غالباً ما ننفضل عن أصدقائنا بصفة ودية بدلاً عن المواجهة المباشرة، ومع ذلك يكون الانفصال عن صديقك مفيداً في بعض الأحيان كما في العلاقات الغرامية.
تقول أسماء البالغة من العمر 36 عاماً: "كتبت رسالة لوضع حد للعلاقة! كانت هذه هي الطريقة الوحيدة بالنسبة لي للتخلص من أميرة. لقد كنا صديقتين مقربتين جداً لمدة 6 سنوات لكنني أدركت أن هذه الصداقة كانت من طرف واحد. حاولت أن أُنهي العلاقة بلطف ورسمت بعض الحدود ولكن دون جدوى، لذا أخذت قلمي وتركت لها رسالة مفادها أنني أرغب في قطع علاقتي بها. إنه أمر سيئ، ولست فخورة بذلك لكني أشعر براحة تامة!".
كما في الحب؛ تتبع الصداقة سيرورة المثالية وخيبة الأمل. كلما كانت التوقعات أقوى، زادت حدة المشاعر وكان الانهيار أكثر شدة. وفي هذا الصدد تشرح عالمة النفس بياتريس كوبر روير أن: "خيبة الأمل تؤدي إلى اغتراب حقيقي لا سيما عندما يكون هناك خيانة أو تباعد بطيء، حينها يتصرف أحدهما أو كلاهما بطريقة مختلفة".
في كلتا الحالتين تُنفذ ذات الآليات. في مرحلة ما قد لا يرتقي الآخر إلى مستوى ما اعتقدناه عنه في علاقتنا، أو لا يكون مخلصاً للصورة التي رسمناها له. فالصداقة هي ميثاق ضمني للمسَاواة والمعاملة بالمثل بحسب ما حدده عالم الاجتماع النفسي جان ميزونوف.
ألم الانفصال عن صديقك
لكن لماذا الانفصال مؤلم جداً؟ توضح المحللة النفسية دانيال بران: "لأننا في العلاقات الحميمة دائماً ما نكون عاطفيين". وتقول: "ما يسبب المعاناة أكثر هو عدم استعدادنا لقطع هذه الصلة الوطيدة لأنها ليست جزءاً من الأيديولوجية وأساطير الصداقة، فعادة لا تذكر الروايات أبداً ماذا يحدث في مواجهة الأمر الواقع الذي لا مفر منه".
لا تعرف الصداقات سوى القليل من الغيوم في الروايات، كما في تخيلاتنا. تذهب عالمة الاجتماع الأميركية جان ياجر إلى أبعد من ذلك وتتحدث عن "اليوتوبيا الرومانسية التي وفقاً لها يجب ألا تنتهي الصداقات أو تفشل" وهكذا حلت أسطورة "الصديق مدى الحياة" محل أسطورة "الحب الأبدي". وكتبت في هذا السياق: "تحت تأثير نغمة مؤيدة جداً للصداقة؛ نشأ خيال الصداقة الأبدية، حتى عندما أصبح نموذج الزواج الأبدي حقيقة غير واقعية".
يضيف جان ميزونوف: "في الوقت الذي أصبحت فيه العلاقة بين الأزواج أكثر هشاشة، لا سيما في الوقت الذي نكون فيه بمفردنا وسط المجتمع؛ تجعلنا الصداقة نشعر بالدفء وتملأ هذه الحاجة إلى الآخر ونتشبث بها أكثر". ومن هنا تأتي المعاناة التي يشعر بها المرء عند الانفصال وصعوبة الاعتراف بالفشل.
كما يوضح: "معظم الأشخاص الذين قابلتهم قللوا من شأن انفصالهم ومعاناتهم. إن فقدان رابط الصداقة هو إدراك أن المرء قد ارتكب خطأ أو أنه تم خداعه. إنه جرح نرجسي كبير".
هل يمكننا أن نذهب إلى حد الحديث عن الحداد عند الانفصال عن الصديق؟ نعم، تجيب بياتريس كوبر رويير دون تردد: "أن تفقد صديقاً يعني أن تفقد القليل من هويتك أيضاً لأننا بنينا أنفسنا سوياً. فمعه تمر السنين ويُغلق فصل من حياتنا".
الانفصال يبنينا
عندما تطرح مسألة الانفصال، ماذا تفعل؟ أجمع علماء النفس على أنه لا توجد معايير أو قواعد في هذا المجال لا سيما إذا كانت الصداقة حقيقية. تنصح بياتريس كوبر رويير: "يجب علينا قطع العلاقة إذا كانت غير صحية أو كان أحدهم يهيمن على الآخر أو يسيء إليه". وتضيف: "لا معنى للصداقة إذ لم يكن هناك توازن ومعاملة بالمثل. وفي جميع الحالات الأخرى عليك الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات".
هل سيؤدي الانفصال الصريح إلي المزيد من الضرر أو النفع؟ في بعض الأحيان يكون من الأفضل ترك والأمور تسير سيرتها الطبيعية. وبغض النظر عن أي شيء فلا تحافظ على صداقة مماثلة مهما كان الثمن".
من جهتها توصي دانيال بران بالتمرد ضد "أيديولوجية الحوار والخوف من الصدام". وكما قال فرويد فمثلما هو الحال في جميع المشاعر؛ تتكون الصداقة من التناقض والحب والعداء. تتابع المحللة النفسية: "إذا كان هناك تحالف فهناك خيانة محتملة". يجب أن تكون قادراً على قبولها، وعموماً سيبدو الانفصال دائماً مفاجئاً بالنسبة لنا.
في الواقع تعددت أوجه القصور دون أن نلاحظها. بالإضافة إلى ذلك فقد كنا نشعر بالعقبات؛ لكننا لم نرغب في رؤيتها لأن الوقت لم يكن مناسباً، وهذا أمر جيد جداً. قد يؤدي الحديث إلى تلطيف الأمور وتأخير الصراع ولكن بالتأكيد لا يمكن تجنبه. عنف المشاعر جزء من الحياة النفسية، والانفصال الودي يشير إلى الانفصال التقليدي مثل تلك العلاقة بين الأم والطفل؛ لكن الانفصال أمر حتمي".
إذا كان من الواضح أن الصداقة تساعدنا على بناء أنفسنا فإن الانفصال يمكن أن يدفعنا أيضاً إلى المضي قدماً. بقدر ما هي حقيقة مؤلمة، بقدر ما كانت هناك أسباب عميقة وواضحة تسببت في هذا الانفصال.
المراهقة ذروة الاندماج
اليوم هي "لم تعد صديقتي"، وفي اليوم التالي "تصالحنا". إن روابط الاندماج والخلافات؛ والتي غالباً ما تتحول إلى الدراما، تأخذ الصداقة من خلالها أبعادَ غير متوقعة لا سيما في مرحلة المراهقة. هذا هو عصرها الذهبي؛ وهو العصر الذي يسيطر فيه كل شيء. كما توضح عالمة النفس بياتريس كوبر رويير: "كلما زاد نمو الطفل "انحرف" عالمه العاطفي عن الأسرة إلى العالم الخارجي".
وتوضح: "يصل انتقال التأثير هذا إلى ذروته في مرحلة المراهقة. "الصداقة هي إذاً حجر الزاوية الذي يساعد على بناء الذات خارج رابطة الوالدين ومواجهة المجهول على غرار البلوغ والجنس والحب الأول بهدوء أكبر مع الأقران".
وتتابع: "الصديق في هذا العمر هو شخص نرجسي مزدوج وداعم للهوية ووجوده أساسي، وبالتالي فإن المشاعر في هذه المرحلة كاملة وحتى عاطفية". يداً بيد يبلغ هؤلاء الأصدقاء -الحلفاء- سن الرشد معاً، وشيئاً فشيئاً تنساب الأيدي وتزول الصداقة.
اختتمت بياتريس كوبر رويير بالقول: "لقد وجدنا أننا لم نعد بحاجة إلى مساعدة خارجية لبناء حياتنا ولا إلى نظرة الآخرين لنشعر بوجودنا". وهكذا تصل دورة الصداقة إلى مرحلتها النهائية؛ حيث تعود الأسرة إلى الصدارة. كانت الصداقة مجرد وسيط.
الشهادات - النصائح
أمل؛ 28 عاماً مديرة إنتاج: "أنا لا أقطع العلاقات"
تقول أمل: "نشأت في مدينة أقسمت على نفسي أن أخرج منها. وبالفعل نجحت وذهبت إلى باريس، أنا مستقلة الآن ولدي وظيفة أحبها. عندما أعود إلى مسقط رأس والديّ أرى أصدقاء طفولتي يتحدثون معي عن حياتهم التي تحاصرهم وأزواجهم الذين يسيئون معاملتهم ومسؤولياتهم تجاه أطفالهم. أستمع إليهم ولكن في الواقع لسنا على ذات المسار، فليس لدينا الكثير لنقوله.
وتتابع: "ومع ذلك أنا لا أقطع العلاقات، فأنا أشعر بالحنين قليلاً. أنا لا أضحك كثيراً إلا معهم. لدي ذكريات رائعة عن مراهقتي؛ وهي فترة استمتعت فيها أكثر من الآن. كما هناك أيضاً عطر الانتقام الصغير الذي أشعر به منذ طفولتي البغيضة فعندما أكون معهم أقول لنفسي أنني على الأقل ابتعدت عنهم".
سامي؛ 37 عاماً موظف تقني لتكنولوجيا المعلومات: "لقد فعلنا كل شيء، حتى مواعدة الفتيات!".
يقول سامي: "تم تشكيل فرقتنا المكونة من عشرة أفراد على مقاعد المدرسة الثانوية قبل عشرين عاماً. كنا متّحدين للغاية كما لو أن المجموعة عوضت جميع أوجه القصور التي كانت لدينا في عائلاتنا. إلى جانب ذلك فسرعان ما كانت لدينا طقوسنا الخاصة: الاحتفال بعيد الميلاد والعطلة الصيفية وكل مساء يوم أحد نقضيه معاً".
ويضيف: "منذ البداية لعب كيان "الفرقة" دوراً معتدلاً في حالة التوترات. إن استحضار "العائلة" بيننا هو بمثابة اتفاق ضمني اعترافاً بالولاء لهم وتجنباً للصراع معهم، ولوضع كل شيء في نصابه. ومع ذلك لم يحرمنا هذا من مواعدة الفتيات!."
ويتابع: "في الحقيقة لم يكن للفتيات أي مكان بيننا لكن في وقت لاحق انعكس ميزان القوى. لقد احتلت الفتيات مساحة أكبر وأكثر في حياتنا الخاصة، وكذلك في المجموعة، وبدأت معهن مرحلة الغيرة والصراعات. ومع ذلك لا نستطيع مفارقة المجموعة فنحن نلتقي كل يوم أحد ولكن ليس في باقي الأيام. أساساً لا تزال علاقتنا قوية بنفس القدر حتى لو رأينا بعضنا البعض بشكل أقل. بدون هذه الرفقة سنصاب بالجنون".