إن الحالة التي يمر بها الصديق المفجوع لفقد عزيز تجعله في أمسّ الحاجة إلينا، ورغم أنه يستحيل علينا أن ندرك معاناته فإنه من المهم جداً أن نكون بجانبه في هذا الوقت العصيب. ولنتمكن من دعم هذا الصديق بطريقة صحيحة فإنه يجب علينا أن نشاركه حزنه، ويمكن أن نجد التوازن الصحيح لذلك من خلال إزالة القيود التي عادةً ما نحيط حالة الحداد بها.
سواء كان المتوفى أحد الوالدين أو الأبناء أو قريباً أو صديقاً أو زميل دراسة، فإن طبيعة العلاقة لا تشكل فرقاً طالما أن فقدان هذا الشخص يؤثر في صديقك المفجوع، وتستحوذ هذه الخسارة على تفكيره.
تقول نادين بوتشياك؛ المعالجة النفسية والمتخصصة في مرافقة المفجوعين: "لذلك يحتاج الشخص المحزون إلى الاستعانة بركائز نفسية، فدور الأصدقاء في دعمه خلال هذه المرحلة هو تماماً كدور أفراد العائلة بالنسبة له".
ولكن كيف يمكنك أن تساند صديقك المفجوع إذا كنت لا تعي مصابه؟ توضح نادين بوتشياك أننا نميل إلى التردد في مثل هذه الحالات لأن الكثير من القيود ما زالت تحيط بحالة الموت في مجتمعنا. ومع ذلك، فإن الصديق المفجوع ينتظر منا شيئاً واحداً فقط وهو أن نكون بجانبه، وعلينا ألا نخشى من أن يجعلنا ذلك متطفلين جداً. وتوضح المعالجة النفسية قائلةً: "لا بأس في طرح الأسئلة على أنفسنا لفهم كيف يمكننا أن نساند الصديق المفجوع، ومن ثم فإننا عندما نسأله أسئلةً من قبيل: "هل يمكن لقيامي بهذا الأمر أن يساعدك؟"،"ماذا يمكنني أن أفعل؟ "،" هل تريد أن نتناول الغداء معاً؟"، سيخبرنا ما إذا كان بحاجة إلينا أو أنه يفضل أن يكون بمفرده، وفي هذه الحالة يمكن أن نقترح عليه العودة لرؤيته لاحقاً".
وبعيداً عن الفاجعة، فنحن ندرك هذا الموقف بعقلنا في حين يدركه الشخص المفجوع بعاطفته، ولذلك علينا أن نتعلم التعامل مع هذه الفجوة. تقول نادين بوتياك:"غالباً ما لا ندعم الشخص المفجوع بما فيه الكفاية بالنسبة له، فكم مرةً سمعنا زميلاً مفجوعاً يُعبر عن حزنه بسبب توقف من حوله عن مواساته رغم أنه لم يمضِ سوى شهر على فجيعته؟".
"لا يدرك الشخص الذي يمر بهذه المحنة أن الآخرين لا يعون معاناته. ومن المؤكد أن عدم محاولة فعل شيء لدعم هذا الشخص هو خطأ كبير وينم عن عدم إنسانية".
لا فرق بين فجيعة وأخرى
تقول نادين بوتشاك: "ليست هنالك حالة حداد أسوأ من أخرى، فمشاعر الأسى التي ترافق غياب المتوفى تسيطر تماماً على حياة الشخص المفجوع. أما الاختلاف فهو في طريقة عيش هذه الحالة؛ وهي مسألة شخصية تختلف باختلاف طريقة كل شخص في التعبير عن حزنه ومدى حميمة العلاقة التي كانت تربطه بالمتوفى. لذا يجب عليك ألا تحكم على حزن الشخص المفجوع بالنظر إلى مدى ملاءمته أو شدته.
الصديق المفجوع والصديقة المفجوعة
إذا كان من الضروري أن تكون حاضراً لدعم صديقك المفجوع، فإن طريقة دعمك له ستختلف اعتماداً على ما إذا كان الصديق رجلاً أو امرأة، وتوضح نادين بوتشاك: "كما يشعر كل من الرجل والمرأة بالعواطف بطريقة مختلفة عموماً؛ يختلف تعامل كل منهما مع تجربة الحداد كذلك اختلافاً كبيراً".
فبصورة عامة؛ لا يتحدث الرجال كثيراً عن مشاعرهم في الأوقات العادية، وكذلك فهم يتسمون بالتحفظ ذاته في أوقات الحداد. تقول نادين بوتشاك: "قليلاً ما يعبر الرجل عن حزنه فهو يركز بصورة أكبر على الحاجة إلى التعامل مع هذا الحزن". لذلك توضح المعالجة النفسية أنه لا فائدة من دعوة صديق مفجوع للجلوس والتحدث عن حزنه؛ بل من الأفضل أن نعرض عليه القيام بأنشطة مشتركة؛ كقضاء الوقت معه في ممارسة الرياضة أو زيارة معرض، وهذه هي الطريقة المثلى لتقديم الدعم له: " إن دعم رجل حزين يعني أن تكون حاضراً من أجله وتُظهر له أنك بجانبه ومهتم به، وأن تكون معه عبر مرافقته في نشاط ما، ومن ثم فإنه قد يشعر بالثقة والرغبة في التحدث عن ألمه خلال القيام بنزهة مثلاً، وفي هذه الحالة عليك أن تكون مستعداً للاستماع إليه".
وتتابع المعالجة النفسية: "على عكس ذلك؛ تفضل النساء التحدث عن تجربتهن العاطفية؛ إذ يشعرن بحاجة كبيرة إلى التعبير عن مشاعرهن وعواطفهن والاستسلام للبكاء. لذلك فإن دعوة المرأة المفجوعة إلى الغداء أو العشاء لتتحدث خلال ذلك عن حزنها ستكون لفتةً محبذةً بالنسبة لها. إن دعم صديقة مفجوعة يتمثل بتشجيعها على التحدث عن الشخص الذي فقدته وعن حزنها وعواطفها، والسماح لها بفعل ذلك بأريحية تامة دون أن نحكم عليها. وبدلاً عن أن نطلب إليها التوقف عن البكاء خوفاً من أن يزيد ذلك حالتها سوءاً، فإنه يمكننا أن نمسك بيدها ونشد عليها وهي طريقة نخبرها بها أننا حاضرون من أجلها ومستعدون للاستماع إليها".
الاستماع إلى الصديق المفجوع
تقول نادين بوتشاك: "إن الاستماع إلى الشخص المفجوع ليس أمراً سهلاً، فذلك يتطلب منا التزام الصمت. كما أنه لا ينطوي على مجرد إتاحة الفرصة له للتحدث عن الشخص الذي فقده أو البكاء؛ بل يستلزم منا أيضاً أن نمتنع عن قول "عبارات التعزية الزائفة" من قبيل "ستتحسن الأمور سترى ذلك" أو "سيستغرق حزنك بضعة أشهر فقط" أو "اقلب هذه الصفحة لقد حان الوقت للمضي قدماً"، فهي عبارات لا تساعد الشخص المفجوع وقد تكون مدمرةً بالنسبة له أيضاً.
ويوضح الطبيب النفسي بوريس سيرولنيك أن التحدث عن الفجيعة يساعد الشخص المفجوع على رأب جرحه النفسي ويقول: "إن تحدث الشخص المفجوع عمن فقده يساعده على تقبل الفقد بصورة تدريجية؛ وهي مراحل مهمة بالنسبة له وليست مجرد حديث مكرر". إن فترة الحداد طويلة جداً، وفي حين أنه قد يصعب عليك أن تكون حاضراً لأشهر وربما سنوات إلى جانب الصديق المفجوع، فإنه لا ينبغي لذلك أن يُشعرك بالذنب؛ إذ يمكنك دائماً إظهار حنوك تجاهه ودعمك له في مناسبات معينة.
كيف تدعم صديقك المفجوع عن بُعد؟
تقول نادين بوتشياك: "يتيح لك وجودك بالقرب من صديقك المفجوع أن تتواصل معه بصرياً وهو أمر مهم جداً. كما يمكنك أن تُظهر له وجودك بجانبه بصورة ملموسة على سبيل المثال عبر دعوته إلى فنجان قهوة أو القيام بأنشطة مشتركة معاً. فبخلاف الكلمات المتبادلة بينكما؛ تتجلى الفائدة الحقيقية في اللحظات التي تقضيانها معاً. أما إذا كانت تفصلك عن صديقك مسافة جغرافية فعليك أن تجد طرقاً أخرى لدعمه. ويُعتبر التواصل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو حتى المكالمات الهاتفية أمراً جوهرياً في هذه الحالة. كما يمكنك الترتيب لقضاء عطلات نهاية الأسبوع معه، خاصةً إذا كنتما قد اعتدتما القيام بذلك من قبل. تقول المعالجة النفسية: "ولا تظن أنه هنالك حاجة للانتظار لفترة قبل القيام بهذه الأمور فصديقك يعاني وهو في أمسّ الحاجة إليك" ويمكنك دائماً إعداد برنامج قضاء الوقت برفقته وفقاً لحالته الذهنية.
كن حاضراً معه دائماً في التواريخ المهمة
في الحقيقة لا يمكن اعتبار أن حالة الحداد قد انتهت بالنسبة للشخص المفجوع مهما مضى من الوقت؛ إذ لا توجد لحظات يشعر فيها بالحزن دون أخرى، فهو يعيش حياته كاملةً مع حالة الفقد والشعور بالألم لخسارة شخص عزيز. يبقى الشخص المفجوع مصدوماً لأشهر بسبب خبر الوفاة، وفي هذه المرحلة تبرز أهمية تقديم الدعم له والاستماع إليه. وبعد أن يتمكن من تقبل خسارته فإنه لا يعود بحاجة إلى التحدث عن حزنه؛ ولكن قد تثير الأيام التي توافق ذكريات أحداث معينة أو ذكرى وفاة الشخص العزيز حزنه مجدداً.
لذا فإن دعمك للصديق المفجوع يعني أن تأخذ بالاعتبار فترة الحداد الطويلة، ومن ثم أن تكون حاضراً بجانبه في ذكرى الوفاة على سبيل المثال. تقول المعالجة النفسية: "يمكن لمكالمة هاتفية أو رسالة نصية نخبر فيها صديقنا أننا نفكر فيه في هذه الذكرى الحزينة أن تكون كافية" لكن يمكننا بالطبع القيام بالمزيد. على سبيل المثال؛ إعداد وجبة غداء له في ذلك اليوم. وأخيراً تؤكد المعالجة النفسية مرةً أخرى على أنه لا ينبغي لنا النظر إلى حالة الحداد على أنها من المحظورات: "كل ما يريده الشخص المفجوع هو التحدث عن العزيز الذي فقده لذا أعطِه هذه الفرصة. علاوةً على ذلك؛ حتى لو لم يرغب الرجل في التعبير عن حزنه فهو بالتأكيد يتوقع منك لفتة اهتمام في الأيام التي تصادف تواريخ مهمةً بالنسبة له".
أبلغ صديقك بوجود جمعيات الدعم
يحتاج الشخص المفجوع إلى دعم العائلة والأصدقاء؛ لكنهم قد لا يحسنون الاستماع إليه في كل الأوقات وكلما دعت حاجته لذلك. تقول نادين بوتشياك: "إن مدة 3 أشهر من الحداد لا تكفي بالنسبة للشخص المفجوع ليتوقف عن التحدث عن حزنه". وبعد عام على فجيعته فإنه من النادر أن يجد الشخص آذاناً تصغي إليه عندما يرغب في التحدث عن حزنه، لذلك من المهم أن تخبر صديقك بوجود جمعيات الدعم؛ حيث يوجد أشخاص مدربون على الاستماع إليه والإجابة عن الأسئلة التي تدور في ذهنه. كما يمكنه الاستفادة من الندوات المخصصة للتحدث عن الفجيعة، وشهادات الأشخاص الآخرين ممن تعرضوا لها أو الكتب النظرية والأفلام التي تتناول هذا الموضوع؛ وهي أمور قد تكون مفيدةً جداً في دعم الأشخاص المفجوعين على المدى الطويل. وبعد أن تقوم بدورك المتمثل في توضيح سبل الدعم المتاحة له يرجع إليه اتخاذ القرار باللجوء إليها من عدمه".