6 نصائح لتجنب الحوار العقيم

6 دقائق
تجنب الحوار العقيم

بين ما نريد قوله وما نعبر عنه وما يسمعه الآخر وما يترسخ في ذهنه، يوجد أحياناً نوع من التناقض. ومع ذلك هناك تقنيات فعّالة تجعل أفكارنا واضحةً أمام الآخرين وتساعدنا على "تجنب الحوار العقيم".

من المثير للدهشة أنه منذ الثمانينيات يُروج العالم لتقنيات الاتصال التي أصبحنا نحترف استخدامها بشكل لا يصدق واثقين من أنفسنا لكن ظاهرياً فقط. وفي الواقع لكي يُسمع صوتنا نعلم أنه ينبغي ألا نصرخ (فالصراخ دليل على الضعف) أو نلف ذراعنا على الأخرى (لأن ذلك علامة على الانغلاق)، فهذه هي معايير التوازن التي يجب اتباعها قبل مُباشرة الحوار.

وبعد ذلك عليك بحسن إدارة عواطفك (ضبط النفس) والتحدث بضمير المتكلم وإعادة صياغة كلماتك قدر الإمكان. فيما عدا ذلك؛ "نحن بحاجة إلى التحدث" على الرغم من أننا لا نستطيع ممارسة قواعد الحوار على أكمل وجه دائماً. كيف يكون هذا ممكناً ونحن الخبراء نعلم الكثير عن هذا الموضوع؟ ربما هناك سوء تفاهم يحول دون ذلك.

وفي الحقيقة إذا استخدمنا هذه الأساليب للتحكم في كيفية تبادل النقاش أو حتى التلاعب بالآخر، فإننا نفتقر إلى الصدق. ومع ذلك لا يمكن للتواصل أن يتم إلا من خلال تطبيق القواعد الأساسية لآداب الحوار.

فيما يلي قدم خمسة مختصين قواعدَ الحوار الرئيسية في الوقت الراهن. فكيفيّة الاستماع والفهم والاحترام لا تقتصر فقط على شخص واحد فحسب؛ بل على المتقبل المشاركة والاندماج في الحوار أيضاً.

خفف من حدة صوتك

عادة ما نستخدم الكلمات للتعبير عما نتحدث عنه ولكن للصوت دوراً أيضاً في ذلك. يقول الدكتور واختصاصي النطق ومؤلف كتاب "قوة الصوت" (Pouvoir de la voix) جان أبيتبول: "كلما كان الصوت حاداً وقوياً، كان مُدعاةً إلى الازعاج والتوتر، وكلما كان الصوت أعمق وأنعم وأقل حدةً ساد الشعور بالراحة أكثر عند الاستماع".

ويوضح: "هل تعمل كممثل أم سياسي؟ الأمر لا يتعلق بأداء دور ما بل بتوضيح فحوى رسالتك. إذا لم تكن الكلمات والصوت منسجمين فسيكون هناك نفور لا محالة من قبل الطرف المقابل. من ناحية أخرى؛ يؤدي الكذب بالضرورة إلى توتر الحبال الصوتية وترتفع آنذاك نغمة الصوت. لكن للوصول إلى هدف الحوار وهو إيصال المعلومة الواضحة للمحاور، يجب أن يتحول الصوت إلى موسيقى ناعمة من خلال الترددات والإيقاعات والاهتزازات والصمت الذي يتخلل الحوار أحياناً تحت تأثير الخلايا العصبية المرآتية والتعاطف مع الآخر".

ويضيف: "يجب أن يتناغم صوتنا مع سياق الحوار لكي يكون للعاطفة دور كشكل من أشكال ردود الأفعال. وقبل أن تبدأ تمرّن على النص لتفسيره بأكبر قدر ممكن من الدقة. ما يهم قبل كل شيء هو الإخلاص، فهو الصوت الحقيقي الذي نتحدّث به مع أنفسنا. من الضروري أن تجد وقتاً لتحريك ما بداخلك وأن تتحلى بالشجاعة لنقله إلى الآخرين". 

حدد رسالتك

يقترح المعالج ومؤلف الكتاب المختص في الاتصال اللاعنفي الأكثر مبيعاً "توقف عن أن تكون لطيفاً، كن صريحاً" (Cessez d’être gentil, soyez vrai) توماس دونسمبورغ، الانتقال من الحكم إلى التعاطف باستخدام ضمير المتكلم "أنا" بدلاً عن ضمير المخاطب "أنت" مشيراً إلى أن العملية تتكون من أربع مراحل:

  • الملاحظة: صف ما تراه وتسمعه واختر تعليقاتك حسب الأحداث التي تلهمك (ألاحظ أن).
  • الشعور: حدد المشاعر التي تمر بها (متعب أو حزين).
  • الحاجة: عبر عن احتياجاتك وتطلعاتك ورغباتك ودَوافعك وقيمك، وتوخَّ الحذر لأن عبارة "أنا أحتاج إلى شيء ما" تختلف تماماً عن عبارة "أحتاج أن"، وهذا الاختلاف يتغير بتغير الظروف.
  • الطلب: قم بصياغة طلب محدد وواقعي وإيجابي وقابل للتفاوض "هل توافق على؟".

في الحقيقة هذه الطريقة تبقيك على المسار الصحيح. لكن المعالج يصر: "إن الاتصال اللاعنفي يعطي هيكلاً لتجنب الوقوع في التفسير الشفوي. لكن هذا الأسلوب ليس خدعةً سحريةً، فالفكرة تتمثل في دمج طريقة جديدة للتواصل مع بعضنا البعض لخلق مساحة للاستماع المتبادل، وهذا يتطلب تدريباً مطولاً".

كن عاطفياً

تجنب التحدّث في المشاكل العاطفية لكن لا تحاول إدارة المشاعر. وفي هذا السياق تشرح المعالجة النفسية ومُؤسِسة معهد المنطق العاطفي والمؤلفة رفقة بيير ماسو، لكتاب "العاطفة: سبع خطوات لفهم نفسك" (E.M.O.T.I.O.N. sept étapes pour se comprendre )كاثرين إيمليت-بيريسول: "ليست العاطفة التي يجب أن تتم إدارتها؛ بل رد الفعل الذي ينتج عنها".

وتفيد: "في أثناء التواصل يدعو الخوف إلى التجنب والكذب وسوء النية، بالإضافة إلى أن الغضب يولد العناد وبالتالي سيُفسَح المجال للعدوان والاتهام والتنافس. كما أن الشعور بالحزن سيشجّع على الانسحاب والخضوع والصمت والقبول بالأذية؛ لكن لن يكون هذا دون سبب مقنع لأن العاطفة هي آلية دفاعية تضمن بقاءنا. قمعها أو الرغبة في السيطرة عليها يأتي بنتائج عكسية لأنه يزيد من حدتها".

ماذا تفعل بعد ذلك؟ تقول المعالجة كاثرين: "إن مرور فترة من الوقت ضروري للتعرف على المشاعر والسيطرة عليها في أثناء الخوف والغضب والحزن. إن التجاوب مع أحاسيسك يعني إذاً أنك قادر على التحدث دون أن تنتظر استجابة الآخر لك بشكل إيجابي وأن يهدئها أو يفهمها. هذا يعني أنه إذا شعرتُ بالخوف والغضب والحزن، لا أحد يستطيع تقديم العون لي إلا أنا فهذه الأحاسيس تعود لي وهي ملكي وأستطيع التحكم فيها".

اختر الوقت المناسب

لكن هل هذه اللحظة المناسبة موجودة؟ "من الواضح أن هناك أوقات سيئة تحول دون ذلك، كما تؤكد عالمة النفس والمؤلفة برفقة إدموند مارك لكتاب "الصراعات العلائقية: ما الذي أعلمه؟" (?Conflits relationnels: Que sais-je) دومينيك بيكار: "إن التواصل لا يقتصر على الأشخاص والكلام فحسب؛ بل إنه يتعلق بسياق كامل". هل الظروف ملائمة للحوار أم لا؟ متى تتكلم؟ "إذا ساد الشعور بالإحباط وخيبة الأمل والألم، فمن الأفضل التأجيل (مثلاً بقول "أنا غير قادر الآن على التحدث والاستماع إليك"). تماماً مثلما نسأل الآخر عما إذا كان هذا هو الوقت المناسب له للحوار معه".

وتوضح: "بالإضافة إلى ذلك؛ يجب أن يكون العقل منفتحاً للحوار، فإذا كنت تفكر في أمور كثيرة في ذلك الوقت أو كنت مشغولاً بأمر ما في مكان آخر فقد لا تصل الرسالة بالوضوح اللازم. يعني ذلك أن التواجد أيضاً مهم للغاية؛ بحيث يجب أن يكون لديك الوقت لتكون حاضراً جسدياً أمام الشخص الآخر، كما يجب ألا تبدأ في الحوار إلا قبل مرور خمس دقائق".

وتضيف: "أخيراً ضع في الاعتبار أن بعض الكلمات مسموعة بشكل أكبر بصفة مباشرة؛ لكن في بعض الأحيان لا توجد اللحظة المناسبة. أما في حال وجود نزاع مؤلم على سبيل المثال، فمن الأفضل استدعاء وسيط بينكما. ويُنصح بالابتعاد عن فكرة أنه من الضروري الآن أن نقول "كل شيء" بدعوى أن نكون صادقين مع الآخر. وفي حال رفض الآخر أن يسمعنا يمكننا أيضاً أن نتحدث مع أنفسنا".

تجاوب مع جسمك

إن فك تشفير اللغة الجسدية أو غير اللفظية في أثناء الحوار أصبح أمراً شائعاً في الوقت الراهن. علاوة على ذلك تقول عالمة النفس السريري والمدربة في مجال التآزر؛ إيف يرشر: "أصبحت مقابلة العمل أكثر راحة واسترخاء من ذي قبل".

وتشرح: "لكن لغة الجسد خارجة عن إرادتنا جزئياً، فمحور العين أو حركات الرأس على سبيل المثال، أمر طبيعي. يمكننا دائماً تعمد إظهار الجانب الأيسر من الوجه لنبدُو على مصداقية إلى حد ما، فأجسَادنا تتحدث بالرغم منا. كما أن التناقض بين فحوى رسالتنا وما نقوله وموقفنا وما يعبر عنه جسدنا؛ هو الذي يخلق الارتباك وعدم الثقة وحتى الرفض من قبل الآخر".

وتفيد: "بمحاولة السيطرة على تحركاتنا نفقد العفوية، وسرعان ما يدرك الشخص المقابل عدم الاتساق في الحوار. وبعد ذلك إذا لف ذراعيه فهذا يعني ربما أنه لا يريد الاستماع أكثر ولكن يمكننا أيضاً التفكير في شيء آخر؛ إما أنه أصبح غير متفاعل مع الموضوع أو غير مهتم بما نقوله مطلقاً، وفي كلتا الحالتين فإن حركة لف الذراع على الأخرى لا تفيد بالضرورة التجاهل أو عدم الاهتمام بالموضوع".

ماذا نفعل في هذه الحالة؟ "كن صادقاً حتى جسدياً مع نفسك والآخر. لا تحاول الإقناع وقل ما تعتقده. حاول أيضاً تعزيز ثقتك بنفسك حتى لا يرى فيك محاورك صفات على غرار انعدام الصدق أو نقص الثقة. وفي أثناء حديثك استرخ وخذ نفساً عميقاً وبضع خطوات كمَسافة أمان.

استمع للآخر

في أثناء تبادل الحديث يجب تخصيص 80% من الوقت للآخر. لذا استمع، كما أوضحت المدربة دلفين باردون مشيرة إلى أن "طريقة جوردون التي سميت هكذا نسبة لعالم النفس الأميركي توماس جوردون؛ الذي اقترح في الستينيات طريقة جديدة للتواصل، مناسبةٌ على وجه التحديد للآباء والأطفال وتدعو إلى ما يسمى بالاستمَاع الفعال. إنه أسلوب يُعتمد لإعادة صياغة ملاحظات المحاور ومحاولة الإحساس بالكلمات ثم التمعن فيها من خلال وجهة نظره الخاصة واحتياجاته للتأكد من فهمه جيداً: "إذا فهمت بشكل صحيح فأنت تشعر، وإذا أخبرني مُحاوري أنني مخطئ فيعني أنه يعتقد وله وجهة نظر".

وتوضح: "الاستماع بنشاط يعني أن تكون متاحاً ومنتبهاً للكلمات بالطبع ولكن أيضاً يقظاً في أثناء الصمت والإيماءات والنظرة. تقول المدربة: "إنها حالة ذهنية أكثر من كونها مجرد كلمات". الانفتاح على الآخر هو قبوله كما هو بتناقضاته أو سوء نيته أو إنكاره للحقيقة، لأن الجميع يفسر الواقع بطريقته الخاصة. كما أنه ينبغي عليه أن يقبل أن يكون منزعجاً أو يُساء فهمه أو يُحكم عليه".

ختاماً؛ من المهم الابتعاد عن إرادة السيطرة بوعي أو بغير وعي، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن الحوار المُتَبادل بشكل صحيح يكون مثمراً! 

وتضيف المدربة: "الاستماع إلى الآخر هو في النهاية تفضيل منك للاستماع إليه والاعتراف به، وهذا لا يفيد بالضرورة الالتزام بذلك بصفة مطلقة".

المحتوى محمي