هل تتفحص شعرك أحياناً لتعد الشعرات البيضاء التي شقت طريقها في رأسك؟ أو ترتعب أحياناً إذا شعرت بأن الزمن قد رسم خطوطه على ملامح وجهك؟ حسناً، اطمئن فأنت لست وحدك؛ هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون القلق نفسه، لكن لا بأس إذا كان ضمن المعدلات الطبيعية؛ إذ إنه حينما يزداد عن حده يتحول إلى رهاب الشيخوخة أو ما يُعرف بالجيروسكوفوبيا (Gerascophobia)، الذي يعرّفه استشاري الطب النفسي إبراهيم حمدي بأنه قلق مرضي يتعلق بالخوف من التقدم في العمر وما يصاحبه من تغيرات، ويمكن أن يشمل الخوف من فقدان الشباب والخوف من تغير المظهر، إلى جانب الخوف من العجز والقلق حول الموت، مؤكداً أنه يصيب النساء أكثر من الرجال، فما هي الأسباب المؤدية له؟ وكيف يمكن علاجه؟ هذا ما نستعرضه بالتفصيل في مقالنا.
محتويات المقال
لماذا قد يخيفنا التقدم في العمر؟
تحاصرنا اليوم في الكثير من الوسائل رسائل إعلانية لمنتجات مختلفة تتفق على رسالة واحدة مفادها: "لا بد أن تصبح أكثر شباباً"، وهذا يجعل أدمغتنا تستشعر على نحو لا إرادي أن التقدم في السن تحوّل خطير يجب أن نجتهد لنكون في مأمن منه ونحدّ من وصولنا إليه قدر استطاعتنا، وإلى جانب الدور الذي تمارسه الرسائل الإعلانية في تخوفنا من الشيخوخة، هناك العديد من العوامل الأخرى، أهم هذه العوامل:
1. الشعور بعدم الجاهزية
أشاهد من وقت لآخر على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأشخاص تجاوزت أعمارهم الأربعين سنة يصرحون فيها بأنهم لا يدرون كيف وصلوا إلى هذه المرحلة العمرية التي يصفونها بأنها مربكة، مؤكدين أنهم غير جاهزين للتعامل مع كل ما تفرضه عليهم هذه المرحلة من مسؤوليات ونمط تعامل يعاملهم وفقاً له الآخرون.
وبالمثل ينطبق الأمر على مرحلة الشيخوخة فالبعض يشعرون بأن هذه المرحلة ستلزمهم بالتعامل مع قضايا لم يعدّوا لها عدّتها، مثل: ما الذي يمكن فعله بعد التقاعد؟ هل توجد مدخرات يمكن الاعتماد عليها، أو نظام تأمين يكفل لهم حياة كريمة؟ وغيرها من الأسئلة التي قد لا توجد إجابات واضحة شافية عنها.
2. الخوف من الإصابة بالأمراض
كلما كبرنا يصبح جسمنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض؛ فجهازنا المناعي يتراجع تدريجياً، وهذا يعني احتمالية أكبر للإصابة بالالتهابات والعدوى، بالإضافة إلى وجود أمراض ترتفع احتمالية ظهورها عند التقدم في العمر مثل أمراض القلب والسرطان وآلزهايمر.
3. الرغبة في الجاذبية الدائمة
هناك تغيرات حتمية تمر بها أجسامنا عندما نكبر؛ منها انخفاض إنتاج هرموني الإستروجين والكولاجين اللذين يمنحان بشرتنا مظهراً شبابياً، فيترهل جلدنا وتزداد تجاعيده وتكثر به الخطوط الدقيقة، وجميعها مظاهر قد تصيب بعض الأشخاص بالإحباط والضيق نتيجة رغبتهم في الظهور بأجمل مظهر.
4. القلق من عدم القدرة على الاستمتاع بالحياة
تفتح لنا الحياة أبوابها على مصراعيها في مرحلة الشباب فنكون خلالها قادرين على اكتشاف كل جديد وتجربته، ومع تقدمنا في السن قد تصبح وتيرة حياتنا أكثر مللاً نتيجة بعض التغيرات المجتمعية والمهنية، وكذلك انخفاض القدرة على الحركة في حالة الإصابة ببعض الأمراض المتعلقة بالمفاصل والعضلات أو عمل الدماغ والذاكرة.
اقرأ أيضاً: أسباب انتشار عمليات التجميل وعلاقتها بالثقة بالنفس
كيف يمكن علاج رهاب الشيخوخة؟
يمكن أن يساعد العلاج النفسي الأشخاص الذين يعانون رهاب الشيخوخة على التعافي، وذلك عن طريق اتباع أساليب متعددة، أهمها:
1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
يستهدف هذا العلاج العمل على تغيير المعتقدات والمواقف السلبية المتعلقة بالشيخوخة، وتطوير طرائق تفكير أكثر إيجابية وواقعية تجاهها، وقد يترافق مع ممارسة تمارين اليقظة الذهنية من أجل التركيز على اللحظة الحاضرة، وقبول التغيرات التي تصاحب التقدم في السن.
2. العلاج الوجودي (Existential Psychotherapy)
يعد هذا الأسلوب من الأساليب الفعالة لمواجهة رهاب الشيخوخة؛ نتيجة تركيزه على استكشاف تجربة الشخص الفريدة في الحياة، عن طريق صناعة لها معنى وغرض يضفي إليها قيمة تجعله لا يركز على مظهره الجسدي ويستوعب أن الشيخوخة حالة صحية يمر بها الجميع.
3. العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic Therapy)
يعمل المعالج النفسي في هذا الأسلوب على استكشاف ماضي الشخص وفهم دوافعه وصراعاته التي جعلته يعاني رهاب الشيخوخة، ومن ثم العمل على تطوير استراتيجيات تسمح له بالتعامل مع مخاوفه وقلقه بطريقة أفضل.
اقرأ أيضاً: ما الذي ندم عليه كبار السن في آخر أيامهم؟ وماذا تفعل كي تتجنب مصيرهم؟
5 إرشادات عملية للتصالح مع الشيخوخة
مهما اتخذ الشخص من احتياطات وأنفق من أموال بهدف تجنب الشيخوخة ستظل هناك حقيقة أنها مرحلة طبيعية من مراحل الحياة المختلفة، لذا فالأفضل التصالح معها والاستمتاع بها، وهذا ما يمكن تحقيقه باتباع عدة إرشادات عملية، أهمها:
- فتش عن جذور أفكارك الخاصة بالشيخوخة واعمل على تقييمها بوضعها على ميزان المنطق، ومن ثم ارسم خططاً مبتكرة تستخرج بها الجوانب الإيجابية لهذه المرحلة وتستفيد منها.
- لا تركز على ما لا يمكنك التحكم فيه، فليس بوسعك السيطرة على احتمالية إصابتك بالأمراض، إنما يمكنك جعل حياتك أفضل بممارسة الرياضة قدر المستطاع، وتناول الطعام الصحي وتجنب العادات الضارة.
- جدد حيويتك عن طريق إضافة ممارسات مختلفة لحياتك، مثل حضور دورة تدريبية في تخصص ما تفضل معرفة المزيد عنه، أو تعلم هواية جديدة تجعل حياتك أكثر متعة.
- ركز على الجانب المضيء في حياتك بطرائق متنوعة، منها التفكير في الحكمة التي اكتسبتَها من السنين التي عشتها، أو استرجاع الذكريات التي عشتها، أو الامتنان للأشياء التي ما زلت تحظى بها حتى لو كانت بسيطة.
- انتبه لتأثير الأفكار المغلوطة الشائعة التي قد تصل إليك حول هذه المرحلة المهمة من حياتك، سواء كانت في وسائل الإعلام، أم تلك التي يلقيها على مسامعك أشخاص في محيطك.
اقرأ أيضاً: هل الأجدى انتظار مجيء السعادة مع تقدمنا في العمر؟