هل تكفي 21 يوماً؟ إليك المدة العلمية للتخلص من العادات السيئة

6 دقيقة
التخلص من العادات السيئة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

إذا سبق لك أن حاولت التوقف عن قضم أظافرك، أو الحد من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو تقليل تناول الوجبات الخفيفة غير الصحية، فربما شعرت بالإحباط بعد أيام قليلة من المحاولة. فالتخلص من العادات السيئة ليس مجرد تحد، بل هو رحلة معقدة لا تظهر نتائجها بسرعة، ما يجعلك تتساءل: هل أنا على الطريق الصحيح؟ وهل توجد مدة محددة للتخلص من هذه العادة؟

هذا السؤال يحمل في طياته مزيجاً من الأمل والإحباط على حد سواء. إذ بينما يعتقد البعض بخرافة الـ 21 يوماً فقط، وكأنها وصفة سحرية للتغيير، فإن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك. 

لا يعتمد التخلص من العادات السيئة فقط على قوة الإرادة، بل يتطلب إعادة تشكيل المسارات العصبية في الدماغ، وتغيير الطريقة التي قد تستجيب بها للمحفزات اليومية. فكم من الوقت يحتاجه الدماغ فعلاً للتخلص من عادة سيئة؟ وما هي الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها في كسر الحلقة السلوكية القديمة وبناء عادات جديدة أكثر صحة واستدامة؟ الإجابة في المقال.

21 يوماً للتخلص من عادة سيئة: حقيقة أم خرافة؟

ربما سمعت بمقولة "يستغرق تكوين عادة جديدة أو مفارقة عادة قديمة 21 يوماً". أو على نحو مشابه، فمن أين جاء هذا الاعتقاد؟ الحقيقة أن هذه الفكرة ولدت في كتاب "السيبرنيطيقا النفسية" الصادر عام 1960 للجراح التجميلي ماكسويل مالتز. إذ لاحظ مالتز في خمسينيات القرن الماضي أن الناس غالباً ما يستغرقون نحو ثلاثة أسابيع (21 يوماً) للتكيف ذهنياً مع:

  • ملامح الوجه المختلفة بعد الجراحة التجميلية.
  • غياب أحد الأطراف بعد البتر.
  • المنزل الذي انتقلوا إليه للتو.

لم يقصد مالتز أبداً أن تكون هذه الملاحظة قاعدة علمية صارمة للسلوكيات جميعها، لكن الفكرة اكتسبت طابعاً خاصاً بها. فمع مرور الوقت، تبنتها برامج المساعدة الذاتية والثقافة الشعبية، بل وسعتها على نحو مبالغ فيه لتصبح قاعدة عامة تطبق على معظم العادات.

لكن علم السلوك الدقيق لا يدعم تحديد حد أقصى ثابت قدره 21 يوماً لكسر العادات أو تكوينها. في الواقع، يجرب الكثير من الناس كسر عادة ما مدة ثلاثة أسابيع، فيلاحظون تغييراً محدوداً، ويشعرون بالإحباط ثم يستسلمون، معتقدين خطأً أنهم "فشلوا في الانضباط".

اقرأ أيضاً: لماذا تتحقق من هاتفك بلا سبب؟ وكيف تفارق هذه العادة؟

كم من الوقت يستغرق كسر عادة سيئة؟ هذا ما تقوله الأدلة العلمية

عندما تمتلك عادة ما فأنت تجد نفسك تقوم بها تلقائياً، دون نية مسبقة، وهو أمر حقيقي لأن العادة تتشكل في الدماغ عبر عملية تدريجية تبدأ بوعي كامل وتنتهي بسلوك تلقائي. فإذا كنت بدأت بتعلم عادة جديدة، تنشط القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن اتخاذ القرار، أي إن السلوك الذي تمارسه يكون فعله متعمداً.

على سبيل المثال، بدلاً من الاستسلام للرغبة في متابعة مقاطع الفيديو القصيرة، تتخذ قراراً بالنوم مبكراً. عند بدء هذا الروتين، تنشط الشبكات العصبية في الدماغ بالعمل، وهي المسارات التي تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية. كلما كررت الفعل الجديد، زادت قوة هذه الشبكات العصبية وكفاءتها، ويعاد تنظيم الروابط العصبية وتقويتها. 

يطلق على قدرة الدماغ هذه على التكيف والتغير استجابة للتجارب والتعلم اسم المرونة العصبية، وفي سياق بناء العادات، تعرف باسم "التحفيز طويل الأمد"، وهي ما يجعل الفعل أسهل مع الوقت.

فكل مرة تمارس فيها السلوك الجديد، تحتاج إلى محفزات أقل لتنشيط المسار العصبي نفسه. على سبيل المثال، عندما تتوجه للنوم في الموعد ذاته يومياً عوضاً عن التمرير عبر مقاطع الفيديو، فقد يحدث أن تبدأ بالشعور بالنعاس بمجرد أن تمسك بهاتفك الذكي في الموعد ذاته، فتتوجه إلى السرير للنوم.

مع مرور الوقت، تتعزز هذه العادة من خلال المكافآت المرتبطة بها، مثل الشعور بالراحة أو الإنجاز أو النشاط.

اقرأ أيضاً: 6 عادات يومية تسرق منك فرص النمو الشخصي دون أن تشعر

وعندما تترسخ هذه العادة، ستجد أنك لا تحتاج إلى التفكير فيها أو اتخاذ قرار بخصوصها، إذ تصبح العادة تلقائية، مثل النوم دون شعور برغبة في المماطلة. هكذا يتحول السلوك من خيار واع إلى نمط راسخ في الذاكرة العصبية.

وقد أجرت الباحثة في علم النفس الصحي، الدكتورة فيليبا لالي، وفريقها في كلية لندن الجامعية، عام 2009، دراسة شملت 96 مشاركاً، تتبعوا المدة التي استغرقها الأشخاص لتكوين عادات جديدة على مدى 12 أسبوعاً.

وجاءت النتائج لتؤكد أن مدة ترسيخ السلوك الجديد في المتوسط بلغت نحو 66 يوماً (أكثر من شهرين) ليصبح تلقائياً. ومع ذلك، تفاوتت هذه المدة تفاوتاً كبيراً بين الأفراد، حيث استغرق البعض 18 يوماً فقط، بينما وصلت المدة عند آخرين إلى 254 يوماً (ما يقارب 9 أشهر) لتكوين عادة جديدة، وهو ما يظهر تفاوتاً كبيراً بين الأفراد، وهو ما يتحكم به عدد من العوامل:

  • منذ متى وأنت تعاني هذه العادة؟
  • هل أصبحت العادة جزءاً من روتينك اليومي، مثل تناول مشروبات الطاقة في أثناء العمل أو مشاهدة التلفاز قبل النوم؟ أي هل يتطلب التخلص منها إعادة هيكلة نمط حياتك بالكامل، وليس فقط إيقاف السلوك؟
  • ما هو نوع المكافآت المرتبطة بها؟ فالعادات السيئة غالباً ما تمنح مكافآت فورية، مثل الشعور بالراحة بعد تناول الطعام الدسم، ما يعزز استمرار العادة ويجعل التخلي عنها أكثر تحدياً.
  • هل توجد سلوكيات داعمة للعادة؟ إذ تغذي بعض السلوكيات العادة وترسخها. على سبيل المثال، يعزز الجلوس فترات طويلة تناول الوجبات السريعة، أو الشعور بالملل الذي يدفعك لتصفح الهاتف. 

إذاً، فإن الوقت المستغرق للتخلص من عادة ما ليس واحداً للجميع، بل يعتمد على إضعاف الروابط العصبية حتى تتوقف عن العمل تلقائياً. بمعنى آخر، ينبغي فك الرابط بين الخلايا العصبية التي كانت تعمل معاً على نحو متكرر، وهو ما قد يحتاج إلى اتباع بعض الاستراتيجيات.

اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من عادة التسويف؟

6 خطوات فعالة للتخلص من العادات السيئة

التخلص من عادة سيئة ليس مجرد قرار، بل هو عملية متكاملة تتطلب فهم الذات وتعديل البيئة، ومن أهم الخطوات التي يمكنك اتباعها لكسر العادة:

حدد محفز السلوك أو العادة واستبدله

يطلق على هذه التقنية اسم "حلقة العادة"، وتنص على أن العادة تتكون من 3 عناصر هي:

  • الإشارة (مثل شعور ما أو وقت محدد أو مكان معين). على سبيل المثال، قد تكون رؤية الثلاجة عند دخول المطبخ إشارة لتناول وجبة خفيفة، على الرغم من أنك لست جائعاً.
  • الروتين، هو السلوك نفسه بعد التعرض للإشارة، مثل التدخين أو تناول الطعام أو قضم الأظافر.
  • المكافأة، هي شعور بالراحة أو المتعة يحصل عليه الفرد بعد تنفيذ العادة، مثل شعورك بالراحة بعد تناول الشوكولاتة عندما تكون متوتراً.

لكسر العادة السيئة ينبغي أن تراقب نفسك لتحدد الإشارة أو المحفز بدقة. قد يشمل ذلك الإحباط والضغط النفسي وكبت المشاعر وقلق العمل. فإذا كانت الإشارة هي التوتر، والمكافأة هي الشعور بالراحة، والسلوك هو التدخين، يمكنك ممارسة التنفس العميق أو المشي عوضاً عنه. 

مثال آخر: إذا لاحظت أنك تتوجه لتناول الحلويات في كل مرة تشعر فيها بالقلق أو التوتر، حاول إدارة هذه المشاعر، مثل أن تدونها، أو تتحدث إلى أحد الأصدقاء، أو تطلب المساعدة المهنية من مختص.

امتلك استراتيجية لاستبدال العادة السيئة

في معظم الأحيان يكون الطريق الأنسب للتخلص من عادة ما هو استبدال عادة جديدة بها، بحيث تمنحك ذات الشعور بالمكافأة. على سبيل المثال، بدلاً من الهروب إلى الإنترنت عند الشعور بالضغط، جرب الالتزام بمهمة صغيرة بحيث تنجزها في مدة 5 دقائق، ما يمنحك شعوراً بالسعادة سببه النجاح.

يوضح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أنك إذا غيرت سلوكك ستتغير مشاعرك. ويضيف: ليس بالضرورة أن تفعل ما تشعر بأنك تريد فعله، فعلى الرغم من أنهما مقترنان غالباً، لكن يمكنك فعل شيء أنت لا تشعر بالراحة لفعله، ويمكنك أن تمتنع عن فعل شيء أنت تشعر بالراحة لفعله، فعندما تحكم عقلك تبدأ باكتشاف أن العديد من الأفعال المريحة هي في الحقيقة مضرة. ربما تشعر بالضيق لأنك توقفت عنها لكنك تعلم أن ذلك فيه مصلحتك. كما أن سلوكك أنماطاً جديدة من العادات الإيجابية سرعان ما يؤثر في مشاعرك ويجعلها منسجمة مع تلك العادات.

اقرأ أيضاً: تخلص من أي عادة سيئة تزعجك في خطوتين فقط

 التكرار السلبي

على نحو مماثل للأسلوب الذي يعزز فيه التكرار تكون الروابط بين الخلايا العصبية عند اكتساب عادة ما، فإنه عندما يعاد تكرار نمط معين من عدم التنشيط المشترك بين الخلايا، يفسر الدماغ ذلك على أنه عدم حاجة لهذه الروابط، ما يؤدي إلى "فك الارتباط" أو تقليل قوة التشابك العصبي بين هذه الخلايا. مثلاً، إذا كنت معتاداً على التدخين بعد شرب القهوة، فابدأ بشرب القهوة يومياً دون أن تدخن بعدها. وكرر هذا السلوك مراراً، حتى تفك الارتباط بين القهوة والتدخين. 

ابدأ بخطوات صغيرة

غالباً ما يبدأ معظمنا العام الجديد بقرارات وأهداف جديدة، لكن بينما قد ينجح البعض فإن آخرين يصطدمون بصعوبة التغييرات الجذرية. عموماً، لا يمكنك تغيير حياتك بين عشية وضحاها، لكن الأهداف الصغيرة القابلة للتحقيق أسهل في الالتزام بها وبناء زخم.

فإذا كنت ترغب في التخلص من دهون البطن الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام، فلا تلتزم بقطع الطعام والالتزام بساعتين من التمرين المكثف في النادي الرياضي يومياً؛ بدلاً من ذلك، ابدأ بالمشي مدة 15 دقيقة يومياً، مع التحول نحو الطعام الصحي وتخفيف تدريجي في كميات الطعام.

مارس اليقظة الذهنية

 تمنحك اليقظة الذهنية القدرة على الوعي اللحظي بسلوكك، وتفصل بين المحفز (الإشارة) والاستجابة التلقائية التي تشكل "حلقة العادة". إذ عندما تمارس اليقظة، تصبح قادراً على كشف الإشارة، والتوقف لحظة قبل تنفيذ السلوك المعتاد، ما يفتح المجال لاختيار سلوك بديل أكثر وعياً.

المحتوى محمي