على ما يبدو، يعاني معظمنا دماغاً متعفّناً! إذ أعلنت دار نشر جامعة أكسفورد (Oxford University Press)، عن اختيار مصطلح "تعفُّن الدماغ" (Brain Rot) لتكون كلمة العام لعام 2024، وذلك بعد أن حصد المصطلح أكثر من 37 ألف صوت. ولهذا المصطلح أهمية كبيرة في عصرنا فعلاً؛ إذ يعكس روح هذا العصر المتخم بالثقافة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي والمحتوى القصير والسطحي على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام وغيرها. فما المقصود بهذا المصطلح؟ وما دلالته بالنسبة للصحة النفسية؟ وهل من طريقة لمنع الدماغ من التعفُّن وفقاً لما جاء في هذا السياق؟
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: 6 مؤشرات تدل على ضرورة اعتزالك السوشيال ميديا وكيف تفعل ذلك
ما المقصود بتعفُّن الدماغ؟
هو وصف مجازي يشير إلى التدهور المفترَض في الحالة النفسية أو الفكرية للشخص الذي يرتبط عادة بالإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي التافه أو منخفض الجودة على الإنترنت. لكنه لا يشير من الناحية النفسية إلى حالة سريرية أو تدهور إدراكي قابل للقياس؛ إنما يعكس حالة الخوف والقلق بشأن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي والحياة الافتراضية في الوظائف الإدراكية، وخصوصاً بين الأجيال الشابة.
أما تاريخياً، فالمصطلح موجود قبل ظهور الإنترنت حتى، حيث استخدمه الفيلسوف هنري ديفيد ثورو (Henry David Thoreau) في القرن التاسع عشر، لينتقد استخفاف المجتمع بالفكر العميق والأفكار المعقدة، حيث قال: "بينما تسعى إنجلترا إلى علاج تعفُّن البطاطس، فهل ستسعى إلى علاج تعفُّن الدماغ، الذي ينتشر على نطاق أوسع وأشدّ فتكاً؟".
اقرأ أيضاً: دور وسائل التواصل الاجتماعي في وباء الوحدة والعزلة الاجتماعية
كيف تسبب وسائل التواصل الاجتماعي تعفُّن الدماغ؟
على الرغم من أن تعفُّن الدماغ ليس مصطلحاً علمياً؛ لكنه يعكس المخاوف المتعلقة بالتغيرات المعرفية والعاطفية المرتبطة بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تؤثر هذه الأخيرة في الدماغ كثيراً، وذلك على النحو التالي:
- تقليل مدى الانتباه: يؤثّر الإنترنت، بما يحتويه من محتوى متنوع ومتجدد باستمرار، في كيفية تخصيص انتباهنا، فغالباً ما تتطلب هذه التطبيقات التبديل بسرعة بين المهام، مثل الاستجابة للإشعارات، أو قراءة المقالات، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذلك في فترات قصيرة. ويمكن لهذه العادة المتمثلة في تقسيم الانتباه بصورة متكررة أن تدرِّب الدماغ على معالجة المعلومات في فترات أقصر.
قد يؤدي هذا بمرور الوقت إلى صعوبة التركيز بدرجة عميقة على مهمة واحدة لفترة طويلة، حيث يعتاد الدماغ على الانقطاعات والانتباه المجزّأ. وبالطبع، يؤدي هذا الانخفاض المستمر في التركيز إلى إعاقة الأنشطة التي تتطلب تركيزاً مطولاً، مثل الدراسة أو قراءة المواد المعقدة أو الانخراط في التفكير العميق والإبداعي.
- ضعف الذاكرة: إن التدفق المستمر للمعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي يزيد الحمل المعرفي على الدماغ، ما يصعِّب تخزين الذكريات واسترجاعها. كما تعمل شبكة الإنترنت على تغيير طريقة تعاملنا مع المعلومات؛ فبدلاً من الاعتماد على الدماغ في تذكّر الحقائق وتخزينها، أصبحنا نعتمد على الإنترنت بصفتها نظام تخزين خارجي، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل استخدام الذاكرة الداخلية وتغيير أنماط الاسترجاع. في المحصلة، قد تؤدي هذه التغيرات إلى تحوّل في كيفية معالجة الدماغ للمعرفة والاحتفاظ بها، ما يؤثّر في وظائف الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى.
- التأثير في نظام المكافأة في الدماغ: يؤدي كل "إعجاب" أو تفاعل إيجابي نحصل عليه في حسابتنا على منصات التواصل الاجتماعي إلى إطلاق الدوبامين، وهي مادة كيميائية مرتبطة بالمتعة والدافع، الأمر الذي يؤدي إلى خلق حلقة مفرغة من البحث عن الإشباع الفوري، ما يجعل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمراً قهرياً. فضلاً عن أن غياب الإعجابات أو التفاعل يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالحزن والقلق وحتى الاكتئاب.
- التأثير في الصحة النفسية: تقول المختصة النفسية جواهر عبدالعليم، إن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تعزيز المقارنات السلبية مع الآخرين، ما قد يؤدي إلى معاناة عدم الرضا أو الغضب المكبوت أو التوتر أو القلق والاكتئاب.
- إضعاف القدرات الذهنية: إن الانخراط في أنشطة لا تتطلب جهداً ذهنياً كبيراً مثل مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة أو تصفح الميمات يوفر الحد الأدنى من تحفيز الدماغ، وقد يؤدي هذا الافتقار إلى المشاركة الذهنية مع مرور الوقت إلى إضعاف التفكير النقدي وحل المشكلات ووظائف الذاكرة.
اقرأ أيضاً: عزز صحتك النفسية والجسدية بالرياضة بدل تصفح منصات التواصل الاجتماعي لساعات
8 نصائح لحماية دماغك من "التعفُّن"
يختلف تعفُّن الدماغ عن الأنواع الأخرى من التدهور المعرفي المرتبطة بالتقدم في العمر أو حالات عصبية معينة مثل آلزهايمر والخرَف، فهذه الأنواع من التدهور المعرفي تتطلب تدخلاً طبياً وليست قابل للعكس، في حين أن تعفُّن الدماغ ناتج عن سلوكيات محددة ونمط حياة خامل؛ لذا فهو قابل للإصلاح من خلال بذل الجهد الواعي وتغيير نمط الحياة. وإليك بعض النصائح الفعالة لتقليل من آثاره:
- قلّل وقت الشاشة: تتبّع مقدار الوقت الذي تستغرقه في التصفح، وضع حدوداً يومية لهذا الوقت. غالباً ما يُوصى البالغون بتقليل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات؛ بما يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أقل من ساعتين يومياً، وأن يُقسَّم هذا الوقت إلى فترات قصيرة محددة خلال اليوم. على سبيل المثال؛ 20-30 دقيقة، 3 مرات في اليوم.
ستجد في هذا المقال أهم النصائح التي تحتاجها من أجل تقليل الوقت التي تقضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
- اختر المحتوى المناسب: تابع المحتوى القيّم والإيجابي والهادف، وتجنّب المحتوى الضار الذي يثير فيك شعوراً بعدم الارتياح أو عدم الرضا أو التوتر. ستجد كل ما تود معرفته عن التخلص من السموم الرقمية في هذا المقال.
- مرِّن دماغك: ثمة العديد من الأنشطة البسيطة التي تساعد الدماغ على إنشاء مسارات عصبية جديدة، الأمر الذي يحسّن الإدراك والقدرات الذهنية. من هذه الأنشطة: تعلُّم لغة جديدة، الاستماع إلى الموسيقا أو عزفها، لعب الورق، السفر، الألغاز اللفظية.
- مارِس التمارين الرياضية بانتظام: يساعد النشاط البدني، حتى لو كان لمدة 30 دقيقة يومياً، على تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، فيقلِّل التوتر، ويعزز الذاكرة، ويحسِّن المزاج.
- اتبع نظاماً غذائياً متوازناً: مثل حمية البحر الأبيض المتوسط؛ فهو غني بالفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة (القمح الكامل والشوفان والأرز البني) الطازجة أو القليلة المعالجة، والكميات المعتدلة من البروتينات الخالية من الدهون (الدواجن) والدهون الصحية (زيت الزيتون والأسماك والمكسرات)، وقد ارتبطت هذه الحمية بنتائج أفضل للصحة النفسية وبنية دماغية أكثر صحة.
- نل قسطاً كافياً من النوم: النوم ليس رفاهية؛ بل ضروري للحفاظ على صحة الدماغ ووظائفه، وتخليصه من السموم التي تتراكم خلال النهار. لذلك، احرص على النوم 7-9 ساعات ليلياً، والمحافظة على روتين نوم صحي، مثل الاستيقاظ والنوم في الموعد ذاته كل يوم، واتباع روتيناً ليلي يساعد على الاسترخاء والاستعداد للنوم مع تجنُّب استخدام الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة.
- خُذ فترات راحة: أعِد ممارسة هواياتك واهتماماتك التي لا تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل الرسم أو الرقص أو قضاء الوقت في الطبيعة، وحاوِل أن تمارس هذه الأنشطة بانتظام.
- أعطِ الأولوية للتفاعلات الاجتماعية الحقيقية: احرص على قضاء وقت كاف مع الأحبة، وحاول بناء علاقات هادفة بعيداً عن الإنترنت والمحافظة عليها، لا تفوّت فرصة من شأنها أن تنطوي على تفاعل إنساني حقيقي بعيداً عن الفضاء الافتراضي.