كثيراً ما نسمع عن البيئة السامة في العمل، والحب، وداخل الأسرة أيضاً. لكن أحياناً يكون هناك ما يسمى الصديق السام أو العلاقات السامة الحاضرة بين الأصدقاء، فنجد مُناوراً يمارس السيطرة على الآخر وزعيم عصابة يتمتع بشخصية قوية. وربما يكون صديقك المقرّب يمتلك شخصية سامة دون أن تدرك ذلك. فكيف يمكن أن تتخلص من صداقة مماثلة؟
تقول أسماء، البالغة من العمر 20 عاماً: "كان لدى صديقتي المفضلة شخصية سامة؛ كانت غيورة للغاية وترغب في امتلاكي والسيطرة عليّ، كما كانت ترفض أن يكون لدي أصدقاء غيرها و أن أقوم بأي نشاط من دونها". وفي الحقيقة؛ إن الشخص السام في الصداقة لديه قبضة معينة على الآخر، يستخدمها بوعي إلى حد ما.
في هذا الشأن؛ تشرح سيلفي تينونبوم: المعالجة النفسية ومؤلفة كتاب "التحرر من التحكم العاطفي" (Se libérer de l’emprise émotionnelle)، "الشخص السام يتلاعب بصديقه، إنه مهتم بالأشياء المادية ويريد الحصول على السيطرة المطلقة على الآخر". إنها شخصية غير صادقة ومتلاعبة إلى حد ما، فهي تتمتع بقوة تمارسها على الآخرين. علاوة على ذلك، غالباً ما يكون الشخص ذكياً؛ بحيث يستطيع أن يخفي قدراته على المناورة جيداً ودائماً ما نجد له الأعذار. للخروج من قبضته؛ يجب عليك أن تعرف أولا ما هي علامات الصديق السام؟
ما علامات الصديق السام؟
تتذكر أسماء تصرفات صديقتها وخاصة حبها القوي للتملك، الأمر الذي يثبت بوضوح شخصيتها السامة: "عندما كنت نائمة في منزلها وكان ظهري مستديراً، أخذت هاتفي دون علمي وأرسلت رسائل إلى أصدقائي الآخرين وكتبت فيها توقفوا عن التحدث معها، إنها صديقتي وليست صديقتكم. وقد فعلت ذلك مع الجميع".
في أحد أيام الأحد على الساعة الثامنة صباحاً؛ كانت أسماء نائمة في منزلها، وفجأة رن الجرس فكانت صديقتها. فتحت والدتها لها الباب وطلبت منها الانتظار إلى أن تستيقظ أسماء. بعد وقت؛ أدركت أسماء أن صديقتها أرادت التحقق فقط من عدم وجود أي شخص آخر ينام في منزلها في عطلات نهاية الأسبوع. تضيف أسماء: "لا تتحمل أن أكون بعيدة عنها وأنني برفقة أشخاص آخرين. كنا تجادلنا حول هذا الأمر على الأقل مرة واحدة في الأسبوع تقريباً". هذا التملك الكبير و الغيرة كلها مؤشرات على أن الصداقة سامّة. تؤكد سيلفي تينونبوم هذا قائلة: "الصديق السام يعزلنا عن عائلتنا وأصدقائنا الآخرين بقوله على سبيل المثال؛ "لست بحاجة إلى رؤية والديك، فلهما تأثير سئ عليك أو لماذا فضلت رؤية فلان من أصدقائنا، دون أن تدعوني". إنها شخصية تستغل إثارة الشعور بالذنب لدى الآخرين للتلاعب بهم".
بالإضافة إلى أنها شخصية تتعمد السيطرة على الصديق إلى درجة عزله عن المجتمع، وإصابتها بنوبات الغيرة، فإنها تتمتع أيضاً بعلاقة خاصة جداً مع الآخرين. وتضيف المعالجة النفسية: "لا يمكن أن يكون الشخص السام بمفرده، فهي بحاجة إلى الآخر. ومن المفارقات، أنها تعاني من عقدة النقص، لذا فهي تريد بنرجسية أن تكون المسيطرة بين الناس لكي تشعر بسمو قدرها، كما أنها غالباً ما تحظى بتقدير كبير في المجموعة".
عاشت كريمة، البالغة من العمر 23 سنة، هذا مع أعز أصدقائها. أدركت خلال إجازة أخيرة قضتها مع صديقتها -التي بدت دائماً أنها موجودة من أجلها- أنها لم تكن تلك الفتاة التي كانت تثق بها. تقول كريمة: "كنت ألبي طلباتها في معظم الأوقات، ودائماً ما أشعر بخيبة أمل. على سبيل المثال؛ ذهبت إلى كل حفل من حفلاتها حتى لا أخيب أملها وأدركت أنها ببساطة تريد أن يكون الجميع من حولها وكأنها مركز العالم. بالكاد لاحظت وجودي". في الواقع، شعبية الشخصية السامة عنصر مهم بالنسبة له. وتصر المعالجة النفسية قائلة: "إنه زعيم العصابة والقائد، والجميع يطيعونه ويخافونه في إطار معين".
تدني احترام الذات يجذب الشخص السام
تدرك مريم، البالغة من العمر 25 عاماً، أنها كانت محاطة طوال الوقت بأشخاص سامين فقط، بما في ذلك صديقة مقربة، وتوضح قائلة: "طوال طفولتي، لم أكن أعرف من أكون، لذلك رافقتني هذه الصديقة التي كنت أعرفها منذ كنا في روضة الأطفال. شعرت بأنني مضطرة للبقاء معها، لقضاء وقت فراغي معها".
في الواقع؛ وفقاً لسيلفي تينونبوم: "الصديق السام يتلاعب بصديقه من خلال تراكم طلبات الرعاية المفرطة. على سبيل المثال؛ بدلاً أن يسأل: "هل تريد أن تفعل شيئاً معي اليوم؟" يقول:" ماذا نفعل اليوم؟ يشير هذا السؤال إلى أن الآخر سوف يكرس يومه له وبما أنه ليس لديه أصدقاء أو أشياء أخرى سيفعلها".
شعرت مريم بأنها مضطرة لقضاء كل وقتها مع هذه الفتاة، وتلبية كل طلباتها مهما كانت شدتها. توضح مريم، هذا السلوك ناتج عن تدني احترامها لذاتها: "كان احترام الذات لدي متدنياً جداً لذا سمحت لها بسهولة بالتحكم في ولطالما اعتقدت أنني كنت مخطئة دائماً. طبقاً للمعالجة، فإنه من المفارقة أن يعزز رد الفعل التأثير السام؛ حيث تشرح: "ينتهي التلاعب البسيط العادي بأن يصبح سريعاً جداً، وغير قابل للصد؛ ما يضع الناس في موضع شك لأنهم يفتقرون بالأساس إلى احترام الذات. إنهم يُقنعون أنفسهم بأن صديقهم السام "لطيف على أي حال" فضلا عن أنهم يجدون له الأعذار لتصرفاته".
استمرت صديقة مريم السامة في انتقاد اهتماماتها في محاولة لتغيير أسلوبها في الموسيقى أو أذواقها السينمائية أو ملابسها. تقول الشابة: "أردت أن أتغير؛ إذ كنت أعتقد أنها على حق، رغم أنني لم أرغب أبداً في أن أكون ما عليه وأنا معها".
تفاقمت الأمور أكثر؛ حيث أصبحت هذه الصديقة تأخذها إلى الحفلات ويجبرها الجميع على شرب الكثير من الكحول. وتضيف قائلة: "لقد وصلت إلى النقطة التي لم أستطع فيها حتى تذكر ما كنت أمر به في تلك اللحظات. أرادوا أيضاً إجباري على تعاطي المخدرات لكنني رفضت. هذا الرفض تسبب لي في الإقصاء الاجتماعي وبعد ذلك بدأ الجحيم". منذ تلك اللحظة، لم تعد مدعوة إلى الحفلات وتعرضت لانتقادات واستفزازات مستمرة. كما كانت تتعرض للتنمر باستمرار في المدرسة.
تؤكد سيلفي تينونبوم: "يجعلنا الشخص السام نشعر بالذنب في كل مرة لا نريد فيها اتباع توجهه، حتى ولو كان ذلك بمقابل مادي أو من أجل نزهة بسيطة إلى السينما". وتصفه قائلة: "الصديق السام يريد أن يذهب لمشاهدة أحدث أفلام جيمس بوند ولكن الآخر لا يريد ذلك. سيبدأ بعد ذلك في جعله يشعر بالذنب من خلال اللعب على مشاعره بقوله: "لن تأتي معي أبدًا على أي حال". لذلك سيشعر الشخص المقابل بأنه مجبر على الاستسلام حتى لا يؤذيه أو يكون صديقا سيئاً. تؤكد المعالجة النفسية على وجود نوع من العجز: "فعندما تكون تحت تأثير الصديق السام، يصبح لديك انطباع أنك لن تستطيع قول لا وأنك تحت تصرفهم".
كيف تدرك سيطرته "الودية"؟
توضح سيلفي تينونبوم: "لا ندرك كثيراً أننا تحت تأثير صديق سام، لكننا نشعر بالسوء دون معرفة السبب. كانت سارة، البالغة من العمر 22 عاماً على علاقة مع صديقتها السامة منذ سبع سنوات. إنها صداقة كانت نتاج لقاء في المدرسة الثانوية خلال فترة صعبة مرت بها في حياتها عندما كان تقديرها لذاتها في أدنى مستوياته.
اليوم ابتعدت عن زاوية الصديقة السامة ولكنها تجد بعض الصعوبات. توضح سارة: "لم أدرك ذلك، في بداية علاقتنا، لقد شعرت بسوء شديد. لطالما كانت معنوياتي منخفضة للغاية وكان علي دائماً أن أوافقها وأن أخطو خطواتها في كل شيء، خاصة وأن لديها شخصية قوية للغاية. في مجموعتنا المكونة من أربعة أصدقاء، استخدمت قبضتها معي فقط لذلك شعرت على الفور بالسوء الشديد ولم أجرؤ حتى على التحدث معها حتى بمجرد بداية نقاش ما.
لحسن الحظ، ساعدتها فتاتين ضمن المجموعة على التفطن للوضع وتقول: "هما من أخباراني بالحقيقة؛ ما جعلني أدرك أن سلوكها كان غريباً. لقد قللت من شأني في المجموعة إلى درجة أنني لا أعطي رأيي خوفاً من أن تعارضني أمام الجميع. شعرت بعدم الجدوى عندما كان من المفترض أن أكون أفضل صديقة لها؛ إنها رابطة كان من شأنها أن تعطيني أهمية أكبر".
بالنسبة للمعالجة النفسية: "من الصعب معرفة الصديق السام، عليك أن تكون واضحاً أولاً". كما تضيف أيضاً أنه إذا لم تستطع فعل ذلك بمفردك، فغالباً ما يساعدك صديق حقيقي يأتي للتحدث معك بشأن ذلك. "في هذه الحالة، يقدم لنا أمثلة ملموسة للتلاعب الذي نخضع له. ومن هنا يمكننا أن نقبل أو ننكر الواقع".
إذا أدركنا هذا بمفردنا، فذلك لأننا قررنا قبول مشاعرنا. تشرح سيلفي تينينباوم الأمر بهذه الطريقة: "أشعر بالسوء، أتساءل لماذا، ففي أي لحظة أشعر بهذا الألم، أراجع الأوقات التي شعرت فيها بهذا الأسى. ومن ثم أقبل أن أرى حزني وغضبي".
ما خطوات الخروج من هذا الموقف؟
إذاً بعد أن علمنا أن الصديق يحمل شخصية سامة ماذا نفعل؟ تنصح المعالجة بالعديد من الحلول: "أخبر الشخص المعني واذكر الأشياء التي قام بها. في معظم الحالات، سينكر ذلك وسيخلق هذا مشاجرات لا نهاية لها. أما في الحالات النادرة، يتعرف الصديق السام على تلاعبه ويقرر التغيير للخضوع للعلاج".
"بالإضافة إلى ذلك، هناك حل آخر وأحياناً الأفضل؛ ابتعد وتخلص من هذه العلاقة. فإذا قررنا عدم رؤية هذا الشخص مرة أخرى وقطع أي اتصال معه، فإننا نستطيع فعل ذلك ولكن من الأفضل إخباره بالسبب".
"إذا كان هذا الشخص جزءاً من مجموعة من الأصدقاء ولا تريد ترك الجميع، فإن الشيء الذي يجب فعله هو "إخبار الآخرين بذلك وإخبارهم بالحقيقة وسنرى إن كانوا سيقبلون قرارنا أم لا".
هل يجب أن نتخلص من العلاقة دفعة واحدة؟ بالنسبة لسيلفي تينونبوم: من الأفضل أن تكون حاسماً، في قرارك حتى لو كان الأمر صعباً للغاية. ومع ذلك، إذا اخترنا قطع العلاقات فمن الأفضل أن يكون ذلك بلطف؛ يجب أن "نكون واثقين جداً من أنفسنا لأنه عندما يتم التلاعب بنا، فإن الشخص السام والذكي سيستخدم ذلك ضدنا.
من جهة أخرى؛ إذا تحدثنا إليه عن شعورنا تجاه تأثيره، فإننا نخاطر بأن يجعلنا نشعر بالذنب كنوع من العقاب. وسَيلومنا على سوء معاملة بدرت منا في وقت ما كما سيجعلنا نتأسف له لأننا وصفنا شخصيته بالسامة. وهكذا من المرجح أن يجعلنا نشك في شخصيته السامة؛ ما يسهل عودتنا إلى شباكه.