تصف منظمة الصحة العالمية الرعاية التلطيفية بأنها "نهج يحسن نوعية حياة المرضى وأسرهم الذين يواجهون مشاكل مرتبطة بأمراض مهددة للحياة". لكن من كان يظن أن حساباً للرعاية التلطيفية على "إنستغرام" (Instagram) سيحصد نجاحاً باهراً؟
حقق الحساب ذلك النجاح دون الاعتماد على رسومات "زافييه" (Xavier) الملقب بالرجل النجمي (Starry Man) وقلمه الحساس والفكاهي.
يضفي "زافييه" ممرض الرعاية التلطيفية في مدينة "ميتز"، رؤية مشرقة على المحطة الأخيرة من حياة الإنسان في المستشفى. ونشر مؤخراً أول كتاب مصور له بعنوان "للحياة" (A la vie).
حساب أُطلِق لتبادل لقاءات مفعمة بالإنسانية
"لطالما شككت في جودة رسوماتي، ووتطلب الأمر ممن حولي التحلي بضبط النفس والشجاعة للموفقة على نشرها"؛ هذا ما قاله "زافييه" ذو الـ 32 عاماً؛ وهو ممرض الرعاية التلطيفية ومنشئ حساب "ستار مان" (Star Man) أو "الرجل النجم" على "إنستغرام" الذي يتابعه أكثر من 109 آلاف مشترك.
كان هذا الفنان المعجب بالكاريكاتير البلجيكي، حيث وُلد، موهوباً في الرسم منذ سن صغيرة جداً، لكن رغبته في مشاركة جوانب من الحياة مع مرضاه كانت هي المحفز له. يشرح "زافييه": "عندما يذكر اسم المستشفى يدور الكلام بشكل أساسي حول نقص الموظفين فيها ومعاناة مقدمي الرعاية التلطيفية والبحث عن الأرباح على حساب رفاهية المرضى. أردت أن أظهر الجانب الآخر من عملنا، والأهم أن أبرز أن جعل الناس محور الرعاية لا يزال ممكناً".
تردد صدى هذه الرسالة الإيجابية بين متابعيه؛ إذ سُرَّ العديد من الممرضين لأننا نسلط الضوء على جوهر التزامهم. كما أسعد ذلك العديد من العائلات التي رافقت أحد أفراد أسرتها في تقديم الرعاية التلطيفية لهم ومنحتهم تلك الرسالة تصوراً بأنهم يعيشون هذه التجربة مجدداً بطريقة إيجابية".
الرعاية التلطيفية: شغفُ شاب
كان "زافييه" يخطط أثناء دراسته التمريض أن يتدرب على الطب النفسي لكن حضوره تدريباً داخلياً غير رأيه. فقد قرر بالصدفة خلال فترة تدريبه في قسم أمراض الدم قضاء فترة في قسم الرعاية التلطيفية.
يعترف الرجل النجمي بقوله: "كنت لا أزال طالباً عندما أعلمني الطبيب بقراره بإيقاف علاج أحد المرضى، فتأثرت بقراره، وأتذكر أنني سألت الطبيب عن مصير هذا الرجل. كيف نعتني بهؤلاء الأشخاص الذين لا أمل في شفائهم؟ أردت أن أعرف إجابة هذا السؤال، فكشفت فترة تدريبي في قسم الرعاية التلطيفية عنها، وعلمت حينها أن هذا ما أريد فعله طوال حياتي".
يحدد عدد الممرضين في وحدة الرعاية التلطيفية بنسبة ممرض/ة واحد/ة لكل عشرة مرضى. في حين تكون هذه النسبة ممرض/ة لكل 15 مريضاً في الوحدات الأخرى؛ وهو استثناء يتيح تقديم جودة علاج أكبر حسب قول "زافييه". ويبرز هذا بقوله: "يتوفر لدينا الوقت للتعرف على المرضى والإصغاء إليهم، وقبل كل شيء لمحاولة تلبية احتياجاتهم التي يعبرون عنها". هذا ما أثار شغفي لأداء هذه المهنة.
الاستمتاع بالحياة حتى اللحظة الأخيرة
يروي "زافييه" قصصاً في ألبومه المصوّر وه مثلاً يغني أشهر أغاني فرقة "كوين" (Queen) بأعلى صوته مع شخص يدعى "روجر"، وهو أحد مرضاه ومن المعجبين بالفرقة مثله منذ البداية، أو يقدم بوظة بنكهة الفانيليا كل مساء إلى "إدموند" الرجل النهم، أو يتعلم اللغة السويدية مع "ماتيلدا" وهي امرأة حساسة تبلغ من العمر خمسين عاماً وتعاني من مرض السرطان، وقد وضعت لنفسها هذا الهدف الأخير قبل رحيلها.
يفضي لنا "زافييه" بقوله: "تكون الأحاديث في وحدة الرعاية التلطيفية مكثفة جداً في وقت محدود، والأيام معدودة، وتنهار فيها كافة الحواجز، ويكون الناس فيها بحاجة إلى الأصالة، وهذا جيد فأنا لا أحب العلاقات السطحية". توصل لوحاته المفعمة بالفكاهة والعاطفة رسالة أساسية: عندما يكون المرء على شفا الموت تشعره أمور بغاية البساطة بالسعادة.
الموت الذي نروّضه في النهاية
إذا وُجد طبيب نفسي لاستيعاب الحالات المزاجية لمقدمي الرعاية فغالباً لا تناقَش مسألة الموت بينهم. من ناحية أخرى يُطرح السؤال التالي غالباً: "ما الذي يمكن فعله لضمان رفاهية المرضى حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة؟". وأحياناً يُطرح السؤال: "هل قدمنا ما يكفي لهم؟".
يقول "زافييه": "تعلمت مع مرور الوقت تقبل الموت، على الرغم من أنني ما زلت أحياناً أعود إلى منزلي مكتئباً عند وفاة مريض تعلقت به. بالتأكيد عليك أن تحمي نفسك، وقد ارتكبت عدة أخطاء في البداية؛ لكن لا يعجبني تحدث الناس معي عن إبقاء "مسافة مقبولة" بيني وبين المريض، فلو لم أكن أرغب في أن أتأثر بالناس ما كنت اتخذت من هذا العمل مهنةً لي".
العائلات والشركاء في المحطة الأخيرة من الحياة
تحظى العائلات غالباً بنصيب وافر من خدمات الرعاية التلطيفية. إذ تسمح العديد من المستشفيات بالزيارات المتأخرة، وتقدم سريراً للأقارب عندما تتدهور حالة المريض. لم يكن "زافييه" مرتاحاً دائماً لوجودهم ويقول: "في البداية كنت أخاف من أسئلتهم. كنت أخاف أن يشككوا في أسلوبي في تنفيذ الأمور لدرجة أنني كنت في بعض الأحيان أتجنبهم، حتى أنني كنت أعبس في وجههم ثم تعلمت شيئاً فشيئاً ألا أخاف منهم بعد الآن".