تختلف الأسباب التي تقف وراء حب البشر لكرة القدم فعند الرجال نجدها تتمثل في كونها مساحة تسمح لهم بإظهار عواطفهم دون لوم ما يتيح لهم متنفس بعيداً عن النظرة النمطية التي يحصرون فيها كثيراً وتتطلب منهم كتمان مشاعرهم، إلى جانب شعورهم بالتضامن مع الفريق الذي يشجعونه إلى درجة تجعل الأمر أشبه بمشاعر الجنود في المعركة، بينما تختلف الأسباب عند الفتيات التي تحب كرة القدم ومعظمهن يرثن حب كرة القدم من آبائهن، هذا المقال يشرح لك باستفاضة أسباب حب الساحرة المستديرة عند الجنسين.
لماذا يحب الرجال كرة القدم؟
إحدى الدراسات التي أجراها الباحث دوغلاس هارتمان من جامعة كاليفورنيا، ونُشرت في دورية "سيج" (Sage)، ترى أن حب الرجال للرياضة يعود إلى الطفولة، فهي أول سبب لتكوين رابطة بين الذكور في طفولتهم ومراهقتهم. ويذكرون دائماً أنها السبب الذي جعلهم يتميزون عن الإناث.
وتقول دراسة أخرى أجراها الباحث في مجال علم النفس جان بوكسل من جامعة نورث كاليفورنيا، ونُشرت في مجلة علم نفس الرياضة (psychology of sport)؛ والتي تحاول تفسير سر ولع الرجال بكرة القدم، إن الرياضة هي المجال الذي يسمح للرجال بإظهار عواطفهم دون لوم.
وهو شيء غير معتاد للرجال في الأحيان العادية. فمفهوم الرجولة الشائع في كثير من المجتمعات يحتم على الرجال عدم البكاء، وافتقاد الشعور ومنع التلامس؛ لكن الرياضة تسمح لهم بكل هذا، وتجعلهم يعبرون عن مشاعرهم بحرية.
وتشبّه الدراسة ذاتها المشاعر التي يختبرها الرجال أثناء لعب كرة القدم، بمشاعر الجنود وقت الحرب، فيشعر الفريق كله بأنه وحدة واحدة تماماً مثل الجنود، مع اختلاف مستوى الخطر المعرضين له بالطبع. لكن كما نعرف فإن لعبة كرة القدم تؤخذ بجدية بالغة، كما يُقارن دائماً بين الفوز في لعبة كرة القدم، والانتصار في الحرب.
كيف يؤثر تشجيع الكرة على أجسادكم؟
جمعت إحدى الدراسات التي أجراها الباحث كريستان بورك من الجامعة التقنية الراينية الفستفالية (RWTH achen) ونُشرت في مجلة علم وظائف الأعضاء والسلوك (psychology and behaviour)، ألفيّ عينة من هرمون التيستوستيرون من لُعاب 82 مشجع كرة قدم، وذلك أثناء مشاهدتهم لمنتخبهم المفضل خلال كأس العالم عام 2014.
وقُسمت المباراة إلى عدة مراحل بناءً على وضع فريقهم أمام الفريق المنافس، والتحديات التي تواجهه. وبيّنت الدراسة ارتفاع مستوى هرمون التيستوستيرون في الدم لدى المشجعين أثناء المباراة، وانخفاضه بمجرد تقدمهم في المباراة.
هل تحب الفتيات أيضاً كرة القدم؟
لعبة كرة القدم ليست حكراً على الرجال، فالنساء أيضاً تحب كرة القدم. وفقاً لموقع ستاتيستا (statista) الذي قسّم مشجعي كرة القدم في أوروبا عام 2016 حسب الجنس، فإن نسبة النساء المشجعات لكرة القدم آخذة في الزيادة.
وفي منطقتنا العربية توجد لاعبات ومشجعات لكرة القدم؛ لكن لا تحظين كثيراً بالظهور إعلامياً. فتمتلك دولة مصر فرَقاً لكرة القدم النسائية، ودورياً للسيدات، وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً فريقاً قومياً للسيدات، ومؤخراً دخلت السعوديات أيضاً لعالم كرة القدم النسائي.
لكن غياب التغطية الإعلامية لكرة القدم النسائية هو جزء من غياب التغطية الإعلامية للنساء في الرياضة بوجه عام؛ وهي مشكلة عالمية، وليست خاصة بمنطقتنا العربية فقط. فوفقاً لموقع غلامور (glamour)؛ تحتل اللاعبات 40% من الساحة الرياضية لكن لا تتلقين سوى 4% من التغطية الإعلامية.
كما تعاني البرامج الرياضية النسائية من ضعف التمويل، ولا يُروّج لها بالشكل الكافي. وخلصت دراسة أجرتها الباحثة سيمون فرينش ونُشرت في دورية ميديا إنترناشونال أستراليا، وكان موضوعها ضعف التغطية الإعلامية للّاعبات في نيوزلاندا، إلى تعرض اللاعبات للتقليل من شأنهن، واستخدام اللغة الجنسية، والتركيز المفرط على أنوثتهن.
ووفقاً لموقع اليونسكو، فإن الإعلام يرسخ الأفكار النمطية عن النساء والرجال. ووسائل الإعلام تبرز اللاعبات الرياضيات على أنهن أولاً نساء، ثم تأتي مهارتهن الرياضية في المقام الثاني.
ووفقاً للموقع ذاته فإن التغطية الإعلامية تركز على شكل النساء، أو أعمارهن أو حياتهن الأسرية، بخلاف الصورة التي تُبرز عن الرجال بأنهم لاعبون مستقلون وكفى.
حب كرة القدم: وراثة وأشياء أخرى
لكن لماذا قد تحب النساء كرة القدم؟ تقول الكاتبة كاري دان في كتابها "مشجعات كرة القدم، المجتمع، الهوية، والتمييز على أساس الجنس" (Female Football Fans: Community, Identity and Sexism) إننا اعتدنا على أن الكرة في معظم الأحيان للذكور، وأن الأبناء يتوارثون التشجيع من الآباء.
لكن هناك مشجعات أيضاً لكرة القدم اعتدن تشجيع كرة القدم منذ طفولتهن بسبب حب آبائهن لهذه اللعبة. وتضيف أن تشجيع كرة لا يُمرر بالوراثة فقط، فهو يعكس شيئاً عن هويات المشجعات، وعن تاريخهن العائلي، وأماكن ولادتهن.
وبشكل عام يرجع تفضيل فريق معين إلى عدة عوامل؛ أهمها جغرافيا المنطقة التي تعيش فيها المشجعة. فالقرب المكاني من نادٍ معين قد يكون سبباً في تشجيعه، وكثيراً ما يكون أحد أفراد الأسرة، أو الأصدقاء أو الزملاء، المصدر الأول للتأثير في دعم فريق بعينه.
والجدير بالذكر أن مشجعات كرة القدم غير مسلط الضوء عليهن بالقدر الكافي، وأن كرة القدم صُورت في الثقافات الشعبية على أنها عالم للرجال فقط، يهربون فيه من الأطفال، وزوجاتهم المزعجات؛ ما أصبح تصوراً غير حقيقي في عالمنا الحالي.
وختاماً؛ إذا كنتم تحبون كرة القدم فعليكم عدم المبالغة في القلق على فريقكم، أو الحزن الشديد بعد خسارة مباراة ما، لأن ذلك قد يؤثر على صحتكم النفسية.