، وإخفاء أي عيوب في المظهر الخارجي.
على الرغم من معرفة أن تلك الصور تم تحسينها واختيارها بعناية، فإن مشاهدة الصور المثالية باستمرار يمكن أن تجعل الفرد يشعر أنه من المستحيل أن يرقى إلى مستوى حياة الآخرين؛ وبالتالي يشعر بالقلق وتدني صورته الذهنية عن ذاته.
4. فومو (الخوف من فقدان شيء ما)
الخوف من فقدان شيء (Fear of Missing Out) أو (FOMO)، هو سبب آخر يجعل متابعة وسائل التواصل الاجتماعي أمراً مغرياً للغاية. عند التواجد في مجموعة على إحدى منصات التواصل سواء كانت تابعة للمدرسة أو العمل، فقد يقلق الفرد بشأن فقد رسالة أو مزحة أو معلومات أخرى تربطه بزملائه؛ الأمر الذي يمكن أن يُشعره بالإقصاء أو الوحدة أو القلق عندما يرى الآخرين يقضون وقتاً ممتعاً من دونه.
اقرأ أيضاً: دور وسائل التواصل الاجتماعي في وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية
علامات تحذيرية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة العقلية
قد لا يشعر الفرد بمدى تأثير تلك الوسائل في صحته النفسية والعقلية في ظل انشغاله بها وانغماسه فيها.
فيما يلي بعض الطرق الفاعلة في معرفة مدى تأثير تلك الوسائل في الصحة العقلية، وفقاً لعدد من المختصين النفسيين في مقال على موقع "سيلف" (Self):
- انتبه إلى ما تشعر به بعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: انتبه إلى ما يشعر به جسمك عندما تتفاعل مع المحتوى المقدَّم. قد تشير علامات التوتر؛ مثل ارتفاع معدل ضربات القلب أو توتر العضلات، إلى أن المحتوى الذي تعرّضت له لا يبعث على الاسترخاء.
- استمع إلى حوارك الداخلي: يمكن للمحتوى الذي يعرض طريقة مثالية للحياة أن يجعلك تشعر بأن هناك طريقة صحيحة يجب تطبيقها وخاطئة يجب تجنُّبها، وقد تجد نفسك تردد عبارات مثل: "يجب أن أبدو هكذا" أو "يجب أن أفعل ذلك أيضاً".
- لاحظ التغييرات في حياتك الحقيقية: فكر فيما إذا كنت تتجاهل مسؤوليات أخرى لصالح قضاء المزيد من الوقت في تصفُّح حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، أو إذا كنت تواجه صعوبة في التركيز. قد يكون ذلك دليلاً على أن وسائل التواصل الاجتماعي تتداخل مع أداء مهامك اليومية الضرورية.
اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من سموم السوشيال ميديا؟
لذلك تنصح كريستين ستابلر؛ المدير الطبي لصحة المرأة في مستشفى لانكستر للصحة العامة بأميركا، الأفراد بالحد من تلك الآثار النفسية السلبية من خلال:
- التخطيط لتجمعات صغيرة مع العائلة.
- اقتطاع وقت للخروج وممارسة الرياضة.
- التطوع.
- قضاء بعض الوقت وجهاً لوجه مع الأصدقاء.
وإذا شعرت أنك غير قادر على التعامل مع المحفّزات السلبية التي تبعثها تلك الوسائل وأنها تؤثر في صحتك العقلية؛ يُنصح بإلغاء متابعة المجموعات أو الصفحات التي تشعر أن محتواها يؤثر سلباً في صحتك النفسية، وتحديد وقت تصفُّح تلك المنصات مع الالتزام بذلك. بالإضافة إلى استشارة الطبيب إذا شعرت أنك لا تستطيع التحكُّم في ذلك الأمر؛ والذي بدوره سيحدد الطريقة المثلى للعلاج.
وأخيراً فإن وسائل التواصل الاجتماعي ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها؛ بل بالطريقة التي نستخدمها فيها ومقدار الوقت الذي نقضيه في التنقل بين منشوراتها المختلفة.