في مواجهة مواقف معينة تُعتبر خطيرة مثل: الخوف من الطيران والكلاب والارتفاعات والأماكن المغلقة؛ يمكن أن يكون الخوف منقذاً للحياة. ولكن ماذا تفعل عندما يصبح الخوف رهاباً ويمنعك من العيش؟ ماذا تفعل إذا كنت تعاني من اضطراب الرهاب؟ هل من المستحيل حقاً التغلب على رهابك كما يُعتقد غالباً؟ فيما يلي نظرة عامة على الطرق المختلفة التي تساعد على التخلص من الرهاب.
"الرهاب يمكن علاجه"
تقول الطبيبة النفسية المسؤولة عن مركز العلاج النفسي الجامعي في مستشفى سانت آن في باريس ومؤلفة كتاب "فهم الرهاب ومعالجته" (Comprendre et traiter les phobies) كريستين ميرابل-سارون: "لا يوجد عمر تُصاب فيه بالرهاب ولكن العلاج ممكن تماماً بشرط أن تبحث عن الأسباب المتعددة التي أظهرت هذا الاضطراب".
وتوضح: "إذا لم ينظر المجال الطبي إلى الاضطراب الرهابي اليوم على أنه "صراع داخلي نفسي" -بسيط لأنه ينتج دائماً عن أسباب متعددة- فيمكن أن تعالج طرق مختلفة الرهاب وفقاً لأسباب ظهوره.
ما الفرق بين الخوف البسيط والرهاب؟
كريستين ميرابل-سارون: العنصر الأساسي الذي يحدد اضطراب الرهاب هو تجنب مواجهة الخوف أو ما يرهب الشخص. عادةً عندما نشعر بالخوف، نشعر به ونواجه الوضع الذي يولد هذا الخوف ولو على مضض.
في المقابل لا يستطيع الشخص الذي يعاني من الرهاب مواجهة الأمر الذي يثير رهبته، فعندما لا يكون من الممكن مواجهة الواقع نتجاوز مجال الخوف لندخل في نطاق الرّهاب.
اقرأ أيضا:
ما أسباب الاضطرابات الرهابية؟
كريستين ميرابل-سارون: يمكن أن تفسر عشرات الأسباب المختلفة سبب اكتساب واحد أو أكثر من الاضطرابات الرهابية.
اعتماداً على نوع الرهاب قد تكون هناك جوانب مؤلمة وجينية وبيولوجية ونفسية؛ ولكن يمكننا أيضاً "اكتساب الرهاب" على وجه الخصوص من خلال تصرفات الوالدين كما هو الحال غالباً مع رهاب البحر.
تكرار عبارات على غرار "احترس من البحر والأمواج" باستمرار يؤسس تصوراً في نفس الشخص يثير رهبته من المياه. وفي ذات السياق يجب أن نتذكر أيضاً أنه لا يوجد عمر محدّد تصاب فيه بالرهاب.
كيف تفسر أن الاضطرابات الرهابية تؤثر على الكثير من الناس؟
كريستين ميرابل-سارون: كل هذا يتوقف على نوع الرهاب الذي نتحدث عنه. إذا تم تسجيل ما بين 400 و500 نوع من أنواع الرهاب حسب المجال الطبي، فيمكن تصنيف معظمها إلى ثلاث مجموعات. من المحتمل أن يؤثر الرهاب المحدد أو البسيط (الخوف من الحيوانات والحشرات وما إلى ذلك) على أكثر من نصف الفرنسيين؛ ولكن في أشد أشكاله مع التجنب التام والقلق الاستباقي فإن هذا الرقم يصل إلى 6%.
فيما يتعلق برهاب الخلاء (رهاب الأماكن المفتوحة و المكتظة)، فإن معدل الانتشار متغير بين 5 و 10% كحد أقصى. يأتي بعد ذلك الرهاب الاجتماعي (القلق، الخوف من العلاقات مع إنسان آخر) الذي قد يصيب ما بين 2 و 3% من السكان.
الاضطرابات الرهابية، وخاصة البسيطة منها، شائعة جداً لأنها تشكل حماية للنوع وتسمح للإنسان بالبقاء على قيد الحياة في مواجهة الأخطار الكبيرة التي تهدده.
هل يمكن علاج اضطراب الرهاب؟
كريستين ميرابل-سارون: الرهاب يمكن علاجه والشفاء منه، ومع ذلك يجب أن نتذكر أن الرهاب البسيط أو المحدد ينبغي ألا يؤدي إلى العلاج بالعقاقير إلا في حالات الاكتئاب.
فمثلاً هذا هو الحال مع الشخص الذي يخاف من العناكب ويغادر المدينة ليستقر في الريف ويجد نفسه يواجه يومياً رهابه الذي سيقوده نحو الاكتئاب بشكل تدريجي.
من ناحية أخرى لا يمكن علاج الرهاب من الأماكن المكشوفة دون مساعدة الأدوية لتنظيم نظام هرمون السيروتونين. يشفي هذا العلاج عموماً نصف المرضى، وبالنسبة للنصف الآخر فلن يكون كافياً لأنه سيتطلب متابعة إضافية من طبيب نفسي؛ والذي بدوره يجب أن يتعرف على مصادر ظهور هذا الرهاب وعواملها: هل هو رهاب مُكتسب تسببت فيه التصرفات العائلية أم مجرد صدمة؟ وبناءً على ذلك يجب اختيار طريقة المساعدة النفسية الأقرب لمشكلة المريض.
التخلص من حالة الرهاب من خلال العلاج السلوكي المعرفي
توضح المعالجة النفسية وممارسة العلاج السلوكي المعرفي ستيفاني بيليسولو أن العلاج السلوكي والمعرفي يزيل الخوف.
وتفيد: "للشفاء من الرهاب من الضروري التخلص من الخوف من خلال التعرض التدريجي لفوبيا الرهاب. على سبيل المثال: نطلب من الشخص الذي يعاني من رهاب القطط أن ينظر إلى كلمة قطة وهي مكتوبة ثم نعرض عليه الصور ثم الأفلام وأخيراً نواجهه بالواقع. مفتاح الشفاء هو تعويد المريض على رؤية ما يخافه من أجل إخفاء خوفه مع تقديم الدعم في كل خطوة من خطوات المعالجة".
تمتد مدة العلاج بالنسبة للرهاب البسيط إلى ما يقارب 3 أشهر بمعدل جلسة واحدة في الأسبوع لمدة 45 دقيقة.
أما بالنسبة للرهاب الاجتماعي فيحتَاج الشخص ما بين 3 أشهر إلى سنتين حسب شدة الرهاب. كما تتواصل الجلسات لمدة ساعتين في العلاج النفسي الجماعي بحيث يتعلم المريض كيفية تعريض نفسه لنظرة وحكم الآخرين دون أن يخاف.
وفي حالة رهاب الخلاء يرافق الطبيب النفسي المريض في مواقف تثير القلق لمدة ساعة ونصف. علاوة على ذلك؛ يعتمد عدد الجلسات على شدة رهاب الخلاء وعدد المواقف التي يمكن من خلالها إزالة الخوف. بالنسبة لرُهاب الخلاء الذي يتعلق فقط برهاب القطارات يحتاج المرء من 5 إلى 6 جلسات لمدة ساعة ونصف مع التعرض للخوف بين كل جلسة وجلسة.
تخلّص من مخاوفك مع طريقة إعادة المعالجة وإزالة الحساسية بمساعدة حركات العينين
وفقاً لعالمة النفس الإكلينيكي والمشرفة على طريقة إعادة المعالجة وإزالة الحساسية بمساعدة حركات العينين باسكال أمارا: "غالباً ما يتم تفسير أصل الرهاب عن طريق الصدمات الدقيقة".
وتوضح: "عند وجود رابط بين الصدمة والخوف فإن طريقة إعادة المعالجة وإزالة الحساسية بمساعدة حركات العينين تجعل من الممكن قمع الخوف والتغلب على العوائق النفسية. ولقد تم تطوير ما يسمى بتقنيات "الفلاش إلى الأمام" لتوقع التفاعلات الرهابية".
وتضيف: "في حالة الشخص المصاب برهاب الخلاء سنطلب منه تخيل أسوأ ما يمكن أن يحدث له إذا غادر منزله. سوف تغمره الكثير من المشاعر بعد ذلك وهنا تتدخل طريقة إعادة المعالجة وإزالة الحساسية بمساعدة حركات العينين من خلال السماح بقمع وعلاج هذه المخاوف. فمثلاً لماذا قد تؤدي مغادرة المنزل إلى جنون الشخص؟ ولماذا يقع حادث كذا وكذا بالضرورة له؟ لعلاج رهابك عليك العودة إلى جذور الخوف من أجل إزالته".
مدة العلاج: متغيرة حسب خطورة وأقدمية ودرجة تعقيد الرهاب. للحالات "البسيطة" يمكن أن تكون الجلسات من 5 إلى 10 جلسات على مدى شهر إلى ثلاثة أشهر. وفي الحالات "المعقدة" يكون عدد الجلسات من 20 إلى 30 جلسة على مدى 6 إلى 8 أشهر مع متابعة من سنة واحدة إلى 3 سنوات.
التنويم المغناطيسي لإخلاء المشاعر المؤذية
بحسب الطبيب النفسي والمعالج بالتنويم المغناطيسي جيابالا فارما: "التنويم المغناطيسي يجعل من الممكن العودة إلى أصل الرهاب وعلاج سبب المشكلة بعمق".
ويقول: "إن التنويم المغناطيسي الذي يهدف إلى علاج الرهاب عن طريق نهج متعدد التخصصات يدمج أربع تقنيات مهمة. التنويم المغناطيسي الذاتي الذي يتم تدريسه في بداية العلاج ويسمح للمريض بالبقاء هادئاً بشكل عام. بالإضافة إلى التقنيات المعروفة باسم "الانحدار العمري" و "العلاج الإيحائي" التي تساعد على تتبّع أصل الرهاب ومعالجة سبب الخوف".
ويفيد: " وتقوم المنبهات البديلة المنومة في النهاية بقمع المشاعر غير السارّة المرتبطة بالرهاب. ولمزيد من الفعالية يمكن استخدام تقنيات علم الطاقة؛ وهي تقنية يشيع فيها استخدام العلاج بالوخز بالإبر وتسهيل التخلص من المشاعر الضارة".
مدة العلاج: ما بين جلسة و 10 جلسات مدة كل منها ساعة حسب شدة الرهاب.
طريقة تيبي: تقنية "التطهير الذاتي العاطفي"
تؤكد المعالجة وممارسة تقنية تيبي مارسيا بينيتاه: "تتجلى جميع المشاعر السلبية؛ بما في ذلك تلك الناجمة عن الرهاب، من خلال الأحاسيس غير السارّة التي يجب التخلص منها".
وتوضح: "هناك طريقتان للقيام بذلك. يمكن للشخص الذي تدرب على طريقة تيبي أن يتصرف بمفرده عندما تصله المشاعر السلبية؛ حيث يجب أن تغمض عينيك وترى كيف تتدفق هذه المشاعر السلبية إلى جسدك وتتركها تتدفق خارجك بشكل طبيعي. في هذه الأثناء سيطلب المعالج من الشخص الذي يعاني من الرهاب بتجسيد ما يزعجه من خلال طريقة تيبي ثم يوجهه ليقوم بعملية إخلاء المشاعر السلبية من جسمه".
وتضيف: "الهدف هو استباق الانسداد العاطفي وتحقيق التنظيم العاطفي طويل المدى، لأنه بمجرد أن يتخلص الفرد من الآثار السلبية لفوبيا رهابه يبدو الأمر كما لو أنها لم تكن موجودة من قبل".