دراسة جديدة تحذر من اقتناء الطفل هاتفاً ذكياً قبل سن 13 عاماً

4 دقيقة
منح الهواتف الذكية للأطفال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

في أحد التجمعات العائلية، كانت ابنة أخي ذات السنوات التسع ملتصقة بهاتفها الذكي، بالكاد ترفع نظرها. سمعت ضحكتها على فيديو قصير على يوتيوب، وبعد بضع دقائق، لاحت علامات الإحباط على وجهها بينما هي تتصفح. ما بين هاتين الحالتين راودتني بعض التساؤلات: هل ما تمر به صحي؟ وما هو الوقت المناسب لإعطاء الطفل هاتفاً ذكياً شخصياً؟

إن كنت أباً تراوده تساؤلات ومخاوف مشابهة، فإن دراسة حديثة تجيبك: لا تعط طفلك هاتفاً ذكياً حتى يبلغ 13 عاماً على الأقل. الأمر لا يتعلق بالصرامة المفرطة أو معارضة التكنولوجيا، بل بحماية الصحة النفسية للطفل ونمو دماغه ومستقبله خلال سنوات تكوينه الأولى.

اقرأ ايضاً: كيف تضر الهواتف الذكية بصحة أبنائك النفسية؟ وماذا تفعل لتقيهم منها؟

كيف يؤثر امتلاك الطفل هاتفاً ذكياً قبل بلوغه 13 عاماً في صحته النفسية؟

لدراسة تأثير استخدام الهواتف الذكية في سن مبكرة، فإن الدراسة الحديثة المنشورة في "مجلة التنمية البشرية والقدرات" تابعت الجيل زد Z، المولود بين عامي 1997 و2012، باعتباره أول جيل نشأ مع الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ الطفولة المبكرة.

اعتمدت الدراسة على تقارير ذاتية في استطلاع رأي شمل 100 ألف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً من مختلف الثقافات واللغات حول العالم، وتوصل الباحثون إلى وجود ارتباط بين تراجع الصحة النفسية واقتناء هاتف ذكي قبل سن 13، إذ كلما قل عمر امتلاك الفرد للهاتف الذكي عن سن 13 عاماً أكثر، كانت صحته النفسية أكثر تراجعاً، حيث انخفضت درجة مقياس الصحة النفسية من 30 لمن اقتنوا هواتف ذكية في سن الثالثة عشرة، إلى درجة 1 فقط لمن اقتنوا هواتف ذكية في سن الخامسة.

لا يقتصر الأمر على قضاء وقت إضافي أمام الشاشات أو تفويت بعض مواعيد اللعب، بل كانت التأثيرات بعيدة المدى، فقد عانى الشباب البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، واقتنوا هواتف ذكية قبل سن 13 عاماً، من الأفكار الانتحارية والعدوانية والاضطراب العاطفي والانفصال عن الواقع والهلوسة.

على وجه التحديد، تضاءل على نحو ملحوظ لدى الأفراد الذين حصلوا على هاتف ذكي في سن أصغر من 13 عاماً:

  • عند الإناث: صورة الذات وتقديرها والثقة والمرونة العاطفية.
  • الذكور: الاستقرار والهدوء وصورة الذات وتقديرها والتعاطف.

تتوافق هذه النتائج مع رأي مختصة الطب النفسي للأطفال والمراهقين، منى سعيد الشكيلية، حيث كانت قد أشارت سابقاً إلى أن للأجهزة الذكية مخاطر صحية ونفسية واجتماعية على الأطفال، مثل تقليل ساعات نومهم، ومعاناتهم آلاماً في الرقبة والظهر وخمولاً جسدياً وفكرياً، وميلهم إلى العزلة الاجتماعية. والأهم أنهم قد يكونون أكثر عرضة للابتزاز الإلكتروني.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر إدمان المراهقين على الهواتف الذكية وكيف يمكن تلافيها؟

لماذا يسبب استخدام الهواتف الذكية في سن مبكرة كل هذا الضرر؟

يمكن تشبيه ما يحدث لطفل دون سن 13 عاماً منحه والداه هاتفاً ذكياً، بما يحدث له عند تسليمه مفاتيح سيارة رياضية قبل أن يتقن ركوب الدراجة. خلال مرحلة الطفولة، وخاصة بين سن 6 -13 عاماً، إذ يمر الدماغ بمرحلة نمو حاسمة، بما فيه القشرة الجبهية المسؤولة عن الوظائف التنفيذية، مثل التحكم في الانفعالات واتخاذ القرار وتنظيم الانفعالات. فهذه المرحلة تتشكل فيها المهارات الاجتماعية من خلال التفاعل في العالم الواقعي، ومهارات تنظيم المشاعر، ويتطور الانتباه والتركيز.

ما يعني أنه حين يمنح الطفل جهازاً ذكياً في هذه السن، فإنه يحصل على إشباع فوري وتحفيز عاطفي دائم، ويتعرض لتفاعلات اجتماعية لا يملك النضج الكافي لفهمها أو التعامل معها. وهكذا، يصبح هذا الجهاز عائقاً لنموه الطبيعي، بدلاً من أن يكون أداة للتعلم أو الترفيه.

وحسب نتائج الباحثين في الدراسة الحديثة، قد يكون السبب في تراجع الصحة النفسية للأشخاص الذي اقتنوا هواتف ذكية في سن مبكرة قبل 13 عاماً يتركز في العوامل التالية:

  • الوصول المبكر إلى وسائل التواصل الاجتماعي: في الواقع، إن منصات التواصل الاجتماعي مصممة لتستحوذ على الانتباه وتحفز إفراز الدوبامين (هرمون السعادة)، أي لتكون مسببة للإدمان. إلى جانب أنها تفرض على الشباب معايير جمالية غير واقعية، ومقارنات اجتماعية مستمرة، وضغطاً متواصلاً لرسم شخصية مثالية في العالم الافتراضي.

وحسب الدراسة، فإن الاستخدام المبكر لوسائل التواصل الاجتماعي يفسر ما يقارب 40% من التأثير السلبي الناتج عن امتلاك الهواتف الذكية في سن صغيرة على الصحة النفسية في مراحل لاحقة. وترتفع هذه النسبة إلى 70% في البلدان الناطقة بالإنجليزية، حيث يسهل على الأطفال الوصول إلى منصات التواصل في وقت مبكر.

  • المعاناة من اضطرابات النوم: يسبب الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، إلى جانب الإشعارات المستمرة وإغراء التمرير، إحداث فوضى في أنماط النوم. يسهم هذا العامل في نحو 12% من مشكلات الصحة النفسية الملحوظة لدى الشباب.
  • التنمر الإلكتروني: يمثل نحو 10% من الارتباطات السلبية بالصحة الذهنية، إذ تعد منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لهذا النوع من التنمر، في ظل غياب الرقابة وضعف المساءلة عن السلوكيات المؤذية.
  • ضعف العلاقات الأسرية: عندما يقضي الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات، تقل فرص التفاعل الحقيقي مع أفراد الأسرة، ما يضعف الروابط العاطفية ويؤثر في جودة التواصل والدعم الأسري.

اقرأ أيضاً: احذر! هاتفك الذكي يعبث بدماغك، فكيف تحد من تأثيره النفسي؟

5 خطوات عملية لحماية طفلك من تأثير الهواتف الذكية

في ضوء هذه النتائج المقلقة، يدعو الباحثون إلى تبني نهج وقائي يشبه ما يتبع مع المواد الضارة كالكحول والتبغ، عبر وضع قيود واضحة على استخدام الهواتف الذكية قبل سن الـ 13. فالمسؤولية لم تعد تقع على المؤسسات وحدها، بل تبدأ من البيت. إن كنت أباً أو أماً، فهذه بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لحماية نمو طفلك الذهني والعاطفي:

  1. إذا كان طفلك بحاجة إلى هاتف للأمان أو للتواصل، يمكنك منحه هاتفاً عادياً يسمح بالمكالمات والرسائل النصية، ولكنه يفتقر إلى الإنترنت والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي.
  2. تحدث إلى الطفل بكل صراحة عن الأضرار المحتملة للإفراط في استخدام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، وعن الحقيقة التي قد تخفيها الشاشات ودورها في نشر الصور النموذجية للآخرين.
  3. كن قدوة في ممارسة عادات الشاشة الصحية، فالطفل مرآة والديه ويتعلم من خلال مراقبتهما، فإذا كنت تستخدم هاتفك باستمرار، فسيستخدمه هو أيضاً بالطريقة نفسها.
  4. قيد وقت الشاشة، وضع حدوداً لاستخدام الأجهزة الذكية، خاصة خلال وقت العائلة وفي أثناء الوجبات وقبل النوم، أو خصص مناطق معينة في منزلك خالية من الأجهزة الذكية مثل غرف النوم.
  5. شجع الأنشطة البديلة: عزز النمو الصحي لدماغ طفلك بتشجعيه على ممارسة القراءة، واللعب في الهواء الطلق، والفنون الإبداعية، والرياضة، والتفاعلات الاجتماعية المباشرة.

المحتوى محمي