5 إرشادات تحميك من خطر الثقة المفرطة في النفس

5 دقيقة
تأثير الثقة المفرطة
shutterstock.com/Tom Kolossa

هل تساءلت يوماً لماذا يبدو أن بعض الأشخاص يمتلكون إيماناً راسخاً بقدراتهم الخاصة حتى عندما يفتقرون إليها في الواقع؟ حسناً، قد يجد البعض ذلك سمة حسنة، فالثقة في النفس غالباً ما تعد مفتاحاً للنجاح، لكنها قد تكون أيضاً سلاحاً ذا حدين؛ فمن ناحية، تغذّي الطموحات وتدفع الفرد إلى اتخاذ إجراءات جريئة، ومن ناحية أُخرى يمكن للثقة المفرطة أن تعميه عن حدود معارفه ومهاراته الحقيقية.

تُعرف هذه الظاهرة بـ "تحيز الثقة المفرطة" (Overconfidence Bias)، وتتميز بإيمان الفرد المتضخم بقدراته أو معرفته، ما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة، سواء في الحياة اليومية أم المساعي المهنية. فإذا كنت ترغب بالحفاظ على ثقة متوازنة بالنفس، فإليك في هذا المقال ما قد يساعدك على تسخير الثقة للنمو والتطور بفعالية.

تحيز الثقة المفرطة: عندما يبالغ الشخص في تقدير ذاته وقدراته

تحيز الثقة المفرطة تحيز معرفي، يميل فيه الفرد إلى افتراض أنه يتفوق بقدراته ومهاراته ومعارفه على الآخرين، فيعتقد خطأً أنه قادر على فعل المزيد، أو أنه ذو تأثير أكبر مما هو عليه بالفعل. وبناءً على ذلك، فإن الشخص المتأثر ينسب النجاح إلى نفسه، في حين ينسب حالات الفشل إلى الظروف أو إلى الآخرين.

في الواقع إن هذه الظاهرة أكثر شيوعاً مما تظن. لتوضيح ذلك، تخيل طريقاً مزدحماً مليئاً بالسائقين غير الصبورين. كل واحد منهم محبط، ومقتنع بأنه لو كان السائقون جميعهم ببراعته لما كان هناك مثل هذا الازدحام المروري. إن هذا هو تأثير الثقة المفرطة.

عموماً، تتجلى الثقة المفرطة في جانبين اثنين هما:

  • المبالغة في تقدير القدرات: حيث يعتقد من يمتلك ثقة مفرطة في نفسه أنه قادر على أداء أي مهمة أو حل أي مشكلة، أو أن تنبؤاته أكيدة التحقق.
  • الاستخفاف بالمخاطر أو الخطأ: قد يقع من يبالغ في تقدير ذاته بخطأ تقدير المخاطر المحيقة بالموضوع أيضاً، ما قد يوقعه بخطأ تصرفاته، والتي قد تكون خطرة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، بحثت دراسة نشرتها دورية آفاق في علم النفس (Frontiers in Psychology) في العلاقة بين سلوك القيادة بين السائقين الشباب وتقديرهم الذاتي لمهاراتهم في القيادة. أظهرت النتائج ارتباط الثقة المفرطة لدى المشاركين بسلوكيات القيادة الأكثر خطورة، مثل السرعة وعدم استخدام أحزمة الأمان.

اقرأ أيضاً: هل صحيح أن ثقة الأذكياء بأنفسهم أقل من غيرهم؟ خبيرة نفسية تجيب

لماذا يبالغ البعض في ثقته بنفسه؟

تنتج الثقة المفرطة في النفس عن مزيج من العوامل النفسية والإدراكية والاجتماعية. وإليك أهمها:

1. عدم الخبرة

وهم البساطة هو الفخ الذي يقع فيه معظم المتأثرين بالثقة المفرطة بسبب عدم الخبرة، إذ غالباً ما يقلل المبتدئون صعوبة التحديات ويعتقدون أن المهمة أو المجال أبسط مما هي عليه في الواقع، لأنه لا يفهم مدى تعقيدها، فيبالغ في تقدير قدراته. علاوة على ذلك، قد لا يتلقى الأفراد عديمو الخبرة التغذية الراجعة البنّاءة أو لا يدركونها، ما يمنعهم من كشف حقيقة قدراتهم المبالغ فيها.

على سبيل المثال، أجرى باحثون في جامعة شيكاغو (University of Chicago) دراسة حول إذا ما كانت مشاهدة الآخرين يؤدون مهمة ما يمكن أن تؤدي إلى اعتقاد الناس أنهم اكتسبوا المهارة بأنفسهم حتى دون ممارستها، ونشروا نتائجها في مجلة العلوم النفسية (Psychological Science).

أبرزت الدراسة أن مشاهدة الآخرين يؤدون مهمة، مثل رمي السهام والمشي على سطح القمر ولعب لعبة عبر الإنترنت، دفعت المشاركين إلى الاعتقاد بأنهم قادرون على أداء المهمة بأنفسهم، لكن المشاهدة المتكررة لم توفر لهم الخبرة العملية اللازمة لتطوير المهارة في الواقع.

2. تحيز تعزيز الذات

تحيز تعزيز الذات هو تحيز معرفي يؤدي لمبالغة الفرد في تقدير سماته الشخصية، فيميل إلى تذكّر نجاحاته بصورة انتقائية، مع تقليل أهمية أخطائه ونكساته أو نسيانها. تعزز هذه الذاكرة الانتقائية شعوراً متضخماً بالقدرات الذاتية والثقة المفرطة في المهارات الشخصية.

تشير أستاذة علم الأعصاب في جامعة كوليدج لندن (University College London)، تالي شاروت (Tali Sharot)، إلى أن أدمغتنا مصممة لتفضيل المعلومات الإيجابية، ما يعزز احترامنا لذاتنا، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى التفاؤل غير الواقعي والثقة المفرطة.

3. التنشئة الخاطئة

قد ينشأ تحيز الثقة المفرطة من الثناء غير الواقعي في مرحلة الطفولة، وهو ما يُعرف بـ "التمكين الزائف". إذ يمكن أن يخلق التمكين الزائف تحديات كبيرة في مرحلة البلوغ، ويؤثر في الحياة الشخصية والمهنية.

تخيل طفلاً يكبر وهو يسمع عبارة "أنت الأفضل" أو "أنت جيد في كل ما تفعله" من والديه. على الرغم من أن هذه العبارات تهدف إلى تعزيز الثقة، فإنها قد تؤدي إلى نظرة غير واقعية للطفل إلى قدراته، وثقة مفرطة، فمع وصوله إلى مرحلة البلوغ، قد لا يتلقى مستوى الإعجاب نفسه من الآخرين. بل قد يواجه انتقادات أو تحديات في الحياة، ما يسبب له الضيق والارتباك، والشعور بعدم التقدير وعدم الرضا.

اقرأ أيضاً: 10 خطوات أساسية لزرع الثقة بالنفس عند الأطفال

4. تأثير دانينغ كروجر

تأثير دانينغ كروجر (The Dunning-Kruger effect) هو تحيز معرفي يواجه فيه الفرد مشكلة في تقييم مستوى معرفته ومهاراته بدقة. وفقاً لهذا التحيز، عندما يفتقر الشخص إلى المعرفة في مجال معين، غالباً ما يكون غير قادر على إدراك مدى جهله. لذا، عادة ما يعتقد الأفراد الخاضعين لهذا التأثير أنهم يمتلكون مستوى عالياً من الذكاء أو الكفاءة، على الرغم من أن واقعهم قد يكون مختلفاً تماماً. تؤدي هذه الظاهرة إلى سلوكيات غير متوازنة، حيث يُظهر الأفراد ثقة زائدة في أنفسهم، حتى في المجالات التي لا يمتلكون فيها خبرة أو معرفة كافية.

5. موقع القوة

عندما يوجد الفرد في مواقع السلطة أو السيطرة، فإنه غالباً ما يُحاط بمؤيدين يدعمون وجهات نظره، ويوافقونه بالآراء والقرارات، فيعتقد أنه دائماً على حق، ما يعميه عن رؤية الأخطاء أو العيوب في أفكاره ويثير فيه ثقة مفرطة في النفس.

6. المنافسة والتفكير التنافسي

يفرض المجتمع على الفرد خلال مراحل حياته نوعاً من المنافسة مع الأقران، والذي يترسخ في وعيه الذاتي بضرورة أن يكون أفضل أو أسرع أو أكثر ذكاءً من الآخرين، في المدرسة أو في العمل أو حتى في الحي. على سبيل المثال، من لديه منزل أكبر أو سيارة أحدث، أو علامات أعلى؟

لذا يخلق الفرد صورة ذاتية أكثر جمالاً من الحقيقة، لأنه من المؤلم بالنسبة له أن تكون مواهبه متوسطة في أحسن الأحوال.

5 إرشادات تحميك من خطر الثقة المفرطة في النفس

أن تعتقد أنك أقوى أو أذكى أو أفضل من غيرك، سيوقعك في المشكلات عاجلاً أم آجلاً، لذا، وتجنباً لأي نوع من المشكلات أو المخاطر التي قد تسببها الثقة المفرطة، إليك الطريقة الصحيحة لإدارة الثقة مع الحفاظ على احترام الذات:

  1. حلل صورتك الذاتية: تعمّق في ذاتك، وحاول فهم حقيقتها، بما في ذلك نقاط قوتك وضعفك وكيفية إدراكك قدراتك. في الحقيقة، يجب أن يأتي النقد منك في بعض الأحيان، لذا ابدأ باستجواب نفسك وقدراتك على نحو نقدي وقارنها بموضوعية قدر الإمكان. يساعد التأمل الذاتي والتقييم الذاتي الصادق على مواءمة قدراتك المتصورة مع الواقع.
  2. تقبّل ذاتك واعترف بأخطائك: إن الاعتراف بالعيوب أمر ضروري للنمو. لقد مر الجميع بالفشل في مرحلة ما، لكنه كان سبباً في التطور. على سبيل المثال، إذا كنت دائماً تتلقى الثناء على طبخك، فينبغي ألا تواجه النقد بالرفض، بل عليك قبوله لأنه قد يكون الوسيلة للتطوير الذاتي. إن قبول حقيقة أنك لست الأفضل مهما كنت ماهراً أو موهوباً، يترك مجالاً للتحسين، ويشجع على التعلم المستمر.

وفي هذا السياق يقول الطبيب النفسي محمد اليوسف: "الثقة بالنفس هي أن تمتلك الشجاعة لتجربة الجديد، دون خوف من الوقوع في الأخطاء، ودون انشغال بانطباعات الآخرين وآرائهم. الثقة نابعة من التصالح مع الذات وحبها. وعكسها هو الشعور بالعار والخزي من ذاتك، ومحاولة إخفاء هذا بأن تتظاهر بأنك قوي طوال الوقت. الواثق يتقبل النقد ولا يعتبره عيباً".

  1. ابحث عن وجهات نظر خارجية: قبل تفترض أنك أعلى من المتوسط ​​في العمل أو في مجالات أخرى، اجمع حقائق موثوقة تؤكد تقييمك أو تدحضه. على سبيل المثال، يمكنك إجراء مراجعة للأداء مع رئيسك والحصول على تقييمه وملاحظاته، كما يمكن أن توفّر لك الملاحظات من الأصدقاء أو الزملاء أو المرشدين رؤى قيّمة حول قدراتك. إنها بمثابة مرآة تعكس بدقة نقاط قوتك ومجالات النمو لديك.
  2. تحدَّ افتراضاتك: مهما كنت واثقاً من رأيك أو قدراتك، لا بد لك من موازنة هذه الثقة مع التشكيك من خلال طرح السؤال: "ما هو الدليل على صحة هذا الاعتقاد أو ضده؟". على سبيل المثال، إذا افترضت أن مشروعاً سينجح من دون خطة احتياطية، فأنت تتغافل عن بعض المزالق المحتملة. لذا، عند اتخاذ القرارات، اسأل عن خياراتك بنشاط. فكر في البدائل وابحث عن المعلومات التي قد تدحض تفكيرك الحالي.
  3. نوّع مصادرك: الاعتماد على مصدر واحد للمعلومات يمكن أن يعزز التحيزات والثقة المفرطة. في المقابل، قد يوفر التعامل مع وجهات نظر متنوعة، وخاصة تلك التي تتحدى معتقداتك، منظوراً أوسع.

المحتوى محمي