عندما يقول لك مديرك "بابي مفتوح دائماً"، فغالباً ما ترى في موقفه نبلاً، بل حتى تنظر إليه على أنه بطل موجود لمساعدتك دائماً. في الواقع، تعني سياسة "الباب المفتوح" في العمل، أن يبقي المدراء أبواب مكاتبهم مفتوحة، مجازياً أو حرفياً، من خلال دعوة الموظفين للتواصل معهم مباشرة وطرح مخاوفهم وملاحظاتهم وأفكارهم.
محتويات المقال
تساعد هذه الممارسة الشركات على تحديد المشكلات في وقت مبكر وقبل تفاقمها، وخلق بيئة يسودها الأمان النفسي حيث يشعر الموظفون بالتقدير والاستماع. لكن ماذا يحدث عندما يصبح هذا الباب المفتوح باباً دواراً؟ بعبارة أخرى، كيف يمكن للمدير المكلف بمهام ذات متطلبات عالية، مثل التفكير الاستراتيجي واتخاذ القرارات المصيرية، أداء مهامه بينما يلجأ له الموظفون لحل المشكلات التي تعترضهم؟ للمفارقة، وعلى الرغم من أن سياسة الباب المفتوح ترتكز على الثقة المتبادلة والشفافية، فإنها قد تستنزف طاقة المدير تدريجياً. فمتى تستنزف سياسة الباب المفتوح طاقة المدراء النفسية؟ وأين تقع النقطة الوسط؟
متى تستنزف سياسة الباب المفتوح طاقة المدراء النفسية؟
يمكن لسياسة الباب المفتوح أن تكون أداة فعالة لتعزيز الشفافية والثقة بين الموظفين والإدارة، ومع ذلك، فإنها مثل أي سياسة أخرى، قد تأتي بنتائج عكسية إذا أساء الموظفون فهمها، وتستنزف طاقة المدير، كما في الحالات التالية:
1. المقاطعات المستمرة
يضطر المدير الذي يتبع سياسة الباب المفتوح إلى تحويل تركيزه مراراً وتكراراً عن عمله، للتعامل مباشرة مع الزيارات المتكررة وغير المخطط لها للموظفين، من مبدأ الوجود دائماً على أهبة الاستعداد. يمنع هذا التحول المتكرر المدير من الدخول في حالة "الانسياب الذهني"، وهي مرحلة التركيز التي يستطيع فيها المدير أن يعمل بأعلى إنتاجية ممكنة، ما قد يؤدي إلى إرهاق ذهني وانخفاض الإنتاجية.
2. الحمل الزائد وعكس التفويض
بينما تقتضي إحدى مهام المدير توزيع المهام على الموظفين، ينتهي الحال به إلى التفكير واتخاذ القرارات عوضاً عن توزيعها، حيث يستخدم الموظفون سياسة الباب المفتوح لتفريغ المشكلات بدلاً من حلها.
3. إرهاق العمل
من مبادئ سياسة الباب المفتوح أن يستوعب المدير مشكلات الموظفين ويستجيب لها بتعاطف، لكن عندما يطرح الموظفون مشكلات أو يتساءلون، يتولى بعض المدراء حل المشكلة أو البحث عن المعلومات أو القيام بأي شيء لاتخاذ الخطوة التالية نيابة عن الموظف، ما يزيد حجم العمل والضغط، ويستنزف الطاقة.
4. خلق التبعية
عندما يكون الباب مفتوحاً دائماً للموظفين للتوقف وطرح الأسئلة أو الحصول على المساعدة، فإن ذلك يخلق لديهم نوعاً من التبعية، يمكن تشبيه ذلك بالطفل الذي يلجأ لوالديه مع كل مشكلة تواجهه، فإذا قدموا له الحل دائماً فإنه سيتعلم الاعتماد عليهم ولن يتمكن من إيجاد الحل وحده.
إن هذا بالضبط ما قد يحدث مع الموظفين، فبدلاً من أن يأخذوا الوقت لحل المشكلات أو التفكير في القرار، فإنهم يتوجهون إلى مديرهم لإيجاد حل لهم، وهو ما قد يؤدي إلى استنزاف طاقة المدير، وخلق موظفين أقل فاعلية وإنتاجية.
5. التحول إلى معالج نفسي أو صديق
بينما يعد من المفيد أن يشارك الموظف مديره بعضاً من مشكلاته الشخصية التي قد تعوقه عن أداء عمله على أكمل وجه، لإيجاد حل لها بما يساعد على تعزيز الإنتاجية، فإن البعض قد يسيء فهم سياسة الباب المفتوح، ويتوجه إلى مديره في العمل مع أي مشكلة تعترضه سواء في العمل أو المنزل، فيتحول المدير إلى معالج نفسي أو صديق يتوجه الموظف إليه للدردشة معه حول أي شيء. إلا أن التعرض المزمن للمشاعر السلبية قد يؤدي إلى تنشيط استجابات التوتر في الدماغ، ثم الإصابة بالإرهاق والاستنزاف العاطفي وانخفاض الطاقة.
6 استراتيجيات يواجه بها المدير سلبيات سياسة الباب المفتوح
لا تعني سياسة "الباب المفتوح" فقط أن يكون باب مكتب القائد أو المدير مفتوحاً بالمعنى المادي والحرفي للكلمة، بل تشير إلى الانفتاح والشفافية في التعامل وسهولة الوصول، دون خوف من العواقب السلبية. كما ينبغي ألا يكون ذلك ذريعة للموظف لتمرير كل ما قد يواجهه أو يسبب ضغطاً عليه إلى مديره المباشر. في الواقع يكمن الحل في إيجاد النقطة الوسط، أي بتحقيق توازن بين الانفتاح الكامل وبين الحفاظ على حدود صحية في بيئة العمل، وهو ما يتضمن:
- وضع حدود واضحة: ينبغي للمدير توضيح متى وكيف يمكن للموظفين التواصل معهم، بما يقلل المقاطعات العشوائية مع الحفاظ على سهولة التواصل. على سبيل المثال، تحديد ساعات محددة للوصول المفتوح أو استخدام مواعيد أسبوعية محددة لمناقشة الأمور، مثل اجتماعات فردية أسبوعية أو جلسات مراجعة دورية.
- تمكين الموظفين من حل المشكلات: على المدير تعزيز ثقافة الاستقلالية وتشجيع الموظفين على طرح الحلول المحتملة قبل المشكلات، فبدلاً من قول "الجؤوا إلي في كل مشكلة"، يمكنه أن يسأل: "ما الحلول التي فكرتم بها؟"؛ يعيد هذا الأسلوب المسؤولية إلى الموظفين، ويشجعهم على الاستقلالية مع الاستمرار في تقديم الدعم، بحيث يستخدم الموظفون سياسة الباب المفتوح باعتبارها ملاذاً أخيراً.
- استخدام قنوات اتصال متعددة: توفر رسائل البريد الإلكتروني وتطبيقات المراسلة وسائل تواصل بديلة، بما يسهل الاستفسارات البسيطة دون التسبب بمقاطعة المدير وتشتيت انتباهه واستنزاف طاقته. كما يوفر وقتاً للتفاعل المباشر مع القضايا ذات الأولوية.
- إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية: يجب على المدراء والموظفين، على حد سواء، مراقبة طاقاتهم البدنية والذهنية والعاطفية وتنظيمها. يشمل ذلك أخذ فترات راحة، وممارسة إدارة التوتر، وخلق بيئة عمل داعمة.
- المراقبة والتعديل بانتظام: تزداد فعالية الإدارة من خلال حلقات التغذية الراجعة، وذلك من خلال تقييم المدير لتأثير سياسات الإدارة دورياً في طاقته وديناميكيات فريقه، وأن يكون على استعداد لتعديل الممارسات وفقاً لذلك.
- الوقوف على مسافة واحدة من الجميع: يشير المعالج النفسي أسامة الجامع إلى أن بيئة العمل قد تمتلئ باللوبيات والتحزبات والاصطفافات، وهنا تبرز أهمية أن يقف المدير على مسافة واحدة من الجميع. ومن هذا المنطلق، عليه أن يركز على تطوير فريقه وتحقيق الأهداف دون مجاملة على حساب الحقوق، وفي الوقت نفسه يتجنب الصدام المباشر، فيمارس المرونة ويضبط مشاعره ليحافظ على توازن العلاقات داخل الفريق.