لعّله من المهم البدء بخبر اعتماد مسمى "سن التجدد" أو "ما يعرف أيضاً بسن اليأس" (Menopause) خلال يوم المرأة العالمي لعام 2021 ليصف مرحلة انقطاع الطمث لدى النساء العربيات بدلاً من التسميات السابقة، بدعم وتأييد من صندوق الأمم المتحدة للسكان مُمثلاً بوكالة الصحة الجنسية والإنجابية.
ويأتي تغيير المصطلح اللغوي لتخفيف الأثر النفسي لمسمى "سن اليأس" الذي تستخدمه الدول العربية، والتغلب على الانحياز اللغوي؛ حسب تعبير الدكتور لؤي شبانه؛ المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في منطقة الدول العربية في حديثه لصحيفة المدينة السعودية.
وبالعودة إلى جذور التسمية الحديثة؛ نجد أنها ظهرت مطلع القرن التاسع عشر الميلادي من قِبل طبيب فرنسي حاول الدمج بين كلمتين من اللغة اليونانية القديمة؛ وهما (Meno) وتعني "شهر" و(Pause) التي تعني "توقف" ليصف مرحلة "توقف الدورة الشهرية".
حملت هذه الخطوة، المتمثلة في إزاحة الإرث اللغوي السلبي للمسمى العربي، أملاً في تغيير شكل التعامل مع هذا السن في المجتمع العربي؛ فما هو سن التجدد وكيف يؤثر على الصحة النفسية والعقلية للنساء؟
سن التجدد
بحسب وزارة الصحة السعودية؛ يصف سن التجدد مرحلة ما بعد انقطاع الطمث التي تحدث نتيجة لتغيّر في توازن الهرمونات الجنسية؛ إذ يتوقف المبيضان عن إنتاج هرمون الإستروجين بكمية كافية، ويقل إنتاج البويضات عموماً.
وكان أرسطو، وفقاً للمؤرخين، أقدم من وصف مرحلة سن التجدد لدى النساء، وحدد وقتها بحلول سن الـ 40. أما اليوم، فامتد عمر انقطاع الطمث أو اليأس بين النساء عالمياً ليصل إلى 45 و50 عاماً؛ وفقاً لإحصائيات منصة ستاتيستا (Statista) الألمانية التي نُشِرَت عام 2021.
أسباب توقف الطمث
فقد يتوقف الطمث طبيعياً نتيجة تأثر مستويات هرمون الإستروجين لدى النساء ممن تخطَّين سن الأربعين عاماً؛ إلا أن ذلك ليس كل شيء.
فقد تصل النساء إلى سن التجدد مثلاً نتيجة الآثار الجانبية لجراحة إزالة المبيضين، وبعض علاجات سرطان الثدي، والتعرض للعلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي، وبعض علاجات متلازمة داون أو داء أديسون.
كيف يؤثر سن التجدد على الصحة النفسية؟
بحسب دراسة حديثة نُشِرَت شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لصالح المجلة الأميركية لأمراض النساء والتوليد (American Journal of Obstetrics and Gynecology)؛ يشير العلماء بشكل صريح أن الانتباه للجانب الصحي للدورة الشهرية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة للنساء نتيجة قدرة الدورة الشهرية على التأثير على صحة النساء الجسدية والنفسية والاجتماعية.
وفي حين أن الارتباط لا يعني بطبيعة الحال السببية؛ إلا أن الأرقام الإحصائية التي تخبرنا بها دراسة حديثة لصالح جمعية سن التجدد البريطانية تُعتبر صادمة نوعاً ما. ففي المملكة المتحدة، أشارت هذه الدراسة إلى أن أعلى معدل انتحار بين النساء هو بين سن 50 و 54.1. وفي ورقة علمية للدكتورة ماري جَين مينكين نُشِرَت لصالح كلية الطب بجامعة يَيل عام 2019، تشير النتائج إلى أن سن التجدد لدى المجتمعات الغربية يحمل دلالات سلبية ضخمة بين النساء إذ يربطنْ بينه وبين الشيخوخة.
وبعد النظر بشكل عميق لخبر صحيفة المدينة السابق ذكره، نجد أن رغبة 82% من السيدات العربيات باستخدام عبارة أخرى كانت الدافع وراء تغيير المصطلح الذي يحمل دلالات سلبية؛ ما يعني توازي ما يحدث لهن مع نظيراتهن في المجتمعات الغربية.
سن التجدد وأثره في بعض الاضطرابات النفسية
بحسب "مؤسسة الصحة النفسية" (Mental Health Foundation) البريطانية؛ يمكن أن يؤدي تغير مستوى الهرمونات إلى تقلبات في المزاج، أو الشعور القلق بسبب دخول سن التجدد.
وفي حين أن انقطاع الطمث ليس حالة صحية نفسية في حد ذاته؛ إلا أنه يمكن أن يؤثر في صحة المرأة النفسية. فقد تؤدي التغيرات الهرمونية في أثناء انقطاع الطمث أحياناً إلى تفاقم الظروف الصحية النفسية التي تعيشها النساء.
فحسب موقع المؤسسة؛ إذا كان لدى المرأة تاريخ سابق مع الاكتئاب، فمن المرجح أن تصاب أيضاً بالاكتئاب في أثناء فترة انقطاع الطمث. ويحدث الأمر ذاته إذا كانت مصابة باضطراب ثنائي القطب؛ إذ قد يعني هذا نوبات اكتئاب أكثر بسبب نقص هرمون الإستروجين.
ويزداد أثر سن التجدد حدة في حال كانت المرأة مصابة باضطراب انفصام الشخصية، فقد تجد أنها تعاني أعراضاً أكثر سوءاً وتحتاج إلى جرعة أعلى من الأدوية.
بعض الأدوية والخطط العلاجية
تُنصح النساء اللاتي يقتربن من سن الأربعين دائماً بالتحدث إلى مختص نفسي وطبيب نساء وولادة، حتى يضمَنّ عدم تأثير أعراض انقطاع الطمث لديهن على حياتهن.
قد يعالجهن المختص بالهرمونات البديلة (HRT)؛ حيث يتم تعويض الهرمونات التي بدأت تنخفض حتى يتم التخفيف من حدة تأثير ذلك على الصحة الجسدية والنفسية.
في نفس السياق؛ يمكن أن يساعد العلاج بالتحدث إلى مختص نفسي في تخفيف وطأة الأثر النفسي لمرحلة سن التجدد؛ مثل الخطط العلاجية التي تُبنى حول العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وتستهدف تدني الحالة المزاجية والقلق والتوتر.
ويبقى الخيار دائماً خيارهن سواءً في اختيار تناول دواء الهرمونات البديلة أم العلاج بالتحدث إلى مختص نفسي.
في الختام؛ يجب الانتباه إلى أن العبء النفسي والجسدي لمرحة انقطاع الطمث على النساء لا يمكن نكرانه من قبل العلم الحديث، إلى جانب العبء الإضافي الذي لا يزال قائماً في بعض الدول العربية بين النساء العربيات، نظير تسمية هذه المرحلة باسم سلبي سابقاً. لذا؛ علينا جميعاً تبني مصطلح "سن التجدد" والعمل على دعم النساء من حولنا، ثم المبادرة في تقديم الدعم النفسي اللازم حتى نساعدهن في تحقيق أعلى مستويات الصحة العامة. ويجب أن ندرك أن تأثير سن التجدد يعتمد على كيفية تعاملنا معه؛ ما يعني ضرورة أخذه على محمل الجد!