في اللحظة التي تستيقظ فيها من نومك، وتمسك هاتفك حتى تتفقد رسائلك، قد تشعر بتصاعد دقات قلبك، ورعشة يديك بينما تمرر أصابعك على الشاشة، إنه القلق؛ ذلك الشعور المتنامي بالخوف المستمر والتوتر، والذي يؤثر تأثيراً محورياً في حياتك اليومية، وينبثق من هذا الشعور، قلق العصر الحديث الذي يختبئ بمهارة خلف إشعارات تطبيقاتك، وينمو بقوة في ظل انتشار الأجهزة الذكية. والمفارقة الغريبة أن التكنولوجيا الحديثة أسهمت في تفاقم مشاعر القلق، وفي المقابل، يمكنها أيضاً إدارة قلقك، فكيف يحدث ذلك، وكيف تفهم طبيعة العلاقة المعقدة والمتشابكة بين القلق والتكنولوجيا الرقمية الحديثة؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
لماذا انتشر اضطراب القلق انتشاراً واسعاً خلال السنوات الأخيرة؟
تؤكد أستاذة الطب النفسي في الكلية الملكية للأطباء النفسيين، إيلين لوكهارت، أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في أعداد الأشخاص المصابين بالقلق، حيث تواجه خدمات الصحة النفسية صعوبة في إدارة الطلب المتزايد. ويعتقد المعالج النفسي، فيديريكو فيراريس، أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد من أهم أسباب انتشار القلق خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب الاعتماد المفرط على التفاعلات الافتراضية، ما يعوق تطوير المهارات الاجتماعية الأساسية. علاوة على ذلك، فإن الجيل الحالي مفرط التحفيز، وذلك لأن الاستخدام المفرط للشاشات يعزز إفراز هرمونات التوتر، ويزيد إثارة الجهاز العصبي المركزي، ومن ثم يصبح النوم مضطرباً وترتفع مستويات القلق والتوتر.
ومع تزايد استخدام التكنولوجيا الرقمية؛ يستمر التدفق المستمر للإشعارات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط النفسي للبقاء على اتصال رقمي، ما يؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والتوتر، وعادة ما تتفاقم تلك المشاعر بسبب فائض المعلومات، والتعرض المستمر للأخبار وخاصة تلك التي تركز على الأحداث السياسية والمؤلمة، ولهذا ينصح الطبيب النفسي، إبراهيم حمدي، بضرورة الانقطاع عن التكنولوجيا الرقمية لأن هذا يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية؛ وذلك من خلال تخفيف التوتر، وتعزيز جودة النوم، وتحسين التركيز والعلاقات الاجتماعية.
ويمكن القول إن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الرقمية الحديثة يؤثر تأثيراً كبيراً في صحتك النفسية، حيث يؤدي إلى:
- تغيير مسارات الدوبامين بصورة مشابهة للمواد المسببة للإدمان.
- إضعاف المادة الرمادية في المناطق التي تتحكم في الانفعالات.
- ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول، ما يجعلك في حالة من حالات التوتر المزمن.
- إضعاف الروابط في المناطق المسؤولة عن المعالجة العاطفية.
- انخفاض مستوى التركيز.
- اضطرابات النوم.
- التفقد القهري للإشعارات.
- صعوبات الانتباه في البيئات غير الرقمية.
- اضطراب صورة الجسم الناتجة عن الصور المفلترة والمعايير المستحيلة.
- قلق الأداء والرغبة المفرطة في تحقيق حضور مثالي عبر منصات التواصل الاجتماعي
- تدني احترام الذات بسبب المقارنة المستمرة مع أشخاص افتراضيين مثاليين.
وبالإضافة إلى انتشار التكنولوجيا الرقمية، توضح عالمة النفس، كارولين كينان، أن القلق أضحى أكثر انتشاراً من أي وقت سابق بسبب مجموعة من القضايا العالمية الخارجية الأوسع نطاقاً؛ مثل عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، وأزمة المناخ، والصراعات العالمية، إلى جانب ضغوط الحياة اليومية مثل أزمة غلاء المعيشة، وانعدام الأمن الوظيفي.
وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 قد انتهت، فإنها ما زالت تلقي بظلالها، حيث تبين أن لها آثاراً كبيرة وطويلة الأمد في الصحة النفسية، وذلك لأن فترات العزلة الاجتماعية الطويلة، وعدم اليقين، والروتين المضطرب خلال فترات الإغلاق خلق بيئة مثالية لاضطرابات القلق.
اقرأ أيضاً: الاكتناز الرقمي: ما الذي يمكن أن تفعله الفوضى الرقمية بصحتك النفسية؟
6 حلول رقمية لتخفيف معدل قلقك وتعزيز صحتك النفسية
أكدت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية الحدود في الصحة الرقمية خلال عام 2024 أن التكنولوجيا الرقمية تؤدي دوراً محورياً في تحسين الصحة النفسية، وخاصة أنها تتمتع بإمكانات كبيرة للوصول إلى الأفراد الذين يصعب الوصول إليهم، إما بسبب البعد وإما بسبب الوصمة الاجتماعية، وأضافت الدراسة أن الأدوات والحلول الرقمية تشمل تحسين الاسترخاء وتقليل مستويات القلق والتوتر.
وتشرح دراسة أخرى نشرتها دورية خدمات الطب النفسي أن التكنولوجيا والحلول الرقمية أدت إلى انخفاض أعراض القلق بنسبة 88% من التجارب العشوائية التي أجرتها الدراسة، وأوضحت نتائج الدراسة أن من أهم عوائق علاج اضطرابات القلق: العوامل الجغرافية، وتكاليف العلاج النفسي، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بتلقي العلاج. وقد أتاحت التطورات الحديثة في تقنيات التكنولوجيا الرقمية عبر الهواتف الذكية تجاوز بعض هذه العوائق من خلال توفير الرعاية عبر مسافات جغرافية وزمنية، ما يتيح رعاية خاصة ومريحة، ومن أهم حلول التكنولوجيا الرقمية التي يمكن استخدامها من أجل تخفيف القلق:
1. التكنولوجيا القابلة للارتداء
تسهم الأجهزة القابلة للارتداء التي تراقب الإشارات الفيزيولوجية، مثل معدل ضربات القلب، في مساعدة المستخدمين على زيادة وعيهم بمحفزات القلق، والتعرف إلى الاستجابات الفيزيولوجية، كما توفر بعض الأجهزة الرقمية تمارين تنفس موجهة للمساعدة في إدارة التوتر والقلق، وتعزيز الهدوء والاسترخاء.
2. تقنية العلاج بالواقع الافتراضي
ترتكز تقنية الواقع الافتراضي على العلاج بالتعرض، وخاصة لعلاج الرهاب واضطراب ما بعد الصدمة، وذلك من خلال إنشاء بيئات افتراضية متحكم بها، ويساعد هذا العلاج الأفراد على مواجهة مخاوفهم بأمان، وتعلم كيفية إدارتها، ومن خلال هذا العلاج يرتدي الشخص المصاب بالقلق نظارة طبية بمساعدة المعالج المتخصص، ومن خلالها يرى البيئة نفسها التي تصيبه بالخوف والقلق، ومع مرور الوقت يتعلم كيفية التعامل معها.
اقرأ أيضاً: اتبع هذه الخطوات العملية لتتخلص من السموم الرقمية
3. تتبع حالتك المزاجية من خلال بعض التطبيقات الرقمية
إذا كنت تعاني القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، لكنك غير مستعد لطلب المساعدة العلاجية من الطبيب النفسي المتخصص، يمكنك الاستعانة ببعض التطبيقات الرقمية من أجل تتبع حالتك المزاجية. على سبيل المثال، يتيح لك تطبيق مود باث أسئلة يومية لتتبع الحالة المزاجية حول أفكارك ومشاعرك 3 مرات يومياً على مدار أسبوعين، لفحصك بحثاً عن أعراض القلق والاكتئاب، كما يوفر التطبيق مكتبة تضم 150 فيديو وتمارين خاصة بالعلاج السلوكي المعرفي.
4. ركز على تعزيز جودة نومك
يتغذى القلق على شعورك الدائم بالإرهاق، والضغوط النفسية، ومشاكل العمل، لذلك وحتى تهدئ هذه المشاعر المتفاقمة، عليك الإحساس بالاسترخاء، والحصول على قسط كاف من النوم، ومن ثم استخدم تطبيق كالم الذي يساعدك على الاسترخاء والتركيز والنوم من خلال مجموعة واسعة من تمارين التأمل الموجهة، والموسيقى المحفزة على النوم، وحتى قصص ما قبل النوم.
5. استخدم الساعات الذكية من أجل مراقبة أعراض قلقك
حين يداهمك الشعور بالقلق يفرز جسمك هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، ويرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتتنفس بصورة أسرع، وتتوتر عضلاتك. ويمكن للتكنولوجيا القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية أن تتابع تلك التغيرات، كما يمكنها تتبع أنماط نومك وتقديم اقتراحات حول أفضل وقت للاستيقاظ والنوم، علاوة على ذلك فإنها تساعدك على اقتراح أنشطة اليقظة الذهنية مثل تقنيات التنفس، وتمارين الاسترخاء، والتأكيدات الإيجابية، وتذكرك بمواعيد تناول الأدوية أو حضور جلسات العلاج، ما يعني أنها تعد عوناً كبيراً في إدارة مشاعر القلق والتوتر.
6. مارس التأمل واليقظة الذهنية عبر بعض التطبيقات الرقمية
يبدو التأمل أمراً صعباً بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين قد يتساءلون عن كيفية الجلوس دون أن ينتابهم القلق، أو يتشتت عقلهم في أفكار مختلفة، ويمكن القول إن ممارسة التأمل تساعدك على تنظيم أفكارك وتهدئة عقلك، بالإضافة إلى تقليل حدة القلق والتوتر، ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتأمل، ويمكنك إرساء هذه العادة الإيجابية بسهولة من خلال تطبيقات هاتفك المحمول، وذلك مثل تطبيق هيد سبيس.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم محو الأمية الرقمية في تعزيز الصحة النفسية؟
لكن ينبغي التنبيه أن ثمة بعض المخاوف من تلك الحلول الرقمية خصوصاً فيما يتعلق بمشاكل أمن البيانات وتسريبها، والموثوقية فيما يخص الأعراض الجسدية، والاعتبارات الأخلاقية المتعلقة بالصحة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهوس بتتبع أعراض القلق وأنماط النوم قد يفاقم قلقك أكثر، ويمكن لقضاء الكثير من الوقت على تلك التطبيقات أن يرفع مستوى القلق الرقمي، لذلك احرص جيداً على التوازن في استخدام الحلول الرقمية.