كيف يساعد التأمل في مقاومة التوتر؟ دراسة حديثة تجيب

4 دقيقة
التأمل اليقظ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

أكدت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية اليقظة الذهنية (Mindfulness) في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن ممارسة التأمل اليقظ، وهو تدريب عقلي يجمع بين التأمل واليقظة الذهنية، على المدى الطويل تؤثر في نشاط الدماغ، إذ تؤدي إلى تغييرات دائمة في العمليات العصبية، ما قد يعزز العمليات المعرفية والعاطفية المرتبطة باليقظة الذهنية، هذا بالإضافة إلى تقليل التوتر وتحسين القدرة على الإدراك عن طريق الحفاظ على الوعي المركز تجاه اللحظة الحالية، لكن ماذا يحدث تحديداً داخل أدمغة المتأملين؟ الإجابة عبر هذا المقال.

من واقع الدراسة: ما الذي يحدث داخل أدمغة المتأملين؟

أوضحت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن نشاط دماغ الأشخاص المتأملين يختلف عنه عند غير المتأملين، وقد شارك في هذه الدراسة 92 شخصاً قُسّموا من قبل الباحثين إلى مجموعتين؛ 48 من المتأملين الذين مارسوا اليقظة الذهنية على نحو مستمر مدة تصل إلى 6 أشهر، و44 شخصاً لم يمارسوا التأمل من قبل.

واستخدم الباحثون في أثناء إجراء هذه الدراسة تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، وهي طريقة غير جراحية تقيس النشاط الكهربائي في الدماغ من خلال أقطاب كهربائية توضع على فروة الرأس، وقد وجّه الباحثون المشاركين في الدراسة بعدم الانخراط في التأمل أو محاولة التحكم العقلي المتعمد بأفكارهم في أثناء إجراء تخطيط كهربية الدماغ، بغرض التقاط التغيرات الدائمة في نشاط الدماغ بدلاً من التأثيرات المؤقتة المرتبطة بالتأمل النشط.

وأظهرت النتائج اختلافات كبيرة بين المتأملين وغير المتأملين، حيث كانت وظائف الانتباه والذاكرة العاملة أعلى لدى المتأملين مقارنة بغير المتأملين؛ وكانت هذه الزيادة أوضح في مناطق الدماغ الخلفية، ما يشير إلى تعزيز العمليات العصبية المتعلقة بالتركيز ومعالجة المعلومات لدى المتأملين.

وقد أكد مؤلف الدراسة وأستاذ علم النفس في الجامعة الوطنية الأسترالية (Australian National University)، نيل بيلي (Neil Bailey)، أن التأمل يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية، وتعزيز الوظائف الإدراكية، وأضاف بيلي أن أدمغة المتأملين أكثر نشاطاً، وهو الأمر الذي يرتبط بأداء أفضل للأنشطة المعرفية.

وشرح بيلي أن نتائج الدراسة تربط التأمل اليقظ بالتغيرات الدائمة في وظائف المخ، وتوفر نظرة ثاقبة للفوائد المعرفية والعاطفية لليقظة الذهنية، حيث يمكن استخدام هذه النتائج في تحسين فهم الدماغ عموماً، وتطوير علاجات أكثر فعالية للأمراض النفسية. ويعتقد بيلي أن التأمل يساعد على تعزيز الصحة النفسية لأن الأشخاص المتأملين يركّزون تركيزاً متزايداً على الوعي بأفكارهم ومشاعرهم، ولا يُسقطون أفكارهم على الماضي أو المستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف يساعدك التأمل على مقاومة رغبتك الشديدة في الأكل؟

محاولة للتعمق: كيف يؤثر التأمل في دماغك ويعزز سعادتك؟

التأمل هو قضاء بعض الوقت من أجل تدريب عقلك على التركيز وإعادة توجيه أفكارك، ويختلف هدف التأمل من شخص لآخر؛ إذ يمارس البعض التأمل لتقليل التوتر، بينما يستخدمه آخرون لتحسين تركيزهم، ويعتقد أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School)، بنيامين شابيرو (Benjamin Shapero)، أن العديد من الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية لا يستجيبون للتدخلات المباشرة مثل العلاج المعرفي السلوكي أو تناول مضادات الاكتئاب، وفي هذه الحالة ينصح شابيرو باللجوء إلى نهج التأمل القائم على اليقظة الذهنية، ويمكن القول إن التأمل يغير دماغك ويعزز شعورك بالسعادة، وذلك عبر الطرائق التالية:

1. يزيد المادة الرمادية

يمكن القول إن التأمل بانتظام يزيد المادة الرمادية، وهي مادة تحتوي على عدد كبير من الخلايا العصبية ما يسمح لها بمعالجة المعلومات، علاوة على ذلك فإن التأمل يحفز المناطق المتعلقة بالتعلم والذاكرة وتنظيم العواطف، ويزيد سماكة قشرة الفص الجبهي، وهو ما يرتبط بوظائف الدماغ العليا مثل الوعي والتركيز والذاكرة واتخاذ القرار.

2. يُحسّن المرونة العصبية

المرونة العصبية هي قدرة الدماغ على تغيير نفسه وإعادة تنظيم بنيته ووظائفه بناءً على معلومات وتجارب جديدة، ويمكن القول إن التأمل يُحسّن المرونة العصبية من خلال تحسين أنماط الاتصال العصبي في مناطق مختلفة من الدماغ.

3. يُعزّز الشعور بالسعادة

تؤدي الممارسة المنتظمة للتأمل إلى إفراز الدماغ بعض النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وهذه النواقل العصبية تؤدي بدورها إلى تعزيز الشعور بالسعادة.

4. يُقلّل مستويات التوتر والقلق

اللوزة الدماغية هي جزء من دماغك مسؤول عن استجابة القتال أو الهروب، وحين تمرّ بالمواقف الصعبة أو بعض الضغط النفسي، يطلق جسمك المزيد من هرمون التوتر (الكورتيزول)، الذي يمكن أن يضعف جهاز المناعة لديك، ويمكن القول إن التأمل يعيد تشكيل هذه العملية بالكامل ويغيرها، فبعد مدة من ممارسة التأمل المنتظم تصبح اللوزة الدماغية أصغر حجماً ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل مستويات التوتر والقلق.

اقرأ أيضاً: فوائد التأمل للصحة النفسية

كيف تمارس التأمل يومياً؟

إذا كنت مبتدئاً، قد يكون بدء ممارسة التأمل بالنسبة لك أمراً مرهقاً؛ حيث يثور بداخلك تساؤل من أين تبدأ، وكيف تجلس، وما الذي تركز عليه، وقد تخاف من التأمل بطريقة غير صحيحة، وهذه مخاوف شائعة، لكن الحقيقة هي أن التأمل يعد ممارسة مرنة وشخصية يمكن تكييفها لتناسب نمط حياتك واحتياجاتك، ومع مرور الوقت يمكنك بسهولة دمج التأمل في روتينك اليومي والبدء بتجربة فوائده العميقة، وإليك أهم الإرشادات التي ستساعدك:

1. خصص الوقت المناسب للتأمل

قد تواجه صعوبة في إيجاد الوقت المناسب من أجل التأمل، وذلك بسبب مهام عملك والتزاماتك العائلية والاجتماعية، ولكن عليك أن تعلم جيداً منذ البداية أن التأمل يحتاج إلى الممارسة المنتظمة، فلا يمكنك أن تلتزم بضعة أيام ثم تتوقف، ولا توجد قاعدة موحدة حول مدة جلسة التأمل، لكن 20 دقيقة تعد كافية، وإذا كان ذلك متاحاً، حاول ممارسة التأمل في الصباح لأنه قد يفيدك في التعامل مع مهام يومك بوضوح وهدوء.

2. ابحث عن مكان مريح

لا يحتاج التأمل إلى أي معدات متخصصة، كل ما عليك فعله هو البحث عن مكان مريح، على سبيل المثال، يمكنك الجلوس متقاطع الساقين على أرضية غرفة المعيشة أو في غرفة نومك، لكنّ ثمة شرطين مهمين؛ أن تكون مرتاحاً، وأن تجلس في وضع مستقيم، ولا يلزم أن يكون المكان مهيأً بعناية، ولكن يجب أن يكون مكاناً تشعر فيه بالاسترخاء والتركيز.

3. ادمج اليقظة الذهنية في التأمل

اليقظة الذهنية تعني محاولة التركيز على اللحظة الحالية دون التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، ودمج اليقظة في تأملك يعني أن تكون مدركاً لحواسك بوعي، على سبيل المثال، بمجرد أن تشعر بالراحة، أغمض عينيك ثم ركز على كل من حواسك الأخرى، لاحظ ملمس السجادة من تحتك، ما الذي تسمعه الآن، ماذا يمكنك أن تشم؟ هل هناك طعم معين في فمك؟ ومع مرور الوقت والاندماج في الأمر سوف تشعر بمزيد من الاتصال بجسدك وتصبح أقل انشغالاً بالأفكار التي تدور في رأسك.

4. اكتب يومياتك

ينصح المختص النفسي، فهد العريدي، بضرورة تخصيص وقت من أجل ممارسة التأمل، وخلال ذلك الوقت يمكنك كتابة يومياتك حتى تحصل على رؤية أعمق للأمور، في البداية، ارصد بعض الجوانب مثل، التحديات التي تواجهك وكيفية التغلب عليها، والدروس التي تعلمتها، والأهداف الجديدة التي تضعها نصب عينيك، بالإضافة إلى ذلك، ارسم خرائط ذهنية حتى ترى مناطق حياتك بصرياً في مجالات مثل النمو الشخصي والعلاقات والحياة المهنية.

5. كرّر العملية يومياً

أيا كان الوقت والمكان اللذان تختارهما، حاول الالتزام بهما، إذ يساعد التأمل في الوقت نفسه كل يوم على تعزيز هذه العادة، ما يسهل دمجها في روتينك اليومي، وبمرور الوقت، سيبدأ عقلك وجسمك في التعرف إلى هذا الوقت باعتباره مساحة للهدوء والتأمل، ما يساعدك على الاستقرار في ممارستك على نحو أسرع.

المحتوى محمي