حب من خلف الشاشة: هل يمكن لعلاقة إلكترونية أن تتحول إلى زواج ناجح؟

10 دقائق
الحب عبر الإنترنت
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

وسط فوضى مدينة مزقتها الحرب، تجلس شابة وحيدة في غرفتها، وهدير القذائف والمدفعية البعيد ينهش سكينتها. في هذه اللحظة من عدم اليقين، تضيء شاشة هاتفها برسالة مطمئنة من شخص لم تلتقِ به وجهاً لوجه، رجل تعرفه فقط من خلال الفضاء الرقمي. وبينما يكتب لها كلمات مطمئنة، تطور حوارهما على الرغم من بُعد المسافات إلى أحاديث طويلة وأحلام وهواجس مشتركة، وفي النهاية، إلى حب.

قد تبدو علاقتهما حالةً غريبة في وقتٍ ينظر فيه العالم بشكٍّ إلى العلاقات عبر الإنترنت، إلا أن ظاهرة الحب عبر الإنترنت ليست مجرد ظاهرة معاصرة؛ بل هي حاضرة عبر التاريخ، كما في رسائل الحب المتبادلة بين الكاتب فرانز كافكا وميلينا جيسينسكا، وبين جبران خليل جبران ومي زيادة اللذين خُلدت مراسلاتهما في ديوان جبران "الشعلة الزرقاء". لقد بنى هؤلاء روابط عاطفية عميقة من خلال الرسائل دون أن يلتقوا وجهاً لوجه؛ بل عبر جسر من الكلمات.

فهل الحب عبر الإنترنت يمكن أن يكون بنفس عمق ومعنى الحب على أرض الواقع الذي يتضمن التقاءً بصرياً وجسدياً؟ بعبارة أخرى، هل من الممكن أن تقع في حب شخص لم تقابله قط؟ للخبراء رأيهم، لنتابع.

كيف غيّرت الإنترنت طريقة بناء علاقاتنا والحفاظ عليها؟

وفقاً لدراسة نشرتها دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، فقد غيّرت الإنترنت طريقة تفاعلنا، حيث تبين أن احتمالات التعرف إلى  الشريك عبر الإنترنت أعلى مقارنةً بالتواصل الشخصي، سواءً عبر تطبيقات المواعدة أو منصات الألعاب أو وسائل التواصل الاجتماعي.

في حين أن "الحب عبر الإنترنت" قد يبدو غريباً قبل عقد من الزمن، إلا أنه يزداد انتشاراً. ولم لا؟ تتيح لنا المساحات الإلكترونية تجاوز الحواجز الجغرافية، والتعرف إلى أشخاص قد لا نلتقيهم في الحياة الواقعية، والتواصل مع أفراد بناءً على اهتمامات أو قيم مشتركة. من نواحٍ عديدة، لم تعد الإنترنت مجرد شبكة، بل هي امتداد لحياتنا الاجتماعية. في الواقع، يعد التواصل بصدق مؤشراً قوياً على نجاح العلاقة، وسبباً أساسياً في الشعور بالأمان العاطفي العميق في العلاقة.

لكن هل يكفي تبادل الرسائل الصادقة لبناء حب حقيقي؟ ماذا عن الطريقة التي يحرّك الآخر بها يديه عندما يتحدث، أو أسلوبه في الضحك، أو طريقته في تناول الطعام؟ إنها تفاصيل قد تبدو صغيرة لكنها تمثل جزءاً أساسياً من جوهر الشخص، وقد تكون معرفتها أهم مما تعتقد! حسناً، إن هذا يعتمد على جوهر الحب .

هل من الممكن أن تقع في حب شخص لم تقابله؟

على المستوى العصبي، يتجذر الحب في كيمياء الدماغ، فهو يثير مسار المكافأة فيه؛ عندما تمارس أشياء تُشعرك بـ "الرضا" مثل رؤية الشريك، أو قضاء الوقت والتفاهم معه (حتى عبر الإنترنت)، يطلق الوطاء ناقلَين عصبيَّين بمستويات عالية، هما الدوبامين والنورإبنفرين (النورأدرينالين). هذان الناقلان العصبيان هما المسؤولان عما قد تشعر به، من دوار أو حيوية أو نشوة أو انخفاض في الشهية، في أثناء التحدث إلى الآخر، ما يخلق شعوراً بالسعادة والتواصل والترابط العاطفي.

أما من وجهة نظر عالمة الأنثروبولوجيا، هيلين فيشر (Helen Fisher)، فالحب عبارة عن ثلاثة مراحل مترابطة، هي الرغبة والانجذاب والتعلق. ليس بالضرورة أن تحدث هذه المراحل بالترتيب، فمن الممكن أن تشعر بالانجذاب والتعلق العاطفي حتى قبل أن يبدأ التقارب الجسدي، ما يشير إلى أن الحب يمكن أن يتطور دون وجود جسدي.

وبالمثل، يرى استشاري العلاقات الأسرية، جاسم المطوع، أن الحب يمر بمراحل أو مستويات، فما يحدث عبر الإنترنت في البداية هو عبارة عن إعجاب بأفكار الشخص، وهو أول مراحل الحب ولكنه ليس حباً حقيقياً، لاحقاً يتطور هذا الإعجاب من خلال التواصل اليومي إلى مستويات أعمق من الحب، لكنه لن يكتمل ويتطور إلى حب عميق حتى يحدث اللقاء والتعارف بعيداً عن العالم الافتراضي.

تؤكد هيلين فيشر أيضاً أهمية اللمس الجسدي في العلاقات. فالأفعال البسيطة مثل إمساك الأيدي أو النظر في العيون يمكن أن تُحفز إفراز هرمون الأوكسيتوسين، المعروف غالباً باسم "هرمون الثقة"، وهرمون الفازوبريسين المرتبط بالالتزام طويل الأمد؛ أي أن التفاعل الجسدي يُقوي هذه الروابط.

اقرأ أيضاً: كيف تفرق بين الحب الحقيقي والحب العابر؟

ما هي أسباب الوقوع في الحب عبر الإنترنت؟

قد يتبادر إلى ذهنك سؤال مُثير للاهتمام: إذا كانت الهرمونات السابقة تُحفز في المقام الأول باللمس، فكيف يمكن أن تقع في حب شخص لم تتواصل معه إلا عبر الإنترنت؟ إليك الأسباب:

  • الهرمونات: اكتشف الخبير في علم الأعصاب الاقتصادي، بول زاك، في دراسته التي نشرتها دورية  علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية (Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking)، أن الدماغ لا يفرق كثيراً بين التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي وتلك في الحياة الواقعية. على سبيل المثال، وجد زاك أن مستويات هرمون الأوكسيتوسين لدى الرجل، وهو هرمون مرتبط بالترابط والثقة، ارتفع بنسبة 150% بعد قضاء عشر دقائق فقط في كتابة منشور على صفحة حبيبته على فيسبوك. هذا يعني أن التفاعلات عبر الإنترنت يمكن أن تثير استجابات عاطفية مماثلة للاستجابات الجسدية.
  • سهولة التواصل: يُجادل آرون بنزيف (Aaron Ben-Ze’ev)، أستاذ الفلسفة ومؤلف كتاب "الحب عبر الإنترنت: المشاعر على الإنترنت" (Love Online: Emotions on the Internet)، بأن الوقوع في الحب عبر الإنترنت أمر ممكن تماماً، بل ومفهوم. ويوضح أن المنصات الإلكترونية تُتيح تواصلاً أسرع وأكثر مباشرة، ما يخلق حواراً مستمراً. وبالمقارنة مع طبيعة الرسائل النصية البطيئة، يمكن أن يُساعد هذا الاتصال الفوري في تعزيز الألفة.
  • تجاوز الحواجز: وفقاً لخبيرة التواصل من جامعة ويسكونسن، كاتالينا توما (Catalina Toma)، إن الأشخاص الذين يتواصلون عن بُعد عبر البريد الإلكتروني أو الدردشة غالباً ما يطورون علاقات شخصية أسهل من الذين يلتقون وجهاً لوجه؛ لأن الوسائط الرقمية يمكنها أحياناً إزالة الحواجز وتسمح للأفراد بالتعبير عن أنفسهم بحرية أكبر وتعميق الروابط بينهم.

اقرأ أيضاً: 4 نصائح تساعدك على البحث عن شريك حياتك عبر الإنترنت

تعرف إلى مخاطر العلاقات العاطفية في الفضاء الرقمي

على الرغم من أن الحب عبر الإنترنت ودون لقاء شخصي أمر ممكن، فثمة مخاطر عديدة قد تترتب على التفاعل عبر هذه الوسائل قبل اللقاء الشخصي، ومنها:

  • تكوين انطباعات مضللة: عندما تتواصل عبر الإنترنت، تميل إلى بناء انطباعات عن الشخص الآخر بناءً على الرسائل النصية والصور التي تراها، لكن قد تجد الشخص الذي تتحدث إليه مختلفاً تماماً عندما تلتقيه وجهاً لوجه، إذ تكتشف جوانب من شخصيته أو سلوكياته لم تكن على علم بها، فتصاب بخيبة أمل. هذا التفاوت بين الصورة المثالية والواقع يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقة ويصعّب بناء ارتباط حقيقي.
  • فشل العلاقة: قد يزيد الانتظار فترة طويلة قبل اللقاء الشخصي احتمالية عدم نجاح العلاقة؛ كلما طالت فترة التفاعل عبر الإنترنت دون لقاء فعلي، زادت فرصة تكوين تصورات غير دقيقة عن الشخص الآخر، وهذا قد يؤدي إلى شعور بالإحباط أو عدم الرضا عند اللقاء إذا لم تتوافق التوقعات مع الواقع.
  • الاحتيال العاطفي: قد يُعرّض الوقوع في الحب عبر الإنترنت الأفراد للأذى العاطفي. فمن دون اللقاء الشخصي، قد يصعب قياس صدق الشخص أو نواياه، ما قد يؤدي إلى خيبة الأمل أو انكسار القلب.
  • تحديات المنطقة الزمنية والمسافة: إذا تطورت العلاقة، فقد يُصبح التعامل مع فروق التوقيت والمسافات الطويلة تحدياً كبيراً يصعب معه الحفاظ على التواصل والألفة دون التفاعل المباشر.
  • غياب الحضور الجسدي: للألفة الجسدية والتجارب المشتركة دور مهم في العلاقات، لذا قد يؤدي غيابها إلى عدم الشعور باكتمال الرابطة، خاصةً لمن يُعطون الأولوية للمودة الجسدية.

اقرأ أيضاً: 4 سلوكات سامة في المواعدة عبر الإنترنت: تعرَّف إليها لتحذر منها

5 نصائح لتجنب الوقوع ضحية للاحتيال العاطفي الرقمي

تماماً، مثلما قد تقع في الواقع ضحية للاستغلال العاطفي، فعدم القدرة على تمييز  صدق المشاعر خلال العلاقة عبر الإنترنت قد يوقعك ضحية للاحتيال العاطفي، لكن مع بعض النصائح قد تستطيع حماية نفسك:

  1. احم معلوماتك الشخصية: توخَّ الحذر وتجنب مشاركة أي تفاصيل حساسة، مثل عنوان منزلك أو مكان عملك أو معلوماتك المالية.
  2. انتبه إلى العلامات التحذيرية: إذا كان الطرف الآخر يتجنب مكالمات الفيديو، أو لديه دائماً أعذار تمنعه من لقائك شخصياً، أو طلب المال أو الهدايا في البداية، فقد تكون هذه علامات على أنه مخادع.
  3. تحقق من المصداقية: من السهل إنشاء حسابات مزيفة على الإنترنت، لذا حاول التحقق جيداً من حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا شعرت بأي شيء غريب، فثق بحدسك.
  4. ضع حدوداً: وضّح نوع التواصل الذي يناسبك والمواضيع أو السلوكيات المحظورة.
  5. خذ احتياطاتك عند الانتقال للواقع: إذا انتقلت العلاقة إلى الواقع، فالتقِ في مكان عام وأخبر صديقاً أو فرداً من عائلتك بمكان تواجدك.

المحتوى محمي