كشفت دراسة حديثة منشورة في دورية علم النفس المعرفي (Cognitive Psychology) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن البشر يفضّلون التفسيرات البسيطة والحلول الواضحة على تلك المعقدة، وذلك سواء كانوا يحاولون فهم حادثة ما أو يسعون إلى تحديد أفضل طريقة ممكنة لتحقيق هدف مرغوب. فما الذي توصلت إليه الدراسة بالتحديد؟ ولماذا يقدّر دماغ الإنسان البساطة؟ ومتى نتخلى عن ميلنا إلى البساطة؟ إليك التفاصيل بالإضافة إلى نصائح عملية تساعدك على تجنب الوقوع في التبسيط المفرط.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تتوصل إلى حلول مبتكرة للتخلص من الأرق
نتائج الدراسة: إن كانت كل الطرق تؤدي إلى روما، فلنختر الأقصر إذاً!
شملت الدراسة 2,820 مشاركاً، صمم فيها الباحثون 7 تجارب ذات سيناريوهات مختلفة تضمنت تفسيرات بسيطة ومعقدة لظواهر ما، بالإضافة إلى طرائق متفاوتة التعقيد لتنفيذ هدف معين. فتبين أن الناس يفضّلون عموماً التفسيرات البسيطة عند محاولة فهم الأحداث أو النتائج، كما يختارون الأساليب الأبسط لتحقيق الأهداف.
وهو ما يشير إلى أن الدماغ البشري يتعامل مع تفسيرات الأحداث على نحو مماثل لكيفية تقييمه للأفعال الموجّهة نحو تحقيق الهدف (أي ميله نحو تحقيق الأهداف بأقل جهد معرفي ممكن)؛ حيث يعطي الأولوية في الحالتين للكفاءة أو النجاعة (أيّ تنفيذ المزيد بموارد أقل).
بعبارة أخرى، لا يتعلق تفضيل البساطة بتفسير الظواهر فحسب، إنما هو جزء من ميل البشر العام نحو تحقيق الكفاءة في اتخاذ القرارات وحل المشكلات. على سبيل المثال، عندما يواجه الناس طرائقاً متعددة لتحقيق هدف ما، يميلون بطبيعة الحال إلى الطريقة التي تبدو أبسط وتحتاج جهداً أقل.
تعكس هذه النتائج ما يُسمى بـ "نصل أوكام" (Occam's razor)، إن كنت قد سمعت به سابقاً؛ وهو مبدأ ابتكره الفيلسوف "وليام الأوكامي (William of Ockham) في القرن الرابع عشر، يقول فيه "ينبغي ألا تتضاعف الكيانات إلى ما هو أبعد من الضرورة"، ومعنى هذه العبارة بالنسبة للعلماء "عند وجود نظريتين متنافستين تقدمان التوقعات نفسها تماماً، فإن النظرية الأبسط هي الأفضل".
اقرأ أيضاً: هل يزيد الاكتئاب الشرود الذهني؟ إليك ما اكتشفته دراسة حديثة
لماذا تفضّل أدمغتنا البساطة على التعقيد؟
يمكن فهم نتائج هذه الدراسة وفقاً لعلم النفس المعرفي (Cognitive Psychology)؛ وهو أحد فروع علم النفس الذي يتخصص في دراسة كيفية تفكير الإنسان ومعالجته للمعلومات؛ أي يهدف إلى تطوير فهم أفضل لكيفية اكتساب الإنسان للمعلومات وإدراكها ومعالجتها وتخزينها، من أجل مساعدة الناس في المحصلة على التعامل مع السلوكيات الإشكالية وعيش حياة أفضل.
وبناء عليه، فإن الموارد المعرفية لدى البشر محدودة، وأدمغتنا مصممة للحفاظ على الطاقة كلما أمكن ذلك. فالتفسيرات البسيطة تسمح لنا بفهم العالم بسرعة وكفاءة، دون الحاجة إلى الانخراط في تفكير مطوّل أو شاق. وهذا مهم بصورة خاصة في الحياة اليومية، حيث نتعرض لوابل مستمر من المعلومات ويجب علينا اتخاذ قرارات سريعة.
علاوة على أن التفسيرات البسيطة غالباً ما تسمح لنا بالتصرف بسرعة أعلى وثقة أكبر. فإذا اعتقدنا أن الحل البسيط سوف يؤدي إلى النتيجة المرجوة، فمن المرجح أن نسعى إلى تحقيقه بثقة أكبر. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحلول المعقدة قد تبدو وكأنها تشل قدراتنا، لأنها تتطلب المزيد من الوقت والجهد والطاقة الذهنية لمعالجتها.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع مريض الاكتئاب الاستمتاع بحياته؟ دراسة حديثة تجيب
متى نتخلى عن البساطة؟
على الرغم من تفضيل البساطة في الحالات معظمها، فقد وجد الباحثون أن المشاركين كانوا على استعداد لقبول تفسيرات أو أساليب أكثر تعقيداً عندما زوّدوهم بأدلة إحصائية مفصّلة تثبت صحتها (صحّة الخيارات المعقدة).
وهذا يوضِّح أنه وعلى الرغم من تحيّز الناس نحو البساطة، فهم يستطيعون تعديل طرائق تفكيرهم في حال حازوا أدلة مقنعة على أن التعقيد قد يؤدي إلى نتائج أفضل. باختصار وعلى الرغم من أن البساطة هي خيارنا الافتراضي، فإننا قادرون على تبني التعقيد عندما يكون مبرراً بوضوح.
6 نصائح تجنّبُك الوقوع في فخ البساطة المفرطة
صحيح أن البساطة مفيدة في كثير من الأحيان للفهم وتوفير الجهد المعرفي وسرعة اتخاذ القرارات، لكن الاعتماد المفرط عليها قد يؤدي إلى العديد من الآثار السلبية، مثل سوء الفهم واتخاذ قرارات سيئة وتبني وجهات نظر غير مستنيرة. لذا، إليك بعض النصائح التي قد تساعدك على تجنب الوقوع في فخ البساطة المفرطة:
- تعرّف إلى حدود التبسيط: إن التبسيط مفيد ولكنه فعال إلى حد معين فقط. لذا وعندما تواجه مواقف معقدة، تجنب المبالغة في تبسيطها أو تجاهُل المشكلات على نحو غير واقعي، واعترف بأن الحلول البسيطة قد لا تناسب المواقف جميعها.
- حاول أن توائم الحلول مع السياق: يعني أن تتأكد من أن تفسيرك أو حلك المبسّط يناسب الموقف المحدد، فلا تبالغ في التبسيط إلى الحد الذي يجعلك تتجاهل التفاصيل أو السياق الرئيسي. ضع في اعتبارك الجوانب الفريدة للمشكلة، والجاً إلى تكييف نهجك معها، وتأكد من أن استجابتك تتماشى مع التعقيد الفعلي للموقف.
- تقبَّل الغموض والتعقيد: تقبّل حقيقة أن بعض الغموض أمر لا مفر منه. وبدلاً من مقاومته، تعلم كيفية التعامل مع التعقيد وإدارته دون اللجوء إلى السرديات المبسطة للغاية.
- تجنّب التحيز التأكيدي: يشرح مختص الإرشاد النفسي، عبدالله الغامدي، أن التحيز التأكيدي هو ميل الشخص إلى اختيار الأفكار التي تتفق مع رؤيته الشخصية، متجاهلاً أي فكرة تتعارض مع أفكاره، رغبة في الحفاظ على الأمان النفسي وخوفاً من التغيير.
لذا، انتبه إلى أنك قد تميل نحو تفضيل الأدلة التي تدعم تبسيطاتك مع تجاهل المعلومات التي تناقضها. وبدلاً من ذلك، تحدَّ افتراضاتك وابقَ فضولياً، وتشجَّع على استكشاف وجهات نظر وحلول مختلفة للبقاء منفتحاً على إمكانيات جديدة.
- قيِّم أساليبك المبسطة بانتظام: وهذا يعني أن تتحقق بانتظام من أن الحلول أو الأفكار المبسطة التي استخدمتها لا تزال مفيدة ودقيقة في التعامل مع المواقف، وإذا لم تعد مناسبة أو لم تعمل كما كانت من قبل، فكن على استعداد لتعديلها أو التخلي عنها تماماً.
- استخدم البساطة بوصفها أداة وليس قاعدة: يجب أن تساعدك البساطة على فهم الأمور وشرحها بأسلوب أكثر وضوحاً، ولكن ينبغي ألا تكون نهجك الدائم في المواقف كلها. اعرف متى لا يكون الحل البسيط كافياً ومتى يتطلب الموقف استجابة أكثر تفصيلاً أو تعقيداً. بكلمات أخرى، استخدم البساطة عندما تكون مناسبة، وكن مستعداً للتكيف عندما يتطلب الموقف مزيداً من العمق.