عانت آني غروير البالغة من العمر 31 عاماً لسنوات عديدة من الذعر والخوف من الموت بما يمكن تسميته "رهاب الموت"؛ لكن من خلال العلاج السلوكي تمكنت من التغلب على قلقها. فيما يلي أخبرتنا آني عن رحلتها الطويلة مع الخوف من الموت.
في الحقيقة رفضتُ فكرة الموت منذ فترة طويلة. من أين أتى قلقي؟ حقاً لا أعرف. لكن من سن 7 إلى 8 سنوات أتذكر أنني ذهبت في الصباح الباكر إلى غرفة والداي للتأكد من أنهما مازالا على قيد الحياة.
لفترة معينة من الوقت ظل هذا الخوف من الموت تحت السيطرة نوعاً ما. ركزت خلالها -على سبيل المثال- على كل ما هو أسود؛ الملابس والصور وحبر الصحف. وكان لمس كل شيء أسود بمثابة لمس الموت بالنسبة لي. كما أنني رفضت سماع كلمات تتعلق بالموت مثل التابوت والمقبرة. ذات يوم أتذكر أن شخصاً قال لي: "يبدو وجهك حزيناً وكأنه يوم جنازة هذا الصباح"، تسببت هذه العبارة في زيادة القلق لديّ.
في الحقيقة كل ما يتعلق بالموت بشكل مباشر أو غير مباشر يولد الحزن. لذلك تمكنت من تجنب المواجهات المباشرة مع من كان على معرفة بمشكلة خوفي منه. وإلى حين سماع خبر وفاة الأميرة ديانا في أغسطس/آب سنة 1997 في حادث مأساوي أصابني بالذهول والصدمة، تلاشى السد المنيع الذي بنيته بشكل هش لمواجهة خوفي.
في الواقع إن تغيير وجهتي وأنا على الطريق العمومي لتجنب رؤية حشود الجنائز أمر مقبول نوعاً ما؛ لكن عدم القدرة -على وجه التحديد- من النزول في محطتيّ المترو بسبب قرب المقابر إليهما، أو رفض عبور الشارع الذي رأيت فيه سيارة مرسيدس سوداء تشبه سيارة تكريم الإنسان التي نُقلت فيها الأميرة ديانا، كان عبارة عن قبول فكرة أن حياتي ستصبح سلسلة من الأحزان وأن خوفي من الموت سينتهي برحيلي عن الحياة.
كان خوفي مثل سرطان العقل الذي ينسج خلايا قوية مميتة تنتشر بسرعة قصوى لتسبب الألم في كامل أنحاء الجسم لمجرد منعي من العيش. بعد ذلك قررت أن أبدأ العلاج السلوكي والمعرفي وكان هدفي ببساطة التأكد من أنني أستطيع العيش مع خوفي بسلام.
أخبرني المعالج أنني لست الوحيدة فهناك أشخاص آخرون يعانون من نفس الرهاب مثلي. كما قال لي أنه رهاب يمكن علاجه! لذا ها أنا ذا أكتسب الثقة في نفسي مجدداً للبدء بجلسات الاسترخاء التي تسمح لي بإعادة التركيز وتعلم إدارة نوبات الهلع في حالات الطوارئ.
كما طلب مني المعالج أن أسرد جميع المواقف التي تقلقني حتى أتمكن، وفقاً لِوَتِيرَتِي الخاصة، من مواجهتها بمساعدته. لذلك قمت بإعداد قائمة دونت فيها المواقف التي أخاف منها ابتداءً من الموت المفاجئ إلى دخول القبر.
لقد كانت أول تدريباتي صعبة للغاية حيث تطلبت مني خمسة أشهر من الجلسات، وتمثلت في قراءة نعي الصحف بهدوء. وفي الواقع كان العلاج عبارة عن سلسلة من الخطوات؛ أولا بدأ المعالج بقراءتها بصوت عالٍ ثم تجرأت على فتح الصحيفة على الصفحة المناسبة وبدأت في قراءة الإعلانات. وبعد ذلك قرأتها بصوت عالٍ وكتبت اسمي على الصفحة وفي النهاية تخلصت من الصحيفة.
اقرأ أيضا:
في كل خطوة قمت بها أدركت في الأيام التي تلت ذلك أنه لم يكن هناك شيء جاد يحدث، فالحديث عن الموت لا يسبب الموت بالضرورة. أستطيع الآن أن أكتب كلمة "سأموت" دون أن أموت. بعد ذلك، على مستوى التجارب القوية، كانت هناك زيارة للمقابر مع معالجي.
مررت ببوابات المقابر في منطقة مونبارناس جنوب باريس في أحد أيام الشتاء الباردة. في المرة الأولى لم أشأ النظر إلى أي شيء؛ لا القبر ولا أسماء الموتى، كما رفضت المرور بالممرات الرئيسية. ثم في مرحلة ثانية تمكنت من الوقوف أمام المقابر وفك رموز الأسماء والتواريخ بصوت عالٍ. عندما طلب مني معالجي إزالة الأوراق المتساقطة على القبر رفضت في البداية. لكن بالطبع بعد ذلك أزلت الأوراق وأخذتها واحدة تلو الأخرى دون لمس الحجر ثم بكلتا يديّ.
لكن المشكلة الحقيقية التي أيقظت بداخلي شيئاً ما هي وجود مجموعات من الأشخاص في المقابر. فهناك من يعبر ممرات المقابر للذهاب إلى العمل، وآخرون جلبوا الزهور إلى القبور، بالإضافة إلى تنقل الأمهات اللاتي حملن أطفالهن في عربة للأطفال بين المقابر ووجود اثنين من المراهقين يأكلون شطيرة على المقاعد. علمت حينها أن الحياة تتشابك مع الموت.
اكتشفت من خلال الجرأة على مناقشة الموت مع أصدقائي أن المقابر بالنسبة للكثيرين أماكن مريحة؛ حيث يمكن للمرء أن يجدد حياته فيها.
اليوم بعد ثلاث سنوات من العلاج أستطيع أن أقول إنني قهرت خوفي. لقد ساعدني التغلب على الموت على الاستمتاع بالحياة بشكل أفضل. في السابق كنت أتأمل الماضي وأشعر بالقلق بشأن المستقبل. لم يترك لي خوفي من الموت مجالاً لعيش الحاضر؛ لكن اليوم فهمت أنني جئت إلى العالم لأتركه يوماً ما.
اقرأ أيضا:
ثلاث خطوات
تم علاج آني على عدة مراحل:
1) تعلم كيفية قراءة نعي الصحف بهدوء.
2) التجرؤ على كتابة عبارة "سأموت" وإدراك أنها لن تموت بعد كتابتها.
3) زيارة المقابر والتوقف أمام القبور "للتغلب" على الموت من خلال التعود على زيارة المكان وبالتالي التخلص من رهاب الموت.
اقرأ أيضا: