في عصر تتسارع فيه وتيرة العمل ويزداد فيه الضغط لتحقيق الإنجاز، يجد الكثيرون أنفسهم يلهثون خلف أهدافهم المهنية على حساب صحتهم النفسية. فقد أظهرت بيانات حديثة من مؤسسة غالوب أن 41% من الموظفين يعانون ضغوطاً نفسية يومية، فيما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن تدهور الصحة النفسية يؤدي إلى فقدان 12 مليار يوم عمل سنوياً، بتكلفة تبلغ نحو تريليون دولار من الإنتاجية المهدرة. كل هذا يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكننا أن نحقق النجاح دون أن ندفع صحتنا النفسية ثمناً له؟ الإجابة نعم، لكن بشرط أن نتعامل مع صحتنا النفسية بالجدية نفسها التي نتعامل بها مع إنجازاتنا المهنية.
محتويات المقال
1. لا تضع نفسك في المرتبة الأخيرة
الطموح المهني لا يعني إهمال النفس. كثيرون يبررون تجاهل راحتهم بأنهم "سيرتاحون لاحقاً" بعد تحقيق الأهداف. لكن الحقيقة أن الصحة النفسية تحتاج إلى صيانة مستمرة، وليس إلى عطلة مؤجلة. خصص وقتاً أسبوعياً لممارسة أنشطة تساعدك على الاسترخاء، كالرياضة أو المشي، وتذكر أن الإنجاز لا يكتمل دون توازن داخلي.
2. احم وقتك وحدودك
عندما تذوب الحدود بين العمل والحياة الشخصية، يبدأ التوتر بالتسلل تدريجياً. احرص على تحديد نهاية واضحة ليوم العمل، وامتنع عن تصفح البريد الإلكتروني أو الرد على الرسائل المهنية خارج أوقات الدوام. لا بأس في أن تقول "لا" عندما يطلب منك ما يفوق طاقتك.
3. تعرف إلى إشارات الإنهاك مبكراً
الإنهاك النفسي لا يحدث فجأة، فالمؤشرات تبدأ تدريجياً: صعوبة في النوم، أو تراجع في التركيز، أو فقدان الحافز، أو الشعور بالإرهاق المستمر. تجاهل هذه الإشارات قد يقود إلى الاحتراق النفسي أو حتى الاكتئاب. كن منتبهاً لجسدك ونفسك، وتحرك قبل أن يتفاقم الوضع.
4. مارس التأمل أو اليقظة الذهنية
أثبتت دراسات عديدة أن تمارين اليقظة الذهنية تقلل التوتر وتحسن القدرة على التركيز والتنظيم الانفعالي، ومن أجل ممارستها لن تحتاج لأكثر من عشر دقائق يومياً، وهناك تطبيقات كثيرة يمكن أن تساعدك، بعضها مجاني. هذه التمارين ليست رفاهية، بل أدوات وقاية.
5. اختر بيئة عمل تحترم إنسانيتك
إذا كنت تعمل في بيئة تستنزفك نفسياً، مهما بلغت مزاياها، فكر جدياً في تغييرها وابحث عن مكان عمل يدعم الموظفين، ويمنحهم مرونة في ساعات العمل، ويشجع على الراحة والشفافية. لا تقبل بثقافة تمجد "العمل حتى الإنهاك"، فهي طريق مختصر نحو الانهيار.
اقرأ أيضاً: نصائح عملية لدمج الذكاء العاطفي في أسلوبك القيادي
6. لا تخجل من طلب الدعم
من الطبيعي أن تمر بأوقات صعبة، أو تشعر بالإرهاق أو القلق. لا يعني ذلك أنك ضعيف أو فاشل، شارك مشاعرك مع شخص تثق به، سواء كان صديقاً أو زميلاً، أم مختصاً نفسياً، فأحياناً، مجرد الحديث بصدق يخفف العبء عنك على نحو مذهل.
7. أعد تعريف النجاح
هل النجاح بالنسبة لك يعني التقدم الوظيفي فقط؟ أم يشمل أيضاً الصحة، والعلاقات، والهدوء الداخلي؟ أعد النظر في مفاهيمك حول الإنجاز. النجاح الحقيقي هو ما يضيف لحياتك معنى، دون أن يستهلكك بالكامل.
8. توقف عن مطاردة الكمال
السعي للكمال يرهق النفس ويصيب صاحبه بالإحباط المستمر. كن واقعياً في تطلعاتك، واعترف بأن الأخطاء جزء من النمو. امنح نفسك مساحة للتعلم دون قسوة، واحتفل بالتحسينات الصغيرة لا بالنتائج الخارقة فقط.
وفي هذا السياق يرى المختص النفسي منصور العسيري أن اتصافك بسمة الكمالية لا يزيد نسب نجاحك في عملك كثيراً؛ فوفقاً له، وجدت الأبحاث العلمية أنه ليس ثمة ارتباط بين سمة الكمالية وجودة الأداء في العمل، ما يجعل الأشخاص الكماليين ليسوا أفضل من أقرانهم في العمل، بل ربما يكونون الأسوأ.
9. استفد من إجازاتك
الإجازات ليست دليلاً على الكسل، بل ضرورة لإعادة شحن طاقتك. احرص على أخذ فترات راحة منتظمة، حتى لو كانت قصيرة. ولا تستخدم وقت راحتك لإنجاز "عمل متأخر"، بل استخدمه لتغذية روحك بما تحب.
10. اعتن بجسدك
ما يؤثر في جسدك يؤثر في نفسيتك. لذلك احرص على النوم الكافي، وتناول الطعام المتوازن، وممارسة نشاط بدني منتظم؛ فالصحة النفسية والجسدية وجهان لعملة واحدة.
أخيراً، تذكر: لا يمكنك أن تواصل الجري نحو القمة إذا كنت تنزف من الداخل. صحتك النفسية هي الوقود الحقيقي لنجاحك المهني.
اقرأ أيضاً: كيف يعزز القادة راحة الموظفين ورضاهم دون إنفاق مبالغ طائلة؟