يمكن وصف التوقعات في العمل بأنها سلاح ذو حدين؛ فهي يمكن أن تصبح أداة لتحسين الإنتاجية وتطوير الأداء، لكنها في الوقت نفسه عندما تزيد على حدها، تتحول إلى مصدر للضغط على الموظفين، وتتسبب في إصابتهم بالإحباط، وخيبة الأمل في كثير من الأحيان، وشعورهم بأن الوضع خارج عن السيطرة، لذا سنتعرف من خلال هذا المقال إلى التأثير النفسي لضغط التوقعات المهنية، والكيفية التي يمكننا من خلالها التعامل معه حتى نتجنب ضرره.
محتويات المقال
ما هي الأمثلة على التوقعات العالية في العمل؟
ربما لا يكون مصطلح "التوقعات العالية في العمل" واضحاً عند البعض، لذا إليك عدة أمثلة لشرحه:
- مواجهتك أعمالاً مرهقة للغاية؛ مثل طلب مديرك منك إنجاز عدد كبير من المهام في وقت قصير، وتكرار هذا الموقف خلال فترة قصيرة.
- إسناد مهام عمل إليك خلال أيام الإجازة أو خارج أوقات الدوام.
- طلب الالتزام بمواعيد تسليم غير واقعية في الفترات التي تعاني فيها الشركة نقصاً في الموظفين.
- عدم توضيح تفاصيل المهام بوضوح وتوقُّع تسليمها على أتم وجه.
اقرأ أيضاً: ما هو تأثير بجماليون؟ وكيف يساعد على تحسين أداء الطلاب أو الموظفين؟
كيف يؤثر ضغط التوقعات العالية ببيئة العمل في صحتك النفسية؟
التوقعات العالية ليست أمراً سلبياً على الدوام، إذ يمكن أن تكون بمثابة أدوات تحفيزية تدفعك نحو تحقيق أهدافك، وتكون بمثابة خارطة طريق، ومقياس من أجل معرفة مقدار نموك المهني، لكن الجانب السلبي لتلك التوقعات يظهر جلياً حينما تتجسد في صورة ضغط مستمر لا يتوقف، ففي هذه الحالة يمكن أن تؤدي إلى:
1. الإصابة باضطرابات الصحة النفسية
تُسبب التوقعات العالية مع مرور الوقت الإصابة ببعض اضطرابات الصحة النفسية، مثل القلق والاكتئاب، ونوبات الهلع، والانهيارات النفسية والعاطفية، خاصة حين يُدفع الموظفون إلى أقصى حدودهم النفسية والجسدية، ولا يصبح لديهم قدرة على تحمّل المزيد من العمل.
2. الخوف الدائم من الفشل وخيبة الأمل
حين تعمل في مؤسسة تضع عليك توقعات عالية ستشعر دوماً بالخوف من الفشل، وذلك بسبب قلة مساحة الخطأ أو انعدامها، إذ ستسعى دوماً إلى إرضاء المدير وتكون حريصاً على عدم ارتكاب الأخطاء حتى لا تصيبه بخيبة أمل، وهذا الوضع لا يُمثل علاقة مهنية صحية؛ إذ يصبح المكتب مكاناً للخوف، والمشاعر السلبية.
3. انخفاض الإنتاجية
الإرهاق الذي سيصيبك جراء التوقعات العالية، ومن بعده الاحتراق النفسي، سيؤثر سلباً في قدرتك على الإنتاجية، وهذا التأثير لن يطالك وحدك، لكنه سيمتد إلى المؤسسة التي تعمل بها.
4. معدلات دوران عالية للموظفين
قد يترك الموظفون الذين يعانون إرهاقاً مستمراً وظائفهم في النهاية، وهذا لا يؤثر في معنويات فريق عملك فحسب، بل يزيد أيضاً تكاليف التوظيف والتدريب للشركات.
5. ضعف التوازن بين العمل والحياة الشخصية
في كثير من الأوقات، قد تؤدي التوقعات العالية إلى طمس الحدود بين وقت العمل والحياة الشخصية، خاصة حين تشعر بضرورة بقائك من أجل العمل، حتى بعد انتهاء عدد ساعاته، ما يعني أنك لا تملك الوقت للاسترخاء، وهذه الحاجة المستمرة للوجود على الإنترنت، إلى جانب التوقعات العالية في العمل، غالباً ما ستدفعك إلى التخلي عن وقتك الشخصي ورفاهيتك من أجل النجاح في حياتك المهنية.
6. المشكلات الصحية
يمكن أن تؤدي التوقعات العالية إلى الإصابة بالإرهاق، والذي بدوره يسهم في حدوث حالات صحية خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وضعف جهاز المناعة؛ حيث ترتفع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول عند التعرض للتوتر فترات طويلة، ما قد يؤدي إلى حدوث مشاكل صحية طويلة الأمد، هذا بالإضافة إلى معاناة آلام الصداع وأوجاع الرقبة والظهر.
اقرأ أيضاً: الصحة النفسية للموظفين في خطر! كيف تنقذ نفسك؟
9 نصائح تساعدك على التعامل مع ضغط التوقعات العالية في بيئة العمل
تزداد بيئات العمل عالية الضغط شيوعاً، وتتسم بعدة تحديات مثل ضيق المواعيد النهائية، والتوقعات العالية وغيرها، وحتى تتعامل مع ضغط التوقعات العالية، اتبع النصائح التالية:
1. تدرَّب على وضع الحدود وتطبيقها
إذا شعرت بأنك تواجه توقعات عالية غير واقعية في العمل، فحاول التدرُّب على وضع الحدود وتطبيقها باستمرار؛ على سبيل المثال، إذا طلب منك مديرك تولي مشروع إضافي لا يمكنك إنجازه ضمن إطار زمني معقول، فأبلغه بأنك لن تستطيع ذلك، وساعده على وضع خطة بديلة لتنفيذ المشروع، إذ يمكن أن تساعد هذه الممارسة مديرك على فهم حدودك بصورة أفضل، ما يتيح لك النجاح في أداء مهامك.
2. حدّد أولويات مهامك ونظّمها
تُعد الإدارة الفعّالة للوقت أمراً بالغ الأهمية في بيئات العمل عالية الضغط، على سبيل المثال، يمكنك البدء بتحديد مهامك الأهم وترتيبها وفقاً لذلك؛ استعن ببعض الأدوات مثل قوائم المهام، وبرامج إدارة المشاريع، وتطبيقات التقويم حتى تحافظ على تنظيم مهامك، ومن خلال تقسيم المشاريع الكبيرة إلى أجزاء يسهل التحكم بها، يمكنك تقليل الشعور بالإرهاق والتركيز على مهمة واحدة قبل الانتقال إلى أخرى.
3. حلل دوافع مديرك
عندما تحس بالإرهاق من توقعات مديرك في العمل منك، حاول أن تأخذ وجهة نظره في الاعتبار، ماذا لو كان لا يملك أي نوايا سيئة، وكل ما في الأمر أنه ببساطة لا يفهم مشاعرك، ولا يعرف أنك مضغوط، بل قد يكون مؤمناً بشدة بقدراتك، وقد يساعدك فهم موقفه على تقبُّل وجهة نظره، وابتكار طرق لجعل توقعاته أكثر قابلية للتحقيق بالنسبة لك.
4. اطلب المساعدة من زملائك في العمل
يمكن أن يساعدك التعاون على تجاوز ضغط توقعات العمل العالية، ولهذا إذا كنت تواجه موعداً نهائياً قريباً أو لا تستطيع التعامل مع مهام كثيرة مرتبطة بأحد المشاريع، فاطلب المساعدة من زملائك في العمل لتحقيق أهدافك، حتى تحافظ على مستوى طاقتك وتقلل مستويات قلقك وتوترك.
اقرأ أيضاً: 5 علامات جسدية ونفسية تؤكد أنك تعمل في بيئة سامة
5. تحدث إلى مديرك وقدِّم ملاحظاتك
إذا شرح لك المدير وجهة نظره وعلى الرغم من ذلك ما زالت تشعر بضغط التوقعات العالية، ففي هذه الحالة من المهم التواصل معه مرة أخرى، لإيجاد حلول وإبلاغه بمخاوفك، يمكن للمدير الاستماع إليك، وتقديم رؤى أو حلول مفيدة لتخفيف ضغط التوقعات العالية، وفي أثناء التواصل، حافظ على الاحترافية، وانتهز الفرصة للتواصل بفعالية دون أن تبدو متذمراً، يمكنك تقديم اقتراحات لمساعدة مديرك على معرفة أنك تبحث عن حلول، وقدّر أي جهود يبذلها المدير لتخفيف الضغط.
6. اتخذ خطوات جادة للحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة
يُعد الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة أمراً أساسياً من أجل تعزيز صحتك النفسية، وأداء مهامك في العمل بصورة أفضل. وأحد أعمدة هذا التوازن الصحي؛ هو تخصيص وقت لنفسك حتى تتمكن من الاسترخاء والتخلص من التوتر؛ لذلك، تأكد من جدولة وقت للعناية بنفسك، أو أخذ إجازات، ووضع حدود واضحة لقدرتك على العمل خلال هذه الفترات.
7. حسّن التواصل في بيئة العمل
التواصل الفعال ضروري لتقليل التوتر والإرهاق في مكان العمل، ولهذا تأكد من التواصل بوضوح وانفتاح مع زملائك ورؤسائك؛ عالج أي خلافات أو سوء تفاهم على الفور لمنع تفاقمها. وعلى الجانب الآخر، يجب أن يدرك مديرك أهمية توفير بيئة عمل داعمة. وفي هذا السياق، يوضح مختص علم النفس التنظيمي، يزيد الشميمري، أن جودة البيئة المهنية ليست رفاهية، بل هي أساس وركيزة للإنتاجية والاستقرار النفسي، وذلك لأن البيئة الداعمة تُخرج أفضل ما في الموظف، وتحميه من الاحتراق النفسي والإحباط.
8. طوّر مهارات حل المشكلات
يُمكن أن يُساعدك تحسين مهاراتك في حل المشكلات على إدارة ضغط التوقعات العالية بفعالية أكبر، وعند مواجهة موقف صعب، تأنَّ وحلل المشكلة، حدّد الحلول المُحتملة، وفكّر في إيجابيات كل خيار وسلبياته قبل اتخاذ أي قرار.
9. تعاطف مع نفسك
مارس اللطف مع نفسك حتى لو لم تنجح في تلبية ضغط التوقعات العالية، وعلى الجانب الآخر، تقبّل أن عدم الكمال جزء من طبيعتك البشرية، وهو ما يجعل كل شخص فريداً وأصيلاً، وفي رحلتك مع حب ذاتك حاول تعزيز مرونتك بتطبيق ممارسات مثل اليقظة الذهنية أو التأمل.