يختلف الخوف من المجهول عن المخاوف الإنسانية الكثيرة ذات الأسباب الواضحة وكذلك أنواع الرهاب المختلفة (Phobias)؛ إلا أنه جزء متأصل وله جذور عميقة في التجربة الإنسانية.
يشير الكاتب الأميركي هوارد لوفكرافت؛ الذي اشتهر بكتابة القصص المستندة على الرعب والخيال العلمي، إلى أن الخوف هو أقدم وأقوى عاطفة بشرية، والخوف من المجهول (Fear of the Unknown) هو أقدم وأقوى أنواعه.
فليس غريباً أن نجد من يخاف من الارتفاعات الشاهقة أو الأماكن المغلقة أو البحر أو بعض الحيوانات السامة أو الفتاكة. وبالمثل، فليس من الغريب أن يشعر الإنسان بخوف أو هلع من الأشياء التي يجهلها.
ونقصد هنا -على وجه التحديد- الخوف من المجهول الذي يعتمد كلياً على تعاملنا مع الأحداث والمواقف التي تتميز بعدم اليقين (Uncertainty).
دعونا نتعرف معاً أكثر إلى الخوف من المجهول ومسبباته المحتَمَلَة وأعراضه، بالإضافة إلى ما يمكننا فعله لمواجهته بشكل مثالي يعزز صحتنا النفسية والعقلية.
ماهية الخوف من المجهول
بحسب دراسة حديثة نشرتها جامعة ريجينا الكندية في منتصف العقد الماضي، يخبرنا الباحث وأستاذ علم النفس نيكولاس كارلتون أن المجهول يتميّز بالغياب الملحوظ للمعلومات على أي مستوى من مستويات الوعي الإنساني.
فوفقاً لهذا التعريف المختصر؛ يُعد المجهول -بحسب وصف كارلتون- مكوِّناً أساسياً للعديد من المفردات اللغوية والأفكار؛ مثل عدم اليقين (Uncertainty) وعدم الإلمام (Unfamiliarity) والغرابة (Strangeness) والحداثة (Novelty).
اقرأ أيضا: ما هي أعراض اضطراب القلق؟
مسببات محتَمَلة للخوف من المجهول
بحسب الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA)، فقد أظهرت الأبحاث أن الناس يتفاعلون بشكل مختلف مع عدم اليقين؛ حيث يبدو الأشخاص الذين لديهم درجة عالية من عدم تحمُّله، أقل مرونة وأكثر عُرضة لتدني الحالة المزاجية وزيادة المشاعر السلبية والقلق.
وتشير سينثيا كوب الحاصلة على الدكتوراة في ممارسة التمريض، في مقالتها لصالح منصة "هيلث لاين"، أن هناك سببين رئيسين للخوف من المجهول، وهما: عدم القدرة على التنبؤ وفقدان السيطرة أو التحكم.
وبالمثل، فقد أشار الدكتور كارلتون في سياق بحثه إلى أن الرغبة في القدرة على التنبؤ (Predictability) بحدثٍ ما تفترض بالضرورة الرغبة في التحكم به (Controllability).
وفي ذات السياق؛ يمكن أن يؤثر الخوف من المجهول والتوتر من عدم اليقين (Intolerance of Uncertainty) بشكل ملحوظ في التصورات والرغبات.
أعراض الخوف من المجهول
بالمجمل؛ تختلف شِدّة (Intensity) ومدة الأعراض التي تسبق أو تصاحب الخوف من المجهول.
فعلى سبيل المثال؛ يشير الدكتور كارلتون في مقالته التي سبق ذكرها إلى أن الخوف الذي نقصده عند الحديث عن هذا الاضطراب، يمكن ظهوره بشكل مرن على نطاق له مستويات مختلفة من التغيرات الفيزيولوجية والحدة العاطفية والصفات المرتبطة بهما.
وتخبرنا الأسترالية إليزابيث برات التي تحمل درجة الماجستير في التواصل الصحي، في مقالتها لصالح منصة "ڤيري ويل هيلث" (Verywell Health)، عن بعض الأعراض الجسدية التي يمكن أن تحدث بسبب هذا الاضطراب؛ ومنها ما يلي:
- وخزات في الجسم.
- نبضات قلب سريعة.
- التعرق أو القشعريرة.
- ألم أو ضيق في الصدر.
- الغثيان أو المعدة المتهيجة.
- فقدان الشعور (Numbness).
- صعوبة أو ضيق في التنفس.
- الرجفة أو الشعور بالاختناق.
- الشعور بالتشوّش أو الارتباك.
- الصداع أو الشعور بالإغماء والدوار.
- جفاف الفم وصوت طنين في الأذنين.
- الرغبة في الذهاب إلى المرحاض أكثر من المعتاد.
عموماً، باستطاعة الخوف من المجهول منع الناس من ممارسة أنشطة حياتهم اليومية الطبيعية، ويمكن أن يسبب القلق أو الاكتئاب.
فحسب دراسة نُشِرَت عام 2017 في مجلة علم النفس غير الطبيعي (Journal of Abnormal Psychology)؛ يُظهِر الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الخوف -بشكل عام- فرطاً في الحساسية تجاه الأحداث المكروهة غير المؤكدة؛ والتي يمكن أن تساهم في العلامات المرضية لديهم.
وبالمثل؛ تتشارك العديد من اضطرابات القلق سمة أساسية تتمحور حول ارتفاع حساسية الشخص للتهديدات غير المؤكَّدة أو الخوف من المجهول.
مواجهة الخوف من المجهول
لا أحد يستطيع تجنب ما هو غير متوقع؛ ولكن يمكن أن تساهم هذه الخطوات البسيطة من الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) في مواجهة عدم اليقين و الخوف من المجهول بشكل أفضل!
- كن لطيفاً مع نفسك: فقد يساهم تذكير نفسك بأن الأمر قد يستغرق وقتاً حتى يُحَل الموقف المقلق في تحسين استجابتك الجسدية والنفسية، وعليك أن تكون صبوراً أيضاً.
- فكر في نجاحاتك السابقة: فقد يساعدك التفكير فيما فعلته في الماضي في الاستعداد لما هو قادم.
- تعلم مهارات جديدة: حيث أن تجربة أشياء خارج منطقة راحتك من شأنه مساعدتك على تنمية الثقة والمهارات التي تكون مفيدة عندما لا تسير الأمور كما تريد.
- الحد من التعرض للأخبار: قد يكون من الصعب أن تلتفت بعيداً عن الأحداث المتواترة؛ ولكن عندما نشعر بالتوتر حيال شيء ما، يُفضَّل تَجنُّب الأخبار.
- تَجنَّب التفكير في الأشياء التي لا يمكنك التَحكُّم فيها: فقد يتخيل الكثير من الناس على الفور سيناريوهات في غاية السوء والسلبية عندما يسود عدم اليقين.
- استمع لصوتك الداخلي وخذ بنصائحك الشخصية: حيث أن تَخيُّل إسداء نصيحة لصديق يمر بموقف مماثل يجعلك أكثر إدراكاً لموقفك، ويمنحك منظوراً آخر وأفكاراً جديدة.
- اعتنِ بنفسك: فمن المهم ألا تدع التوتر يعرقل روتينك الصحي، لذا؛ تناول أكلاً صحياً ومارس الرياضة واحصل على قسطٍ كافٍ من النوم إلى جانب -على سبيل المثال- اليوغا والتأمل.
- اطلب الدعم ممن تثق بهم: حيث أن الدعم الاجتماعي مهم وأفضل من الانعزال والوحدة.
- ركِّز على ما تستطيع التَحكُّم به: حيث أن التركيز على الأشياء التي تحت سيطرتك، حتى لو كانت بسيطة، يُضفي شعوراً إيجابياً يسوده الارتياح.
- لا تخشَ من طلب المساعدة: فالتحدث مع مختص نفسي قد يساعد في تطوير طرق صحية للتعامل مع التوتر والقلق.
ختاماً؛ لا تخلو حياتنا من الأحداث أو المواقف التي نجهلها؛ ما يعني أن علينا أن نكون أكثر واقعية في التعامل مع الأشياء التي ليس لدينا قدرة على التنبؤ بما ستؤول إليه، إلى جانب الحرص على عدم التفكير بسلبية عند التعامل مع الأشياء التي لا نملك السيطرة عليها أو التحكم بها.