يلفت انتباهي منذ سنوات طويلة قبل قراءة أي كتاب حجم مبيعاته الذي عادة ما يتفاخر به الكتاب ويضعونه على الغلاف، لذا يمكن القول إن كتاب "نظرية دعهم يفعلون"، الذي سنتحدث عنه في مقالنا هو من أكثر الكتب التي توقفت عندها؛ فقد تجاوز عدد النسخ المبيعة منه خمسة ملايين نسخة ليتصدر قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعاً، إلى جانب العديد من القوائم الشهيرة الأخرى.
محتويات المقال
الكتاب من تأليف مقدمة البودكاست والمحاضرة التحفيزية الأميركية ميل روبنز التي نشرت كتباً أخرى نالت الاهتمام مثل: "توقف عن قول أنا بخير"، و"قاعدة الخمس ثواني"، و"اطرد الخوف وسيطر على حياتك"، وفي كتابها "نظرية دعهم يفعلون" تطرقت إلى فكرة مهمة وهي أن تسمح للآخرين من حولك بأن يفعلوا ما يحلو لهم، وتتوقف عن محاولة قولبتهم وفق ما تريد، أي باختصار تركز على المتاح لك فعله لتحسين وضعك، وتكف عن محاولات الإصلاح غير المجدية التي تتعدى حدودك.
ويضيف استشاري الطب النفسي طارق الحجاوي أن "نظرية دعهم يفعلون" قابلة للتطبيق في شتى مناحي الحياة، مثل العلاقات بمختلف أنواعها والحياة المهنية، فهي ترتكز على أن الشخص لا يستطيع تغيير تصرفات الطرف الآخر لكنه يستطيع تغيير سلوكه تجاهه، وحتى نتعمق أكثر في فهم هذه النظرية سنتطرق في السطور القادمة إلى آراء علماء النفس فيها، ونستعرض بعض الخطوات العملية التي تجعلها قابلة للتطبيق في حياتنا اليومية.
كيف يرى علماء النفس نظرية دعهم يفعلون؟
تتجاوز "نظرية دعهم يفعلون" حدود أنها فكرة عابرة جرى تدوينها في كتاب، فهي تعد تقنية حاضرة في جلسات المعالجين النفسيين، ومنهم المعالج مايك فيرانو الذي يوضح أن الكثير من عملائه الذين قابلهم على مدار سنين حياته المهنية كانوا يشتكون من عجزهم وعدم قدرتهم على تغيير الأشخاص أو الأحداث الخارجة عن سيطرتهم.
لذا يوضح فيرانو أن مفهوم التخلي حينها هو ما يجدي نفعاً، ويضرب مثلاً معبراً بأنه في حال قذفك أحد الأشخاص بحجر ساخن هل ستمسك به أم ترميه بعيداً عنك؟ الإجابة ستكون الأخيرة بالطبع، لذا ليس من المنطقي أن تمسك بما يؤلمك وتحاول معالجته، فهذا ببساطة سيحرقك.
ويتابع المعالج النفسي مشيراً إلى أن "نظرية دعهم يفعلون" تسمح لنا بأن نترك الآخرين على سجيتهم، وفي الوقت نفسه نكون نحن كذلك على سجيتنا، لذلك فهي تمدنا بالراحة وتزيد قدرتنا على ضبط أنفسنا بدلاً من محاولاتنا لإجبار الآخرين على الانصياع لما نريد.
ناحية مهمة تشتبك مع حديث فيرانو تشرحها المختصة النفسية جاكلين بولش، وهي أننا في حال تمسكنا بشدة بتوقعاتنا حول الكيفية التي سيتصرف بها من حولنا معنا، سنكون بذلك قد مهدنا الطريق لإصابتنا بالإحباط وخيبة الأمل؛ إذ إننا لا نستطيع التحكم في تصرفات الآخرين لكن يمكننا التحكم في ردود أفعالنا تجاهها.
وهناك نقطة توضيحية فاصلة حول النظرية تطرحها المختصة النفسية نيام ديلمار؛ وهي أنها لا تعني اللامبالاة أو أن يسمح الشخص للآخرين باستغلاله، لكنها تعكس الوعي الشخصي بالمواضع التي يضع فيها الشخص طاقته، والتفرقة بين الأمور التي يمكنه العمل على تحسينها والأمور الخارجة عن إرادته أو التي لا جدوى من تحسينها، وعندما يصل الشخص إلى هذه المرحلة من التوقف عن توقع التغيير سيجد أن شعوره بالحرية قد ازداد، وستكون نظرته للحياة واقعية وعملية أكثر، ففي النهاية هو لا تقع عليه مسؤولية إصلاح الآخرين أو استرضائهم أو التحكم بهم.
لكن "نظرية دعهم يفعلون" مثلها مثل أي نظرية قد تتعرض للانتقادات التي من أهمها، حسب المختصة الاجتماعية ليلي ثروب، أنها قد تبالغ في تبسيط المشكلات المعقدة؛ فالعلاقات في الحياة الواقعية ليست بهذه السطحية، وبالأخص علاقاتنا مع أفراد عائلتنا أو شركاء حياتنا، لذا يتطلب الأمر عملاً أعمق لفهم الصراعات التي تتضمنها تلك العلاقات، والتعرف إلى نمط استجابتنا تجاهها ومن ثم العمل على تغييره.
إلى جانب أن النظرية ربما تعد مدخلاً للتجنب، بأن يتخذها البعض ذريعة للهروب من المحادثات الصعبة أو الخلافات الصحية، وبالتالي ينتج عن ذلك عدم إيجاد حلول للمشكلات، وكتمان المشاعر والاحتياجات الحقيقية.
أيضاً يوجد عيب مؤثر آخر، وهو أن أسلوب "دعهم يفعلون" لا يفيد في تجاوز الكثير من الصدمات الناتجة عن الإساءات العاطفية أو العلاقات السامة، فهناك آليات أخرى مساعدة مثل وضع الحدود الصارمة والالتزام بخطة طويلة الأمد للتعافي.
اقرأ أيضاً: هل سمعت عن نظرية سيارة الأجرة؟ اكتشف تأثيرها في علاقتك العاطفية
5 إرشادات عملية لتطبيق "نظرية دعهم يفعلون" في حياتك اليومية
حسناً، بعدما استعرضنا الجانب المعرفي للنظرية حان وقت الانتقال إلى الجانب العملي، لذا إليك مجموعة من الإرشادات الفعالة التي ستساعدك على أن تجعل "نظرية دعهم يفعلون" حاضرة في كل يوم من أيامك:
- لاحظ نفسك عندما تشعر بالإحباط أو خيبة الأمل نتيجة أمور خارجة عن إرادتك، مثل سلوك أو مشاعر شخص ما، أو جراء عدم قدرتك على أن توجه الأحداث وفق رغبتك الشخصية.
- اجعل دائماً تركيزك منصباً على ما يدور بداخلك وما تفعله، وبدلاً من أن تتساءل: لماذا فعل هذا الشخص ذلك معي؟ فكر: ما هي أفضل طريقة للتصرف مع ما قام به تجاهي، إذ إن توجيه طاقتك نحو ما يمكنك التحكم به سيجعلك تحظى بالسلام النفسي.
- حاول أن تتقبل الناس كما هم لا كما تريدهم أن يكونوا، وتشمل هذه القاعدة أفراد عائلتك وأصدقاءك وشريك حياتك وزملاء عملك، فأن يكون شخص ما ليس وفق ما نريد تماماً لا يعني أنه شخص سيئ، هو فقط ربما يكون مختلفاً عنك وهذا طبيعي، فنحن لدينا سمات شخصية وعيوب بدرجات مختلفة، المهم أن تعرف هل بإمكانك التعايش معها أم لا.
- توقف عن تبرير دوافعك للآخرين في محاولة أن يفهمك الجميع بنسبة 100% ويتفقوا معك، ولا تهدر جهدك في إرضاء شخص ما، افعل فقط ما تراه مناسباً ويرضي ضميرك.
- تذكر في كل صباح أن هذه حياتك فعليك أن تكون مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة؛ إذ لا يوجد بطل خارق سيأتي لإنقاذك؛ وجه دفة مركبك نحو الاتجاه الأفضل لك، وتوقف عن انتظار أن يمد الآخرون أياديهم لدفعك نحو ذلك الاتجاه.
اقرأ أيضاً: ما هو القبول الجذري؟ وكيف يفيدك في تجاوز ما يؤلمك؟