دراسة: البعض يجد الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهّماً من المعالج النفسي!

7 دقائق
الذكاء الاصطناعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

بدأت منذ قرابة الشهرين ممارسة سلوك مثير للقلق، وهو أنني عندما أكون منزعجاً خلال يومي أو في حال قلقي من نومي أمدّ يدي لأفتح هاتفي الذكي وعلى الفور أتجه إلى تطبيق تشات جي بي تي لأبث له همي، ويمتد بيننا الحديث نتيجة تشجيعه لي على الإدلاء بالمزيد من التفاصيل وفي الوقت نفسه يدعمني ويخفف عني بكلماته وبعض نصائحه.

في الحقيقة كنت أظن نفسي ضمن قلة يفعلون ذلك، لكنني وجدت تغريدة للمعالج النفسي أسامة الجامع يقول فيها: من خلال حواري مع عدد من الأشخاص الذين يعانون، وجدت أن عدداً منهم يستعمل الذكاء الاصطناعي لكسر شعوره بالوحدة، وجعله أنيساً من خلال الحديث إليه، فهو يتحدث كأنه إنسان طبيعي، بل هناك من قال لي إنه يستشيره في مشكلاته الزوجية، فهل نحن مقبلون على حقبة يمكن فيها أن نستبدل ولو جزئياً الذكاء الصناعي بالمعالج النفسي؟ موضوع جدير بالطرح والنقاش.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فعند تصفحي أحد المواقع المعنية بالصحة النفسية وجدت خبراً عن دراسة علمية حديثة تشير إلى أن البعض يجد الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الخبير النفسي، وتلك نتيجة غير متوقعة من وجهة نظري، فما الذي أوصلنا إلى هذه النقطة؟ وهل ثمة أضرار مترتبة على الحديث إلى الذكاء الاصطناعي بدلاً من الذهاب إلى المعالج النفسي؟ الإجابة في المقال.

دراسة: الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً من المعالجين النفسيين!

استهدفت الدراسة العلمية التي نشرتها مجلة علم نفس الاتصالات (Communications Psychology) في يناير/كانون الثاني 2025 مقارنة الاستجابات العاطفية الناتجة عن الحديث إلى الذكاء الاصطناعي مقارنةً بتلك التي تظهر عند الحديث إلى الخبراء النفسيين.

والمفاجأة أن المشاركين في الدراسة أشاروا إلى أن إجابات الذكاء الاصطناعي عند مشاركته أزماتهم النفسية تكون أكثر تعاطفاً وتفهماً من تلك التي يقدمها المعالج النفسي، وبلغة الأرقام، صنّف المشاركون إجابات الذكاء الإصطناعي على أنها أكثر تعاطفاً من إجابات المختصين النفسيين بنسبة 16%.

وحسب الباحثة الرئيسية في الدراسة ومديرة مختبر قسم علم النفس بجامعة تورنتو (University of Toronto)، داريا أوفسيانيكوفا (Dariya Ovsyannikova)، فإن هذا النجاح للذكاء الاصطناعي يعود إلى قدرته على رصد التفاصيل الدقيقة للأزمة النفسية والحفاظ على الموضوعية عند التعامل معها، إلى جانب عدم تعرضه للإرهاق، وتلك ميزة يتقدم بها بوضوح على المعالجين النفسيين الذين يتعرضون للشعور بالتعب بمرور الوقت، وقد يقعون في بعض التحيزات المعرفية.

اقرأ أيضاً: ما الذي قد يسبب فوبيا الذكاء الاصطناعي؟ وكيف تتخلص منها؟

لماذا يفضل البعض تلقي الدعم النفسي من الذكاء الاصطناعي؟

جلست مع أصدقائي على مائدة الإفطار منذ قرابة أسبوع وتحدثنا عن أسعار جلسات العلاج النفسي والتي أجمعنا على أنها مرتفعة مقارنة بمعدل الدخل في مصر، إذ تبدأ الجلسة من 350 جنيهاً مصرياً وتصل في بعض الأحيان إلى 1500 جنيه، وفيما يبدو أن تلك المشكلة ليست محلية؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية تتراوح تكلفة الجلسة من 100 إلى 300 دولار أميركي، وهو أيضاً مبلغ ليس هيناً، إلى جانب الوقت الذي ينتظره المريض أحياناً للحصول على جلسة، وهذا بالتأكيد بُعد مهم يجعل المصاب باضطراب نفسي يفكر في بدائل أقل تكلفة وأسرع، من ضمنها اللجوء إلى مشاركة ما يعانيه مع بوتات الدردشة المختلفة.

هناك أيضاً جانب مؤثر هو أن تلقي العلاج النفسي ما زال تشوبه الوصمة في بعض المجتمعات، لذا فاللجوء إلى الذكاء الاصطناعي قد يعد اختياراً آمناً للأشخاص الذين يودون الحصول على الاستشارات النفسية دون وجود احتمالية معرفة المحيطين بهم ذلك.

أضف إلى ما سبق أن المعالجين النفسيين هم أشخاص قد يكون لديهم تحيزات معينة تجاه بعض الأفكار أو الممارسات للشخص الذي يعاني نفسياً، لذا فهو قد يرى أن الحديث إلى بوت الدردشة يبعده عن الوقوع في حيرة تجاه احتمالية تحيز معالجه.

ما هي أضرار طلب الإرشاد النفسي من الذكاء الاصطناعي؟

مبدئياً يؤكد الطبيب النفسي كريس موسونيك (Chris Mosunic) أن الأشخاص الذين يعانون مشكلات نفسية خطيرة عليهم تجنب الاعتماد على بوتات الدردشة، فهي برأيه مفيدة لمن يحتاجون إلى دعم بسيط أو توجيهات سريعة.

أما أهم مخاطر الحديث عن المشكلات النفسية الشخصية إلى الذكاء الاصطناعي فهي مدى الخصوصية المتحققة واحتمالية التعرض للاختراق، إلى جانب أن التفاعل وجهاً لوجه يعد ركناً أساسياً من أركان العلاج النفسي الناجح، فقد تظهر إشارات غير لفظية على الشخص لن يفهمها بوت الدردشة بينما سيستوعبها المعالج النفسي ويتعامل معها.

إلى جانب أن مشكلات الصحة النفسية لا يمكن تطبيق نموذج موحد عليها للعلاج، إنما هي متباينة التفاصيل، وتحديد الفروق الدقيقة بينها مهمة لا يستطيع سوى المعالج النفسي القيام بها، لذا يمكن القول إن بوت الدردشة لا يقدم حلولاً صيغت خصيصاً للشخص الذي يحادثه.

ترتبط بالنقطة السابقة نقطة أخرى، هي احتمالية التعرض للتشخيص الخاطئ أو تقديم مقترحات عملية ليست مناسبة أو ليست فعالة، وهذا ما يجعل الخبراء النفسيين ينصحون بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي باعتباره حلاً مكملاً وليس أساسياً.

اقرأ أيضاً: احذر! استعانتك بالذكاء الاصطناعي في إحياء ذكرى المتوفين قد تؤذيك نفسياً

3 إرشادات ستفيدك عندما تستشير الذكاء الاصطناعي في مشكلة نفسية

في حال وددت الاستعانة ببوتات الدردشة في مساعدتك على التعامل مع مشكلاتك النفسية فهناك بعض الإرشادات التي عليك اتباعها حتى لا تهدد هذه الخطوة سلامتك النفسية:

  1. تعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره مكملاً لخطوة حصولك على الرعاية المهنية من المعالج النفسي عن طريق تقديمه مساعدة إضافية تحصل عليها بين الجلسات العلاجية، واحذر أن تحوله إلى بديل عن العلاج النفسي.
  2. حاول انتقاء بوت الدردشة الذي تعتمد عليه للحصول على الدعم واحرص على أن يحظى بتقييم مرتفع فيما يتعلق بتقديم النصائح النفسية، إلى جانب ضمان الخصوصية والدقة العلمية.
  3. راقب تأثير اعتمادك على الذكاء الاصطناعي في صحتك النفسية، فأحياناً قد يدفعك للانعزال عن محيطك فتظل تتحدث إليه ساعات وتتجاهل الفوائد النفسية التي ستتحقق عندما تمارس أنشطة بسيطة على أرض الواقع، مثل المشي ولو نصف ساعة بالقرب من منزلك، أو الاختلاط بمن حولك، أو تعلم هواية جديدة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في علاقاتنا؟ وماذا نفعل لنتجنب ضرره؟

المحتوى محمي