كيف تتجنب انخفاض ثقتك بنفسك عند إصابتك بالقلق أو الاكتئاب؟

4 دقيقة
انخفاض الثقة بالنفس
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

خلال أحد الأيام الماضية، كنت أجلس في زاوية مقهى مزدحم، أمسك بكوب القهوة الساخن، وأنظر بعينين تائهتين إلى انعكاس وجهي في زجاج المكان، لأهمس لنفسي بعدها في صمت "يبدو وجهك شاحباً جداً، لماذا خرجتِ من البيت، لا بد أن رواد المقهى ينظرون إليكِ بشفقة" لم تكن هذه مجرد لحظة عابرة من انخفاض الثقة بالنفس أو الشك الذاتي، بل كانت حصيلة سنوات من الحوار الداخلي القاسي، فأصبحت نوبات القلق رفيقة أيامي، ثم جاء الاكتئاب بظله الدائم حتى يطمس ألوان الحياة.

جدير بالذكر أن ثمة علاقة متشابكة ومعقدة بين القلق والاكتئاب وانخفاض الثقة بالنفس، حيث كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها كلية لندن الجامعية (University College London) ونشرتها مجلة نيتشر (Nature) في فبراير/شباط 2025 عن السبب الذي يجعل الأفراد المصابين بالقلق والاكتئاب يعانون انخفاض الثقة بالنفس بصورة مستمرة، فكيف تتشكل هذه العلاقة؟ وكيف تتجنب تأثيرها؟ الإجابة عبر المقال.

دراسة بحثية: المصابون بالاكتئاب تقل ثقتهم بأنفسهم على الرغم من جودة أدائهم! 

أوضحت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن المصابين بالقلق والاكتئاب يستمدون ثقتهم بأنفسهم من خلال تركيز انتباههم على المهام التي يؤدونها بجودة أقل، وذلك بدلاً من التركيز على المهام ذات الأداء المرتفع، ومن أجل فهم كيفية تقييم المشاركين في الدراسة لأنفسهم، طلب منهم الباحثون الانخراط في لعبة فيديو من خلال أداء بعض المهام الزراعية في قرية مُتخيَّلة.

وتتطلب هذه المهام رؤية دقيقة بالإضافة إلى ذاكرة قوية، وذلك للتمييز بين أنواع الفاكهة المختلفة وتذكّر موعد قطفها، ثم طُلب من المشاركين الإبلاغ عن ثقتهم بأدائهم، ففي نهاية كل جلسة من اللعبة، كان عليهم إبلاغ الباحثين عن مدى اعتقادهم بجودة أدائهم خلال الجلسة بأكملها، أي ثقتهم بأدائهم العام.

ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون أعراض قلق واكتئاب لم يختلف أداؤهم في الألعاب عن الذين لا يعانون القلق والاكتئاب، وعلى الرغم من ذلك، فالمصابون بالقلق والاكتئاب كانوا يميلون إلى تجاهل المهام التي أدّوها على أكمل وجه داخل اللعبة، والتركيز بدلاً من ذلك على المهام ذات الأداء المتوسط.

يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، سوشاريت كاتيال (Sucharit Katyal)، أن النتائج التي توصلت لها الدراسة تقدم رسالة بسيطة لكنها قوية، هي أن المعتقدات الذاتية السلبية المستمرة التي يعانيها المصابون بالقلق والاكتئاب غالباً ما تكون وهمية، وقد تكون متجذرة بسبب نظرة مختلة لكيفية تقييمهم لأنفسهم، وهذا يُفسر ارتباط أعراض القلق والاكتئاب ارتباطاً وثيقاً بمتلازمة المحتال، إذ يشكك المصابون باستمرار في إنجازاتهم على الرغم من كفاءتهم.

اقرأ أيضاً: كيف تفرّق بين احترام الذات والثقة بالنفس؟

لماذا قد يؤدي القلق والاكتئاب إلى انخفاض الثقة بالنفس؟

تؤكد المختصة النفسية، كريستال فريزر (Crystal Frazier)، أن ثقة المرء بنفسه تتجسد في قدرته على مواجهة تحديات الحياة والتغلب عليها، وثقته بأنه يستحق الحب والإنجاز والنجاح والفرح والسعادة، وعادة ما يحدث انخفاض الثقة بالنفس عندما يشعر الفرد بعدم الاستعداد لمواجهة تحديات الحياة العادية، وتضعف ثقته بنفسه وبقدرته على الإنجاز، ويخشى التعبير عن أفكاره ورغباته.

ويمكن أن يؤثر انخفاض الثقة بالنفس تأثيراً محورياً في حياتك الشخصية والاجتماعية والمهنية، ومع مرور الوقت، يُضعف جودة حياتك. على سبيل المثال، حين تحس بانخفاض الثقة في نفسك، سوف تتجنب مواقف الحياة المختلفة، وتتوقف عن تجربة أشياء جديدة، ما يعزز الشك الذاتي وأساليب التكيف غير الصحية، ومن ثم، فإن العيش مع تدني الثقة بالذات فترة طويلة يدمّر صحتك النفسية، ويؤدي إلى الإصابة ببعض الاضطرابات مثل القلق والاكتئاب.

على الجانب الآخر، فإن الاكتئاب اضطرابٌ مزاجي يؤثر في رؤيتك لنفسك، وقد يجعلك تحس بانعدام القيمة واليأس، ما يعني أن الاكتئاب يتغذى على انخفاض الثقة بالنفس، والعكس بالعكس؛ إنها حلقة مفرغة، حيث يؤدي الاكتئاب إلى تآكل الثقة بالنفس، ويسبب انخفاض الثقة بالذات الإصابة بالاكتئاب.

10 علامات تؤكد معاناتك انخفاض الثقة بالنفس 

على الرغم من أن انخفاض الثقة بالنفس ليس اضطراباً نفسياً، فإنه يؤثر تأثيراً قوياً في مشاعرك وأفكارك وأنماط سلوكك، وهذه هي أهم علاماته:

  1. المقارنة السلبية مع الآخرين.
  2. مواجهة صعوبة في طلب المساعدة.
  3. الحديث السلبي إلى الذات.
  4. الخوف من الفشل، وسرعة الاستسلام قبل بذل جهد حقيقي.
  5. انعدام الحدود الشخصية.
  6. السعي المفرط إلى إرضاء الآخرين.
  7. صعوبة تقبّل التعليقات الإيجابية.
  8. الشعور بالعجز.
  9. الحساسية الشديدة للنقد، سواء من الآخرين أو من نفسك.
  • عدم الرغبة في الوجود مع الآخرين.

اقرأ أيضاً: لماذا تزيد الثقة بالنفس جمالك في عيون الآخرين؟

اتبع هذه النصائح لتعزز ثقتك بنفسك وتحدّ من اكتئابك

إن امتلاك مستوى صحي من الثقة بالنفس يمكن أن يساعدك على تحقيق النجاح في حياتك الشخصية والمهنية، وحتى تعزّز ثقتك بنفسك، اتبع النصائح التالية:

1. دوّن قائمة بالمميزات التي تُعجبك في نفسك

الهدف من هذه الخطوة هو تغيير أو تحدي معتقداتك السلبية عن نفسك، ودعني أخبرك أن الجلوس بصحبة ذاتك والتفكير في مميزاتك قد لا يكون أمراً سهلاً، وفي بعض الأوقات سوف تحس بالإحراج، لكن تأكد أن الاعتراف بمهاراتك أو المميزات التي تُحبها في نفسك يُمكن أن يُحسّن حديثك إلى نفسك، لهذا حاول كتابة يوميات للأنشطة التي فعلتها واستمتعت بها، وسجّل إنجازاتك اليومية حتى تتعلّم تقدير نفسك.

2. اعتنِ بنفسك 

من الصعب الشعور بالرضا عن نفسك إذا كنت تُسيء معاملة جسدك، لذلك عليك ممارسة الرعاية الذاتية حتى تعامل نفسك وجسدك وروحك بطريقة إيجابية، على سبيل المثال، احصل على قسط كافٍ من النوم، ومارس الرياضة، وتناول الطعام الصحي، ولا تنسَ ممارسة تمارين التأمل والاسترخاء.

3. جرّب شيئاً جديداً 

هل هناك شيء تود تجربته لكنك تتراجع عنه خوفاً من عدم نجاحك؟ حسناً، ما رأيك لو أقدمت عليه من أجل تعزيز ثقتك بنفسك؟ فعندما تتعلم شيئاً جديداً، يُظهر لك ذلك قدرتك على المخاطرة، وحتى لو لم تتقن المهارة الجديدة، فأنت تمنح نفسك فرصة للتعلم والنمو.

اقرأ أيضاً: الانسجام بين الروح والعقل مفتاح السعادة والثقة بالنفس

4. سامح نفسك

في أثناء سعيك لبناء ثقتك بذاتك، فكّر في مسامحة نفسك على طريقة معاملتك لها سابقاً، إذ لا يمكنك المضي قدماً في تقدمك دون تقبّل أنك كنت تحكم على نفسك بقسوة. وتأكد أن المسامحة تُنمي التعاطف مع الذات والمرونة، وتساعدك على رؤية نفسك بوضوح حتى تبني أساساً أكثر صلابة عندما تختار بناء علاقة صحية مع نفسك.

5. واجه مخاوفك 

تدرب على مواجهة مخاوفك الناتجة عن انخفاض الثقة بالنفس، وإذا كنت تخشى أن تُحرج نفسك أو تعتقد أنك ستفشل، فحاول على أي حال، قل لنفسك إنها مجرد تجربة، وانظر ماذا سيحدث، ربما تتعلم أن ارتكاب الأخطاء ليس بالسوء الذي كنت تعتقد، وفي كل مرة تُحرز فيها تقدماً، تكتسب ثقة أكبر بنفسك.

6. ضع أهدافاً واقعية 

حين تضع أهدافاً صعبة وبعيدة المنال ثم تفشل في تحقيقها، ستنخفض ثقتك بنفسك، لهذا ضع أهدافاً واقعية، وكلما حققت بعضاً منها، ستزيد ثقتك بنفسك وقدراتك. ومن أجل وضع أهداف واقعية، دوّن ما تريد تحقيقه، ثم اسأل نفسك كيف يمكن تحقيقه. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في خسارة الوزن لا تضع في بداية طريقك هدفاً بخسارة 5 كيلوغرامات في الأسبوع، لأن هذا الهدف غير واقعي، وسيؤدي إلى شعورك بالإحباط.

وفي هذا السياق، ينصح المختص النفسي، فواز المشرافي، بضرورة وضع أهداف صغيرة قابلة للتحقيق، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة، بالإضافة إلى تقسيم الأهداف الكبرى إلى خطوات بسيطة، ويضيف المشرافي أن زيادة الثقة بالنفس هي عملية مستمرة، تتطلب مزيجاً من العمل الداخلي والممارسة اليومية

المحتوى محمي