تحدثت إلى أحد أصدقائي في مساحة العمل التي أذهب إليها قبل عدة أيام فأخبرني أنه مستنزف نفسياً وجسدياً إلى حد كبير، وعندما سألته عن السبب أجابني: ألا ترى ما يدور حولنا في العالم من اضطرابات؟ وعندما تعمقت معه في الحديث اكتشفت أنه يتابع الأخبار على نحو شبه مستمر ليل نهار، لذا كانت النتيجة الطبيعية أن يشعر بحالة من عدم اليقين ورؤية الأمور أنها خرجت تماماً عن السيطرة، ولم يعد في الإمكان وضع أي خطة لإعادتها إلى مسارها الطبيعي.
محتويات المقال
والحقيقة أن صديقي ليس وحده فقبله بعدة أيام شارك معي صديق آخر معاناته في عدم قدرته على الإنتاجية نظراً للقلق الذي بات يسيطر عليه من مآل الأحداث الدائرة في المنطقة، وهنا يبرز إلى الواجهة سؤال مهم، هو: كيف يمكن لقائد فريق أن ينجح في الحفاظ على إنتاجية أفراد فريقه في ظل حالة عدم اليقين؟ وهذا ما سنجيب عنه في مقالنا بالتفصيل.
كيف يؤثر الشعور بعدم اليقين في الصحة النفسية والجسدية؟
على الرغم من أن عدم اليقين، وفقاً لمختص الإرشاد النفسي طارق العصيمي، يعد جزءاً لا يتجزأ من حياة الجميع، فإن بعض الأشخاص قد يجدون صعوبة نفسية عندما يشعرون به، فهم في هذه الحالة ينظرون للمجهول على أنه تهديد، وذلك في حد ذاته معالجة معرفية خاطئة.
وتفسر الطبيبة النفسية، كلير براندون، ذلك بأن الدماغ البشري مبرمج على السعي وراء القدرة على التنبؤ والتحكم، لذا فإنه في حالة مواجهة عدم اليقين يزداد نشاط اللوزة الدماغية بداخله وهي المسؤولة عن معالجة الشعور بالخوف، هذا النشاط يؤدي إلى حدوث استجابة القتال أو الهروب التي يترافق معها إفراز مواد كيميائية تسبب التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، وهي مواد تجهز الجسم للتعامل مع التهديدات المحتملة، لكن في حال استمرار الشعور بعدم اليقين فترة طويلة فإن حالة التأهب هذه تصبح ضارة، وقد تتحول إلى الإصابة بالقلق المزمن ونوبات الهلع.
أيضاً هناك جزء آخر ينشط في الدماغ وهو القشرة الجبهية المسؤولة عن اتخاذ القرارات وحل المشكلات، فعند مواجهة الوضع الغامض المرافق لعدم اليقين تحاول تلك المنطقة الدماغية تقييم المخاطر ووضع النتائج المحتملة، ومع قلة المعلومات قد يواجه الدماغ صعوبة في فهم الموقف وفي التعامل معه، ما يزيد الشعور بالقلق ويجعل من الصعب الوصول إلى حلول.
ترتبط النتيجة السابقة بالإصابة بالاكتئاب فالشك المستمر فيما يخبئه المستقبل قد يضعف الحافز لفعل أي شيء، ما يؤدي إلى الشعور بالتشاؤم والعجز، لذا تكثر الإصابة بالاضطرابات المزاجية خلال فترات عدم اليقين، ويزداد الطين بلة عندما يميل البعض إلى الانعزال عن محيطهم الاجتماعي.
ما سبق كان تأثير عدم اليقين في أدمغتنا وصحتنا النفسية، أما التأثير الجسدي فيتجلى في توتر العضلات نتيجة حالة اليقظة التي يدخل الجسم فيها معظم الوقت، وهذا يمكن أن يسبب الصداع وآلام الرقبة والظهر والشعور العام بالانزعاج، إلى جانب معاناة مشكلات الجهاز الهضمي مثل آلام المعدة أو الغثيان أو اضطراب الشهية، وذلك يرجع إلى أن المعدة يطلق عليها الدماغ الثاني، فهي شديدة الحساسية لمشاعر القلق والتوتر، إلى جانب ذلك تحدث الشكوى من اضطرابات النوم؛ فالقلق المستمر والتفكير المفرط المصاحب لعدم اليقين يضعفان جودة النوم بدرجة واضحة، وهذا يؤدي إلى الشعور بالتعب والانفعال وانخفاض التركيز ومن ثم يدخل الشخص في حلقة مفرغة تستنزفه نفسياً وجسدياً.
اقرأ أيضاً: 7 حلول فعالة تمدك بالأمل في فترات عدم اليقين
5 خطوات فعالة لتنجح في إدارة فريقك خلال فترات عدم اليقين
إذا نظرنا برؤية واقعية إلى إدارة الفرق خلال فترات عدم اليقين سندرك أنها مهمة صعبة؛ فالقائد خلال هذه المرحلة تصبح في مقدمة مسؤولياته أن يهدئ من روع العاملين معه ويوفر لهم ظروفاً تساعدهم على التركيز والإنتاجية، وحتى يتمكن من تحقيق هذه المهمة عليه اتباع مجموعة من الخطوات العملية، أهمها:
- اعرض لفريقك الرؤية الكاملة لمؤسستك خلال الفترة الحالية والحلول التي يمكن اللجوء إليها في حال تدهور الوضع أكثر، ووضح لهم في الوقت نفسه التطلعات الطموحة التي تسعون للوصول إليها، وهي معادلة صعبة لكنها ستمنح الأشخاص الذين يعملون معك الثقة في قيادتك، وتجعلهم ينظرون إلى مؤسستهم على أنها رائدة على الرغم من الصعوبات المحيطة بها.
- أطلعهم على التحديثات فور حدوثها قدر الإمكان حتى لا تترك لأدمغتهم مساحة للانطلاق نحو السيناريوهات السوداوية أو تخمين ما سيحدث بصورة عشوائية، ما قد يؤثر سلباً في تركيزهم وإنتاجيتهم.
- كن واعياً بأن أعضاء فريقك يتأثرون بمشاعرك، ما يعني أن ظهورك أمامهم بمظهر الشخص الهلوع المضطرب سيؤدي إلى خلل في مؤسستك، لذا حاول الحفاظ على رباطة جأشك وثقتك بنفسك لتوصل رسالة إلى العاملين معك مفادها أنك على مستوى يسمح لك بإدارة المواقف الصعبة بأفضل طريقة ممكنة، وهذا في الوقت نفسه لا يعني التفاؤل غير الواقعي فهناك فرق بينه وبين التحلي بالثقة لدفع الفريق إلى الأمام.
- ذكر العاملين معك بأن حالة عدم اليقين تستلزم اكتساب المرونة والقدرة على التكيف، وشجعهم على تقديم الحلول المبتكرة للتغلب على التحديات المتغيرة التي قد تظهر لكم، إلى جانب إنشاء فرق استجابة تتمتع بصلاحية اتخاذ قرارات سريعة دون الحاجة إلى موافقات مطولة حتى تتمكن من التعامل مع المواقف الطارئة دون تأخير.
- وفر بيئة عمل آمنة تسمح لأعضاء الفريق بالتعبير عن مخاوفهم دون قلق من الحكم عليهم، فهذا سيجعلهم يشعرون بالأمان النفسي؛ وهو عنصر شديد الأهمية خلال فترات عدم اليقين، كما سيكون من المفيد أيضاً الحديث معهم عن أهمية الاعتناء بصحتهم النفسية، وتشجيعهم على أخذ خطوات للرعاية الذاتية، مثل الحصول على إجازات للاسترخاء وتجديد طاقتهم.
اقرأ أيضاً: دليلك للنجاة بصحتك النفسية من الأزمات المالية