تخيل أنك قررت الاجتماع مع فريقك لمناقشة تحديات الإنتاجية وصعوبات سوق العمل، وبينما يسود القلق والإحباط بين بعض الموظفين. فجأة يبرز شخص دائم التفاؤل، يرسم صورة وردية مبالغاً فيها عن الوضع. صحيح أن النظرة الإيجابية مهمة في مواجهة الضغوط، لكن المبالغة فيها قد تحولها إلى عبء. إذاً كيف يمكن أن يضرك الموظف دائم الإيجابية؟ وما هي طرائق التعامل معه بذكاء؟ هذا ما نستعرضه في المقال.
محتويات المقال
ما هي الإيجابية الدائمة في بيئة العمل؟
تعد العقلية الإيجابية مهمة للغاية في بيئة العمل، إذ إنها تؤدي دوراً محورياً في التعامل مع التحديات وصعوبات العمل، وعلى الرغم من ذلك فإن الإصرار على التصرف بإيجابية على الرغم من الوضع المتفاقم قد يضر بفريق العمل أكثر مما ينفعه، ويمكن القول إن الإيجابية حين تزيد على حدها الطبيعي قد تتحول إلى إيجابية سامة، وهي الاعتقاد بضرورة الحفاظ على العقلية الإيجابية طوال الوقت حتى في حال حدوث مشاكل كبرى في العمل، مع التركيز المفرط على تجاهل التحديات التي تواجه فريق العمل أو إنكارها.
وفي هذا السياق، تشرح مختصة علم النفس التنظيمي، هيذر مايرز، أن الشخص دائم الإيجابية يتجاهل المواضيع والمناقشات غير المريحة، علاوة على ذلك، فإنه يكبت مشاعره السلبية ولا يعترف بها، ويغلق أي حوار يمكن أن يتطرق إلى تلك المشاعر.
ويؤكد الطبيب النفسي، أجيت دانديكار، أن البقاء متفائلاً وإيجابياً طوال الوقت في وجه الصعاب والتوتر والقلق يمكن أن يعطل الاستجابات العاطفية الطبيعية ويشجع على كبت المشاعر غير المريحة بدلاً من معالجتها، ويضيف دانديكار، أن المشاعر الإنسانية جميعها مهمة للصحة النفسية حتى السلبية منها، إذ إن تجاهل تلك المشاعر يسبب ضغطاً نفسياً طويل الأمد.
اقرأ أيضاً: الإيجابية السامة: لا بأس إن لم يكن ثمة نور في آخر النفق
10 علامات تكشف الموظف دائم الإيجابية في فريقك
عادة ما تنبع الإيجابية الدائمة من نية حسنة ورغبة في التعامل مع المواقف والتحديات، لكنها على الرغم من ذلك، لا تجدي نفعاً، وإليك أهم العلامات للموظف دائم الإيجابية في فريقك:
- تجاهل مشكلات العمل عوضاً عن مواجهتها.
- الترديد المستمر للعبارات الإيجابية في المواقف الصعبة مع عدم رؤية حقيقة الموقف.
- الشعور بالذنب عند الإحساس بالإرهاق أو الحزن أو القلق.
- لوم الآخرين عندما لا يتحلون بموقف إيجابي.
- كبت المشاعر السلبية الناتجة عن التعرض للانتقادات.
- النظر إلى الجانب المشرق فقط ومن ثم عدم رؤية الواقع في صورته الحقيقية.
- الإحساس بالوحدة والعزلة عن الآخرين خاصة عند مناقشة مشكلات العمل.
- مقابلة الأخبار السيئة أو الإخفاقات بالإنكار بدلاً من القبول ومحاولة الحل.
- الانزعاج الشديد في أثناء تلقي الملاحظات البناءة من زملاء الفريق.
- تجنب طلب المساعدة.
لماذا قد يضرك الموظف دائم الإيجابية؟
عندما تكون إيجابياً تقرر بوعي البحث عن حل لتحقيق نتيجة أفضل، وعلى الرغم من ذلك، حين تكون دائم الإيجابية يكون الأمر ساماً وضاراً لأن إيجابيتك سوف تعوقك عن رؤية الواقع بموضوعية، ومن الممكن أن تؤدي إلى الشعور بالانفصال والوحدة، ويمكن القول إن الموظف دائم الإيجابية يتعامل بتلك الطريقة بصفتها آلية تجنب ما يؤدي إلى تعطيل مهارة حل المشكلات والتعامل مع التحديات.
علاوة على ذلك، فإن الإيجابية الدائمة تعرقل عملية النمو والتطور المهني، وتؤثر بالسلب في القدرة على التواصل، على سبيل المثال، تخيل أن موظفك دائم الإنتاجية غير قادر على البوح بمشاعره الحقيقية، وقتها سيعوق ذلك عملية التواصل الفعال بينكما وهو الأمر الذي سيؤثر بالتبعية في أداء الفريق.
كما أن الإيجابية الدائمة تزيد مشاعر التوتر والقلق، وتقلل الكفاءة الذاتية، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى انخفاض الإنتاجية في العمل، وأحياناً تتجسد الإيجابية الدائمة في الإطراء المفرط إذ يلجأ الموظف في فريقك إلى الثناء عليك بطريقة مفرطة، ما يعد أحد أشكال التلاعب النفسي، علاوة على ذلك تقلل الإيجابية الدائمة الإبداع والابتكار؛ فالموظف الدائم الإيجابية لا يرى المشكلات أصلاً ويتجاهل التحديات ومن ثم لن يبذل أي مجهود من أجل محاولة البحث عن حل إبداعي لتلك المشاكل والتحديات.
اقرأ أيضاً: كيف تعزز المرونة في بيئة العمل المشاعر الإيجابية والإنجاز؟
كما تزعزع الإيجابية الدائمة الثقة بالنفس، وتضعف التواصل بين أعضاء الفريق؛ فالبعض يرى المشكلة ويحاول حلها، في حين يصمم أحد الموظفين على تبني عقلية الإيجابية الدائمة، ومن ثم يصبح غير قادر على التعامل مع زملائه، ومع مرور الوقت يؤدي الضغط الناجم عن تبني الإيجابية بصورة دائمة إلى تشوه صورة الذات، ما يجعل الموظف منفصلاً عن التجارب التي يمر بها فلا يرى الواقع بصورته الحقيقية، على الجانب الآخر، يضعف تبني عقلية الإيجابية الدائمة نقاط قوته بسبب قلة انخراطه في محاولات حل المشكلات.
ونتيجة الفجوة بين الموظف الدائم الإيجابية وفريق عمله قد يصاب بارتفاع مستوى القلق والتوتر، وربما يعرض صحته الجسدية للخطر، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وارتفاع مستويات الكورتيزول، وانخفاض المناعة، وغالباً ما تؤثر هذه المشاكل لاحقاً في عمل الموظف، ما يؤدي إلى تغيبه عن العمل أو حصوله على الكثير من الإجازات المرضية لعلاج مشكلاته الصحية.
5 نصائح فعالة تساعدك على التعامل مع الموظف الدائم الإيجابية
يعد الموظف الدائم الإيجابية مشكلة حقيقية في مكان العمل، لذلك بمجرد أن تتعرف إليه من خلال العلامات التحذيرية، جرب التعامل معه من خلال الطرق الآتية:
1. اصنع مساحة عمل آمنة
من المهم تهيئة بيئة عمل داعمة يشعر فيها الموظف الدائم الإيجابية بالراحة في التعبير عن نفسه، سواء كان ذلك إيجابياً أم سلبياً، لذلك تقبل مشاعره، واستمع إليه دون إصدار أحكام، ثم تعاطف معه بصدق لأنه شارك معك مشاعره ومخاوفه، بالإضافة إلى ذلك، شجعه على التواصل المفتوح.
2. اطرح الأسئلة وقلل النصائح
عندما يشاركك أحدهم مخاوفه، قد يكون رد فعلك التلقائي هو تقديم النصيحة أو تخفيف انزعاجه كأن تقول له "سيكون كل شيء على ما يرام" لكن الحقيقة أن هذه الكلمة قد تعزز الإيجابية السامة، لهذا عوضاً عن ذلك جرب طرح الأسئلة؛ على سبيل المثال، اسأله ما الذي يمكنك فعله من أجل المساعدة، أو اطلب منه معرفة المزيد عن أفكاره ومشاعره تجاه مشاكل العمل.
3. كن صادقاً
أحياناً قد يصبح الموظفون في فريقك دائمي الإيجابية لأنك تشجع هذا النمط، ولا تتعامل معهم بشفافية إنما فقط تطلب منهم البقاء متحفزين وفي حالة دائمة من الإنجاز، ولهذا عليك أن تغير طريقة تعاملك قليلاً، على سبيل المثال، كن صادقاً معهم، وإذا كانت الشركة تواجه وقتاً عصبياً، اعقد اجتماعاً عاجلاً، وأخبرهم التفاصيل الممكنة كلها، واطلب منهم التوصل إلى حل بصفتهم فريقاً جماعياً، وتأكد أن التستر على الحقائق في بيئة العمل يزيد حدة مشاعر التوتر ويمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة بينك وبين الفريق.
اقرأ أيضاً: كيف تحول مشاعرك السلبية إلى قوة إيجابية؟
4. أشركه في عملية حل مشكلات الفريق
إذا كان لديك موظف يميل إلى التفاؤل الدائم، فأشركه بفعالية في مواجهة المشكلات، وأوضح له أن التعامل مع المشكلة منذ بدايتها بدلاً من تجاهلها يعزز ثقته بنفسه ويزيد فاعلية الفريق، ومع مرور الوقت سيعزز هذا الأمر مرونته النفسية، ويطور مهاراته في تنظيم مشاعره، خاصة عندما تعزز جهوده وتشكره على إيلائه الأولوية للحلول التي تساعده على إنجاز عمله بكفاءة.
5. ركز على الأداء
لا توبخ الموظف على أسلوبه ولا تكتف بانتقاد إيجابيته المفرطة، بل وضح له كيف أسهم ذلك في تعقيد الموقف أو إبطاء العمل، ثم قدم بدائل عملية للتعامل، واختر طريقة تواصل تناسب شخصيته وتلائم الموقف.
في النهاية، قد يلجأ أحد الموظفين إلى تبني عقلية الإيجابية الدائمة لأنه يظن أن المشاعر السلبية معطلة وسوف تمنعه من أداء عمله على أكمل وجه، لكن استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، يؤكد أن الأشخاص بحاجة إلى تعلم كيفية إدارة مشاعرهم بحكمة، لأنها ليست ضعفاً ولا هزيمة ذاتية، حيث يمكنك أن تعمل، وتنتج، وتبدع بوجودها فهي تنوع وثراء عاطفي ضروري!
 
                