تتنبأ بعض التقارير بأن الإنسان العادي قد يقوم بنحو 35 ألف قرار كل يوم؛ ما يجعل البعض منّا يتساءل عن صحة ودقة هذه التنبؤات. إلا أن ذلك يبدو ممكناً إذا أخذنا في الحسبان أن كل ما نفعله أو لا نفعله يمثّل قراراً بحد ذاته.
ولشرح ذلك بصورة أفضل؛ القراءة الآن وتحريك العينين في اتجاه كل كلمة على حدة قد يعني مئات القرارات خلال مدة قصيرة لا تتجاوز بضع دقائق.
بصفةٍ مشابهةٍ، فتجاهلنا للتنبيهات المستمرة التي تظهر على شاشات أجهزتنا الذكية خلال اليوم والتجاوب معها قد يُنتِج آلاف القرارات التي تتوزع بين اختيار الحروف والكلمات والسياق المناسب والأفكار والوجوه التعبيرية وأكثر.
وبصورة عامة، فالرقم بالأعلى قد يعني اتخاذ نحو 25 قرار في الدقيقة الواحدة -ليس عدداً ضخماً- كشرب رشفة من القهوة الآن أو تأخيرها عدة ثوانٍ، وتغيير الجلسة أو حك الرأس أو لمس الأذن أو اختيار عدم التثاؤب عندما نشعر بالنعاس.
ومن الطبيعي أن يواجه الشخص الكثير من القرارات في يومه، ويتم ترتيبها حسب الأهمية التي قد تجعلنا نغفل عن بعض منها؛ والتي لا يكون فيها ذهننا حاضراً حضوراً كلياً، حسب مدونة منشورة لصالح جامعة الناس (University of People).
وبالتالي قد تجعلنا فكرة حتمية اتخاذ قرارٍ ما في بعض الأحيان، خائفين وأكثر عرضة لنتجنب جميع ما يتعلق به؛ وهو ما يؤثر علينا وعلى صحتنا وعافيتنا بشكل سلبي.
بالإضافة إلى ما سبق؛ يجعل "الخوف من اتخاذ القرارات" (Decidophobia) الإنسان أكثر عرضة لاضطرابات الصحة النفسية كالتوتر والقلق والإجهاد الذهني؛ ما يجعل من المهم التعرف عليه وتحديد بعض مسبباته وعلاماته المرضية والأساليب الناجحة للتعامل معه.
ما هو الخوف من اتخاذ القرارات؟
تعبِّر هذه المشاعر عن المخاوف غير العقلانية من اتخاذ القرارات، وفي أكثر أشكالها حدة؛ قد يعاني بعض الناس من نوبات هلع عند التفكير في الاضطرار إلى اتخاذ قرارٍ ما، كما تخبرنا تلك المدونة المنشورة لصالح جامعة الناس.
وبصيغة مماثلة تصف سانجانا غوبتا (Sanjana Gupta)؛ الكاتبة لصالح منصة "ڤيري ويل مايند" (Verywell Mind)، في مقالتها أن ما يحدث خلال عملية الخوف من اتخاذ القرارات يمكن وضعه ضمن اضطرابات القلق.
ويتفق مع ذلك حديث الدكتورة "إيمي داراموس" (Aimee Daramus) المختصة في علم النفس السريري، عن أن ذلك القلق الذي يسبب لنا الشلل من اتخاذ قرار خاطئ يتميّز بخوف شديد وغير عقلاني من موقف معيّن أو شيء ما قد لا يشكل خطراً حقيقياً في الواقع.
مسببات الخوف من اتخاذ القرارات
لهذا الخوف بعض من المسببات التي يمكن لها شرح ما يحدث لنا؛ ومنها:
- السلوك المكتسب من خلال ما مر به الإنسان في حياته.
- التجارب السلبية السابقة وتعميم ما حدث خلالها.
- العوامل الوراثية التي قد تلعب دوراً رئيسياً في تطور بعض اضطرابات القلق.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تبدو بعض القرارات ضخمة إذا ارتبطت بما يلي:
- أن يتأثر بها أشخاص ذوو مكانة مهمة في حياتنا.
- المال.
- الخوف من فوات بعض الأشياء (FOMO).
- الافتقار إلى الثقة.
- الضغط من الأقران أو إن كان ذلك يعني مزيداً من العبء الذهني والعمل.
أعراض الخوف من اتخاذ القرارات
وقبل التطرّق إلى الأساليب المناسبة للتعامل مع هذا الاضطراب، فقد تشمل العلامات المرضية الشائعة للخوف من اتخاذ القرارات ما يلي:
- القلق.
- نوبات الذعر.
- إرهاق العضلات.
- التعرق المفرط.
- الاعتمادية على الآخرين في اتخاذ القرارات.
- عدم القدرة على التعامل مع القلق من اتخاذ القرارات.
وبأسلوب تفصيلي؛ تصف الدكتورة داراموس العلامات السابقة وتربطها مع يمكن حدوثه لنا على النحو التالي:
- عندما نشعر بالقلق الشديد أو نُصاب بنوبة هلع حيال ضرورة اتخاذ قرارٍ ما، قد نعاني أيضاً من بعض الأعراض الفيزيولوجية مثل ازدياد ضربات القلب وصعوبة التنفس والغثيان والتعرق والرعشة وآلام الصدر أو المعدة.
- تؤدي مشاعر الخوف تلك إلى التسويف؛ وهو ما يعني تأجيل اتخاذ القرارات لأطول فترة ممكنة؛ ما يفوّت علينا الكثير من الفرص.
- يتجه من يتجنّب من يعاني من هذه المشاعر السلبية إلى التقليل من شأن قدرته على اتخاذ قرار صائب؛ ما يُشعره بالارتباك التام.
- تؤدي مشاعر الخوف تلك إلى توتر العلاقات؛ حيث يعاني الآخرون من الشخص الذي لا يبدو واثقاً من اتخاذ قراراته بنفسه؛ ما يجعلهم تحت ضغط محاولة إرضائه دون معرفة ما يريده بالفعل.
- تضر الاعتمادية على الآخرين بالإنسان حتى إن تلذذ بالرضا الذي يجنيه من وضع مسؤولية قراراته على عاتق من حوله، إلى جانب إمكانية وقوعه ضحية لبعض الشخصيات المتلاعبة أو المستبدة.
- عندما نشعر بالقلق من حتمية اتخاذ قرارٍ ما، نميل إلى المبالغة في العواقب المترتبة عليه؛ ما يجعلنا تحت ضغط ضخم يمنعنا من اتخاذ القرار الصائب حتى ولو كان في شيء هامشي.
كيف يجب أن نتعامل مع الخوف من اتخاذ القرارات؟
هنا سنستعرض بعض الطرق التي يمكن تبنيها للتغلب على الخوف من اتخاذ القرارات في المجمل أو اتخاذ قرار خاطئ على وجه الخصوص:
- تعلّم أن تختار قرارات قابلة للتنفيذ: حيث يمكنك تجربة مصفوفة اتخاذ القرار؛ عاجل أو غير عاجل ومهم أو غير مهم.
- قلّل من عدد القرارات: كإعداد وجبات الأسبوع كاملاً في يوم واحد، أو ارتداء نوع واحد من الملابس كل يوم - مثلما كان يفعل ستيف جوبز.
- كن فضولياً: واتخذ خطوات صغيرة نحو إتقانك القدرة على الاختيار.
- غيّر وجهة نظرك: كمحاولة رؤية الموقف الحالي من وجهة نظر شخص آخر؛ ما يساعدك على تقييم خطوتك التالية.
- قم بتمكين نفسك: وذلك بتبنّي منظور إيجابي يساعدك على إدارة أي تحدٍ.
- اعرف سبب التردد: فتحديد أهدافك وأولوياتك الرئيسية قد يمكّنك من البدء بالقرارات التي تساعد على تحقيقها.
- انظر باتزان إلى المخاطر والمكاسب: ففي معظم الحالات قد يبدو الاختيار محفوفاً بالمخاطر أو مخيفاً لأن النتيجة السلبية هي ما يَشغَل عقلك.
- تعلّم من الأخطاء: فالدروس السابقة تعني أنك أصبحت أكثر اطلاعاً ومعرفةً، وفي المرة القادمة التي تتخذ فيها قراراً مشابهاً ستكون جاهزاً لتحمّل المسؤولية.
- تحكّم في تنفسك: عندما تصاب بنوبات هلع أو قلق، فإن ما يصنع الفارق هو القدرة على استعادة السيطرة على عملية التنفس؛ ما يساهم في تهدئة التغيرات الجسدية.
- الجأ للعلاج المعرفي السلوكي: بالنسبة لبعض الأشخاص؛ تعد المساعدة المختصة من خلال العلاج السلوكي المعرفي (CBT) مساهمة في كشف الأسباب الكامنة والتعرف على طرق ناجحة للتغلب على هذه المشاعر السلبية.
- اطلب المساعدة: وهذا يعني تلقّي الدعم اللازم في وقت حاجتك إليه سواءً من الأهل أو الأصدقاء أو زملاء العمل.
- استمع إلى حدسك: فالثقة به تتماشى مع حقيقة أنه صادق ونابع من غريزتنا البشرية التي قد تحركنا لفعل الصواب.
- لا تقلق بشأن الفشل: فإذا فشلت يمكنك المحاولة مرة أخرى.
- مارس تمارين اليوغا واليقظة الذهنية: فقد تساعدك على البقاء في اللحظة الحالية وتقليل قلقك ومخاوفك.
ختاماً؛ قد لا يكون مهماً عدد القرارات التي نتخذها كل يوم، ولا نعي بصورة كاملة جميع تلك الاختيارات التي نمر بها؛ إلّا أنه من المهم أن نعرف قدرة بعضها على التأثير في صحتنا النفسية والعقلية.
لذا يجب أن نبادر في التعامل مع الخوف من "اتخاذ القرارات"، ونجرّب الأساليب الناجحة التي تعلمناها؛ والتي بدورها سوف تساعدنا في التغلب عليه بطريقة صحيحة.