هل سألت نفسك يوماً كيف يتميز بعض الأشخاص ويحققون أهدافهم باستمرار، بينما يبقى آخرون عالقين في مكانهم؟ السر هنا لا يكمن في مواهب استثنائية أو فرص نادرة، بل في مهارة يمكنك تعملها مع الممارسة المستمرة وهي التنظيم الذاتي، والتي تعني ببساطة قدرتك على توجيه أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك لتحقيق ما تريد، يشبه الأمر أن تكون مديراً لنفسك، تضع الخطط الأولية ثم تتابع خطوات التنفيذ أولاً بأول بعدها تقيم النتائج، ومن خلال هذا المقال سنتعرف معاً على نظرية التنظيم الذاتي، وكيف تستخدمها حتى تتميز بين الآخرين في عملك.
محتويات المقال
ما هو المقصود بنظرية التنظيم الذاتي؟
ترتكز نظرية التنظيم الذاتي على 3 أجزاء؛ التنظيم الذاتي العاطفي، والتنظيم الذاتي المعرفي، والتنظيم الذاتي السلوكي، وكل جزء مسؤول عن إدارة جوانب مختلفة من الحياة، على سبيل المثال، يساعدك التنظيم الذاتي العاطفي على التحكم في كيفية استجابتك لمشاعرك، ما يمنع ردود الفعل المتسرعة.
أما التنظيم الذاتي المعرفي فيتضمن التفكير قبل التصرف، والحفاظ على التركيز، والقدرة على حل المشكلات. ويتطلب التنظيم الذاتي السلوكي منك التصرف بطريقة تتوافق مع أهدافك وقيمك، ويمكن القول إن فهم هذه المكونات النفسية لنظرية التنظيم الذاتي يساعدك على التعامل بطريقة أفضل مع تحديات الحياة اليومية وذلك من خلال الحفاظ على التوازن وتقليل حدة التوتر والقلق.
ويعد التنظيم الذاتي مهماً لأن مهاراته تعزز بناء أسس متينة لدعم التميز المهني والاجتماعي، إذ يساعدك التنظيم الذاتي على:
- التكيف مع التغيير والقدرة على التعامل مع تحديات الحياة اليومية.
- التحكم في الانفعالات العاطفية.
- القدرة على إنجاز المهام في مختلف الظروف.
- تحقيق الأهداف ما يعزز الثقة بالنفس.
- تقدير مباهج الحياة البسيطة حتى في خضم التحديات، وذلك لأنك تصبح قادراً على استحضار مشاعر الامتنان والرضا.
- بناء القدرة على التعامل مع المشكلات المختلفة.
جدير بالذكر أن التنظيم الذاتي لا يعني الانضباط فحسب، لكن معناه أوسع من ذلك؛ إنه القدرة المعقدة والمتطورة على إدارة أفكارك ومشاعرك وأفعالك سعياً وراء أهداف طويلة المدى، ما يعني أنه النظام الداخلي الذي يتحكم في تركيزك واستجابتك للضغوط، وعند تطبيقه بمهارة، لا يحسن التنظيم الذاتي حياتك فحسب، بل يجعلك متميزاً بطريقة واضحة.
اقرأ أيضاً: هل عقلك فوضوي؟ إليك كيفية تنظيم أفكارك بفعالية؟
كيف تتميز عن الآخرين عبر تطبيق نظرية التنظيم الذاتي؟
تتيح لك مهارات التنظيم الذاتي التعامل الفعال مع ضغوط الحياة اليومية، وتجربة المزيد من المشاعر الإيجابية، بالإضافة إلى تحقيق أهدافك بفعالية أكبر، وحتى تتميز عن الآخرين عبر هذه المهارة، جرب النصائح التالية:
1. طور وعيك الذاتي
الوعي الذاتي هو قدرتك على إدراك الأمور التي تشكل هويتك بصفتك فرداً وفهمها، بما في ذلك شخصيتك، وأفعالك، وقيمك، ومعتقداتك، وعواطفك، وأفكارك. وإذا كنت تتمتع بوعي ذاتي مرتفع، يمكنك حينها تقييم نفسك بموضوعية، وإدارة مشاعرك، ومواءمة سلوكك مع قيمك، وفهم كيفية رؤية الآخرين لك بطريقة صحيحة، ويعد الوعي الذاتي مهماً لأنه يحررك من التحيزات والافتراضات، ويجعلك ترى الأمور من زوايا مختلفة ومتنوعة، ما يعزز إبداعك وقدرتك على حل المشكلات.
وحتى تطور وعيك الذاتي، اطرح على نفسك الأسئلة الصحيحة؛ على سبيل المثال، بدلاً من أن تسأل: "لماذا أواجه صعوبة في اجتماعات العمل؟" انتقل إلى سؤال: "ماذا يمكنني أن أفعل لتعزيز ثقتي بنفسي؟" ويمكن القول إن طرح أسئلة "ماذا" ينمي عقلية النمو ومهارات حل المشكلات والذكاء العاطفي، ويجعلك تركز على محاولة إيجاد الحلول العملية بدلاً من الشك الذاتي. بالإضافة إلى طرح الأسئلة جرب التدوين، وتعرف جيداً إلى نقاط قوتك ونقاط ضعفك.
2. تعلم تنظيم مشاعرك
يعاني الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تنظيم مشاعرهم تقلبات مزاجية حادة، فيكونون هادئين في لحظة، ثم تداهمهم مشاعر الغضب أو الحزن في اللحظة التالية، هذه التقلبات الشديدة قد تؤثر سلباً في العلاقات والحياة المهنية، وتضر بالصحة النفسية، وتشعر الفرد بفقدان السيطرة، لذلك إذا كنت ترغب في التميز عن الآخرين وتنظيم نفسك ذاتياً، عليك أن تتعلم تنظيم مشاعرك.
اقرأ أيضاً: كيف يساعدك التحدث إلى نفسك على تنظيم أفكارك وإدارة عواطفك؟
ويمكن القول إن تنظيم المشاعر لا يعني كبتها أو تجاهلها ولكن يعني تقبلها مع عدم السماح لها بالسيطرة على زمام الأمور؛ يمكنك أن تحس بالغضب، لكن لا تجعل هذا الغضب يخرج عن السيطرة، وحتى تتعلم تنظيم مشاعرك؛ عليك أن تتعرف إلى محفزاتك وتتجنبها قدر الإمكان، بالإضافة إلى ذلك، جرب الحديث الإيجابي مع النفس، وحافظ على نشاطك البدني لأنه يفرغ المشاعر المكبوتة، وتواصل مع الطبيعة من أجل تعزيز مشاعر الهدوء.
3. كن واقعياً
كن صادقًا وواقعياً بشأن ما يمكنك إنجازه ولا تبالغ في تقدير قدراتك، حتى لا تقع في فخ الإحباط والإرهاق، رتب أولوياتك بعناية، وضع خطة واضحة بشأن الأمور التي ترغب في تحقيقها، وتذكر أن إنجاز الأهداف الصغيرة على أكمل وجه أفضل من وضع أهداف كبرى ثم التوقف في منتصف الطريق بسبب عدم القدرة على تحقيقها.
4. تكيف مع المحفزات الضاغطة
يعد التوتر جزءاً من الحياة اليومية الحديثة، لكن طريقة استجابتك له يمكن أن تغير طريقة تعاملك معه، ومن أهم الاستراتيجيات الفعالة في التعامل مع التوتر تمارين التنفس العميق، وممارسة اليقظة الذهنية بمعنى التركيز على اللحظة الحاضرة دون تفكير في الماضي أو الانشغال بأمور المستقبل، وحين تتقن ممارسة هذه التقنية سوف تخف حدة توترك من الأحداث اليومية في الحياة.
ويشرح المختص النفسي، محمد علي الأسطى، أن اليقظة الذهنية لا تعني أن تهرب من أفكارك بل أن تجلس معها دون أن تساق إليها، أن تدرك جيداً أنك لست فكرتك ولا مشاعرك ولا نوبة القلق التي هجمت عليك فجأة، ويضيف الأسطى، أن اليقظة الذهنية تخفف اجترار الأفكار، وتحسن التعايش مع القلق والألم النفسي، وتعزز الوعي بالحاضر وتعيدك إلى نفسك.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع الأشخاص الذين يعانون القلق إدارة عواطفهم؟
5. جرب إعادة التقييم المعرفي
إعادة التقييم المعرفي هي استراتيجية مهمة للحياة اليومية، وترتكز على فكرة محورية مفادها تعديل الاستجابة التلقائية للمواقف السلبية من خلال تغيير الأفكار؛ بداية انظر للموقف كما لو كنت مراقباً من الخارج، وعندما تلاحظ أنماط تفكير سلبية، تعرف إليها، وتدرب على رصدها بطريقة أفضل، وعندما تصبح أكثر وعياً بها، أعد صياغتها بصورة إيجابية. على سبيل المثال، لنفرض أنك ارتكبت خطأ في العمل، لا تستجب فوراً للموقف وتتحدث إلى نفسك قائلاً "أنا غبي، كيف أخطأت هكذا"، وقتها سوف تظهر مشاعر خيبة الأمل والخزي، لكن عوضاً عن ذلك، أعد صياغة الموقف وتحدث إلى نفسك وقل "لقد أخطأت لأني استخدمت البرنامج بطريقة غير صحيحة" في المرة القادمة سوف أتدرب أفضل.
6. استخدم الأدوات الرقمية
توفر التكنولوجيا العديد من الأدوات التي تساعد على تنظيم الذات، حيث يمكن لبعض التطبيقات التنظيمية أن تزودك برؤى ثاقبة حول أنماط تفكيرك، ما يساعدك على اتخاذ قرارات واعية بشأن سلوكياتك اليومية، كما تتيح لك هذه الأدوات تتبع حالتك المزاجية، وتحديد مصادر التوتر، ووضع أهداف للتحسين، ولكن لا تعتمد على التكنولوجيا بصورة كاملة وذلك لأن الاعتماد المفرط عليها يعوق قدرتك على تنظيم مشاعرك؛ إذ إنك حين تستخدم هاتفك الذكي باستمرار وتأخذ رأيه في كل صغيرة وكبيرة فأنت لا تتيح لدماغك الفرصة للراحة، ما يبقيك في حالة مستمرة من التوتر.