هل يمكن أن يكشف جلدك عن اضطراب نفسي خفي؟

1 دقيقة
اضطراب نفسي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تشير دراسة حديثة عرضت في اجتماع اللجنة الأوروبية لطب الأمراض الجلدية عام 2025 إلى أن بعض الأعراض الجلدية، مثل الطفح أو الحكة، قد تكشف عن اضطرابات نفسية خفية لدى الأشخاص الذين يواجهون أزمة نفسية حادة للمرة الأولى. فقد وجد أن نحو ربعهم واجهوا أفكاراً انتحارية، مقارنةً بـ …

هل يمكن أن يشير جلدك إلى اضطراب نفسي خفي؟ باختصار: نعم. يرتبط الجلد والدماغ ارتباطاً وثيقاً بما يسمى محور الدماغ والجلد، وهو نظام اتصال ثنائي الاتجاه، يتحقق عبر الأعصاب والهرمونات والإشارات المناعية. لذا، غالباً ما يكون الجلد أحد أكثر الأعضاء تعبيراً عن الضغط النفسي. لكن إلى أي حد قد ينبئ الجلد بوجود مشكلة نفسية؟ وما هي الحالات الجلدية الأكثر ارتباطاً بالضغوط النفسية؟ ومتى ينبغي للشخص الذي يعاني مشكلة جلدية أن يستشير مختصاً نفسياً؟ إليك التفاصيل.

إلى أي درجة يشير الجلد إلى وجود مشكلة نفسية كامنة؟ دراسة حديثة تجيب

وفقاً لبحث جديد جرى عرضه في اجتماع اللجنة الأوروبية لطب الأمراض الجلدية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2025، شمل 481 شخصاً ممن يعانون أول نوبة ذهانية، فإن بعض الأعراض الجلدية، مثل الطفح أو الحكة، قد تنذر باضطرابات نفسية خفية، خاصة لدى من يعانون أول نوبة ذهانية.

إذ وجد الباحثون أن المشاركين الذين عانوا أول نوبة ذهانية، أي المرة الأولى التي يختبرون فيها أعراضاً من الأوهام والهلوسة وفقدان الصلة بالواقع، ممن يمتلكون أمراضاً جلدية، مثل الطفح الجلدي والحكة والحساسية للضوء، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والأفكار الانتحارية لاحقاً مقارنة بالأشخاص الذين لا يمتلكون أمراضاً جلدية. وتحديداً، راودت الأفكار والمحاولات الانتحارية ربع مرضى الذهان الذين يعانون أمراضاً جلدية، مقابل 7% فقط ممن لا يعانون مشكلات جلدية.

تشير هذه النتائج إلى أن الأعراض الجلدية  في المراحل المبكرة من الذهان، قد تمثل مؤشراً على شدة المرض النفسي وارتفاع خطر الإصابة بعواقب نفسية حادة، مثل الاكتئاب أو الانتحار. ويتيح التعرف إلى هذه العلامات الجلدية للأطباء النفسيين تحديد الأفراد الأكثر عرضة للخطر مبكراً وتنفيذ تدخلات أسرع، ما قد يمنع تدهور الصحة النفسية.

لكن، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وفهم فيما إذا كانت هذه الصلة تنطبق أيضاً على الحالات النفسية الأخرى، مثل اضطراب ثنائي القطب والقلق والاكتئاب وفرط النشاط ونقص الانتباه.

عموماً، ثمة أمراض جلدية عديدة تتفاقم بسبب الضغوط النفسية، مثل الصدفية والتهاب الجلد التأتبي والوردية (العد الوردي). إضافة إلى وجود ارتباط كبير بين الاكتئاب تحديداً وارتفاع خطر الإصابة بالتهاب الجلد التأتبي والصدفية والأكزيما والثعلبة البقعية والشرى. فضلاً عن ذلك، قد توجد علاقة بين الضغط النفسي والإصابة بالبهاق، وهو ما ستجده كاملاً في هذا المقال.

ما هو سر تأثير الحالة النفسية في صحة الجلد؟

ليس مستغرباً أن يكون الدماغ والجلد مترابطين إلى هذا الحد، فخلاياهما تنشأ من المنطقة الجنينية نفسها، التي تسمى الأديم الظاهر؛ إضافة إلى أنهما قد يتشاركا مسارات عصبية و التهابية.

إذ وفقاً لدراسة منشورة في دورية عيادات الأمراض الجلدية عام 2025، يحتوي الجلد على نظام عصبي صماوي خاص به، يضم خلايا كيراتينية وصباغية ومناعية، وهو قادر على إنتاج بعض المواد الكيميائية العصبية والاستجابة لها، مثل الإندورفين والسيروتونين والدوبامين والكورتيزول.

لا ينظم هذا النظام العصبي المحيطي حساسية الجلد والالتهاب والاستجابات المناعية فحسب، بل يسهم أيضاً في كيفية إدراك الجلد للحالات النفسية والتعبير عنها. ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه عند وجود حالات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو التوتر أو غيرها، فإن الدماغ يفرز مواد كيميائية عصبية وهرمونات، مثل الكورتيزول والأدرينالين والببتيدات العصبية (الرسائل الكيميائية).

تتفاعل هذه المواد مع الجهاز العصبي الصماوي للجلد، الذي يحتوي على مستقبلات لها، فتسبب اختلالاً إلى حد ما في التوازن المناعي للجلد أو اضطراباً في مناعته، ما  يضعف وظيفته ويبطئ التئام الجروح ويغير التوازن الميكروبي فيه ويعزز إطلاق السيتوكينات المحفزة للالتهابات، الأمر الذي ينعكس على الجلد ظاهرياً، على هيئة حكة أو احمرار أو تفاقم أعراض الحالات الموجودة، مثل الأكزيما أو الصدفية أو حب الشباب أو الشرى.

في الوقت نفسه، يمكن لمشكلات الجلد أو الالتهاب أو اختلال التوازن الميكروبي، أن ترسل إشارات كيميائية أو بيولوجية تحذيرية إلى الدماغ، ما يؤثر سلباً في استجابته للتوتر والمزاج وتنظيم العواطف.

وهذا ما يؤكد عليه الطبيب النفسي، منذر المقبالي، إذ يقول إن الأمراض الجلدية التي تؤثر في مظهر الإنسان تشكل ضغطاً نفسياً على المريض وقد تؤدي إلى الإكتئاب في النهاية. هذه الأعراض النفسية تحتاج إلى تدخل بالعلاج السلوكي، مثل التقبل و الالتزام، وربما العلاج الدوائي.

في المحصلة، ثمة حلقة مفرغة من الضغط النفسي الذي يفاقم الأمراض الجلدية، والعكس صحيح.

إذا كنت تعاني مشكلة جلدية: متى تستشير مختصاً نفسياً؟

طبعاً ليس بالضرورة أن تستدعي مشكلات الجلد غير المتوقعة استشارة طبيب نفسي دائماً، لكن الأعراض المصاحبة لمشكلات الصحة النفسية أو المقاومة للعلاج تستدعي طلب المساعدة. عموماً، ينصح باستشارة الطبيب النفسي في حال ملاحظة أعراض جلدية مفاجئة أو غير عادية، خاصة إذا كانت مصحوبة بضائقة نفسية أو تغيرات سلوكية، مثل الحالات التالية:

  1. معاناة بعض الأعراض التي تشير إلى اضطرابي القلق والاكتئاب: مثل الحزن المستمر أو القلق أو انعدام التلذذ أو الأرق المزمن والتعب أو فقدان الشهية والوزن أو البكاء المتكرر، إضافة إلى وجود تغيرات حديثة في الشخصية.
  2. معاناة بعض الأعراض التي تشير إلى اضطرابات نفسية أخرى: مثل الهلوسة والهذيان، أو الهواجس والأفكار والسلوكيات القهرية، أو وجود أعراض جسدية غير ناجمة عن مرض جسدي.
  3. التعرض لصدمة نفسية: مثل الحرب أو الإساءة أو العنف، إذ يمكن أن تسبب هذه الصدمات ألماً عاطفياً دائماً.
  4. معاناة إحدى اضطرابات الشخصية: اضطرابات الشخصية هي مشكلات نفسية طويلة الأمد تؤثر في طريقة تفكير الشخص وشعوره وتصرفه، وتختلف بصورة كبيرة عن السلوكيات المتوقعة اجتماعياً وثقافياً.

قد تتضمن سمات مثل التفكير أو السلوك الغريب أو المبالغ فيه، والاعتقادات غير الواقعية، والاعتماد العاطفي المفرط على الآخرين. لذا، عند ملاحظة أنماط مزمنة في طريقة التفكير أو الشعور أو السلوك تجعل من الصعوبة التعايش مع الآخرين أو العمل أو إدارة الحياة اليومية، فمن الأفضل استشارة مختص الصحة النفسية.

  1. وجود حالات صحية خطرة: أي وجود أمراض خطرة مثل السرطان أو الفشل الكلوي أو الكبد وغيرها، إذ تفاقم هذه الأمراض الحالة المزاجية وتحد من خيارات العلاج الآمنة.
  2. الشعور بالحاجة إلى المساعدة: إذا كان المريض نفسه يشعر بعدم الارتياح النفسي ويريد الدعم، فيجب دائماً أخذ هذا الأمر على محمل الجد.

في حال الشك، يمكن استشارة طبيب الجلدية أو طبيب العائلة لتحديد مدى ضرورة استشارة المختص النفسي. ينبغي التذكر أن معالجة الحالة الجلدية الأساسية بصورة فعالة يمكن أن يحسن النتائج النفسية الاجتماعية، كما أن معالجة الأعراض النفسية، مثل القلق والاكتئاب، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تحسين اضطرابات الجلد.

4 استراتيجيات لمساعدة من يعانون أمراضاً جلدية نتيجة أسباب نفسية

تساعد بعض الخطوات على كسر تلك الحلقة المفرغة التي تفاقم فيها حالات الجلد الصحة النفسية والعكس صحيح، ما يحسن نوعية الحياة عموماً، ومنها:

  1. التقييم النفسي المبكر والعلاج متعدد التخصصات: ينبغي إجراء تقييمات الصحة النفسية إلى جانب العلاج الجلدي للمرضى الذين يعانون أمراضاً جلدية مرتبطة باضطرابات نفسية.
  2. اتباع التقنيات المعرفية السلوكية وتقنيات الاسترخاء: يمكن للتدخلات النفسية أن تقلل تفاقم الأمراض الجلدية الناجمة عن الضغط النفسي وتحسين الصحة النفسية. من هذه الأساليب: العلاج المعرفي السلوكي والتنويم المغناطيسي والتأمل والدواء الوهمي والاسترخاء التدريجي.
  3. تناول الأدوية النفسية المناسبة عند الحاجة: في حال وجود حالة نفسية وعندما تفشل التدابير البسيطة في العلاج، فإن الجمع بين الأدوية النفسية، مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لعلاج الاكتئاب والقلق، مع الخيارات العلاجية غير الدوائية سيؤدي إلى نتائج أفضل.
  4. إجراء تعديلات على نمط الحياة لإدارة التوتر: الحد من التوتر وممارسة الرياضة والنوم الصحي والنظام الغذائي المتوازن، هي استراتيجيات وقائية وداعمة لإدارة الاضطرابات النفسية الجلدية.​

المحتوى محمي