دعني أعترفُ بسر صغير؛ في الواقع ومن سخرية القدر، لقد عانيتُ في تحفيز نفسي على كتابة هذا المقال! لكن دعني أوضح أمراً؛ لا يتعلق الأمر بالكتابة في حدِّ ذاتها؛ إنما اكتشفتُ وأنا أعدّ المقال أن السبب ربما يعزى إلى حالة الإرهاق الجسدي والنفسي التي مررتُ بها مؤخراً، فقد تزامنتْ اختبارات أطفالي المدرسية مع امتحاناتي الجامعية في الوقت نفسه، وربما كان فقدان الحافز وسيلة للحفاظ على ما تبقى من طاقتي.
محتويات المقال
وأكاد أجزم أنك مررت بهذه الحالة التي لم تستطع خلالها أن تحفِّز نفسك على إنجاز عملك أو إتمام دراستك أو حتى على النهوض من السرير، ولا بُد أنك شعرت بالضيق أو الارتباك من تأثيرات هذا الشعور في معنوياتك وتحقيق أهدافك. ومع ذلك، عليك أن تعلم أن فقدان الدافع حالة تصيب الجميع بين حين وآخر، وما يهم فعلاً هي الطريقة التي تستجيب فيها لهذا الشعور. لذلك، إليك أسباب هذه الحالة و 10 نصائح ستساعدك على تحفيز نفسك عندما لا تشعر بأي دافع على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: دوافعك الحقيقية نقطة انطلاقك لتحقيق نجاحاتك فكيف تجدها؟
لماذا تفتقد الدافع لإنجاز مهامك أو البدء فيها أساساً؟
مرة أخرى، من الطبيعي ألا يستطيع الإنسان تحفيز نفسه في بعض الأحيان، لكن في حال كان هذا الشعور متكرراً، فلا بد البحث عن مشكلة أعمق تسهم في نشوئه؛ لأنه في حال ظل السبب دون معالجة، فقد تفشل الجهود الرامية إلى تحفيز النفس أياً كانت. عموماً، من أهم العوامل التي تسهم في هذا الشعور:
- النزعة إلى الكمال: قد يستصعب محبو الكمال تحفيز أنفسهم؛ وذلك خوفاً من ألا يتمكنوا من إتمام المهام بالدرجة المثالية التي يتخيلونها.
- تجنُّب المشاعر الصعبة والانزعاج: كثيراً ما يعاني الأشخاص في إيجاد الدافع لإنجاز المهام التي تثير فيهم مشاعر غير مريحة، سواء كانت الملل أو الخوف أو الإحباط أو غير ذلك.
- الشك الذاتي: قد تخلق الشكوك حول مهارات الشخص أو قدرته على التعامل مع تحديات المهام عائقاً ذهنياً يمنع البدء في التنفيذ.
- الشعور بالإرهاق: عندما تبدو المسؤوليات كبيرة أو كثيرة جداً، أو تكون التوقعات المبنية على الشخص مرتفعة جداً، فقد يشعر بالعجز ويلجأ إلى التسويف.
- الاحتراق النفسي: قد يؤدي التوتر المزمن الناجم عن عمل مرهِق أو دراسة صعبة أو رعاية الآخرين إلى الإصابة بالاحتراق النفسي، ما يؤدي إلى استنزاف الطاقة النفسية والجسدية والدوافع.
- عدم الارتباط بالأهداف: عندما يوافق الشخص على تنفيذ المهام من باب الاضطرار أو ضغط الأقران أو تماشياً مع ظروف معينة، وليس بسبب الاهتمام الحقيقي، فقد ينخفض الدافع لتنفيذها. فضلاً عن أن فقدان التركيز على الأهداف طويلة المدى يجعل المهام تبدو بلا معنى ويقلل الدافع للتعامل معها.
- مشكلات الصحة النفسية: يمكن أن يؤثّر الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وغيرها في مستويات الدافع وتحفيز الذات.
إذاً، يمكن لفهم الأسباب الكامنة ومعالجتها أن يخلق زيادة مستدامة في الدافع، فأنت لا تعالج الأعراض السطحية فحسب؛ وإنما المشكلة الجذرية. على سبيل المثال، إذا كانت المشكلة هي الشك الذاتي، فيجب أن تركِّز على بناء الثقة والاعتراف بالإنجازات السابقة.
وإن كان السبب هو عبء العمل الهائل، فقد يتضمن الحل إعادة تنظيم المهام أو تحديد أهداف أصغر يمكن تحقيقها، أما في حال كان الشعور بالإرهاق هو السبب، فإن التعامل مع المواقف بصبر ومع النفس بلطف وتعاطف وأخذ فترات راحة منتظمة هو ما يفيد.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجعلنا نفقد الرغبة في العيش؟ وكيف نتجاوز هذه الحالة؟
10 نصائح لتحفيز نفسك عندما لا تشعر بأي دافع على الإطلاق
بعد تحديد السبب الكامن وراء انخفاض الدافع، عليك إنشاء خطة مخصصة لتحفيز نفسك، لكن ينبغي أن تعلم أن ثمة العديد من الاستراتيجيات التي قد لا تنجح مع الجميع أو لا تنطبق على المواقف جميعها، لذا حاوِل تجربة العديد منها للعثور على ما يدفعك حقاً إلى الأمام وتحقيق أهدافك، وإليك ما يمكنك تجربته.
1. تظاهَر أنك متحفِّز
قد يبدو ذلك غريباً، لكن وعلى ما يبدو، فإن الفعل يحرّك التحفيز أكثر مما يحرّك التحفيز الفعل، وهذا يعني أنه عندما لا تشعر بالتحفيز، عليك ألا تنتظره؛ وإنما أن تتصرف كما لو كنت تشعر بذلك، أي كما كانت النسخة المحفَّزة منك ستتصرف.
أي اسأل نفسك فيما كنت ستفعل لو كنت تشعر بالتحفيز، ما الذي كنت سترتديه، وفيما كنت ستفكر، وما هي الخطوات التي كنت ستتخذها، من ثمّ نفِّذ هذه الأفعال، وانتبه إن كان مستوى تحفيزك سيرتفع أم لا. في الواقع، يمكن للأفعال الصغيرة الهادفة أن تخدع دماغك وتجعله يشعر بمزيد من التحفيز وتبني الزخم، ما يجعل الاستمرار أسهل.
اقرأ أيضاً: ما أسباب الشعور المستمر باللامبالاة؟ وكيف تتخلص منه؟
2. تحدَّ أفكارك السلبية
قد تركّز عندما يكون دافعك منخفضاً على الأسباب التي تجعلك تتفادى البدء بالمهام، مثل "هذا صعب جداً"، أو "لدي الكثير من المهام ولن أنتهي أبداً"، أو "لن أستطيع الوصول إلى المستوى المطلوب"؛ لكن هذه الأفكار تخلق حاجزاً ذهنياً يمنعك من اتخاذ أي إجراء.
وهنا يشرح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن الأفكار السلبية جزء من الطبيعة البشرية ولا يمكن التخلص منها أو منعها من الظهور، لكن ينبغي التذكر أن هذه الأفكار هي مجرد أفكار وليست حقائق، لذا ينبغي عدم تصديقها أو التفاعل معها أو الاستجابة إليها.
لذلك، عليك أن تتحدى هذه الأفكار وأن تنظر إلى الموقف من منظور مختلف وموضوعي. على سبيل المثال، إذا كنت تشك في قدرتك على النجاح، حاول سرد الأسباب التي تؤهّلك للنجاح بالفعل، أو تأمَّل في الإنجازات السابقة التي تثبت أنك قادر، أو تمعَّن في الأدلة التي تثبت أنك ستتمكن من إتمام عملك. لا يتعلق هذا التمرين بالتظاهر بأن كل شيء سيكون سهلاً؛ بل يذكّرك أن تلك النظرة التشاؤمية المفرطة ليست دقيقة.
3. كن لطيفاً مع نفسك
من السهل أن تشعر بالذنب أو الإحباط عندما تفتقد الدافع، فتبدأ في لوم نفسك أو انتقادها بقسوة في محاولة لتحفيزها؛ لكن ذلك لن يجدي نفعاً؛ بل عليك أن تتعاطف مع نفسك، فقد وُجد أن التعاطف مع الذات يزيد الدافع لتحسينها.
لذلك، عامل مع نفسك بتفهم وصبر، واعترف أن الشعور بهذه الطريقة أمر طبيعي طالما أنه مؤقت، واعترف أيضاً بعيوبك وأخطائك وإخفاقاتك؛ لكن دون المبالغة في الشفقة على نفسك؛ وإنما عليك أن توازن بين تقبُّل ذاتك وتحسينها. قد يساعدك أيضاً أن تحدِّث نفسك مثلما تحدث صديقاً مقرباً يعاني المشكلة نفسها.
ويشار إلى أنه من الطبيعي أن تشعر بانخفاض التركيز عندما يكون دافعك أقل من المعتاد، لذا وبدلاً من وضع أهداف صعبة، اختر المهام التي يسهل تنفيذها لكنها لا تزال ذات معنى. على سبيل المثال، بدلاً من تهدف إلى قراءة كتاب كامل في أسبوع، حدد بضع صفحات فقط، أو التزم بأداء مهام أصغر من المعتاد، أو أكمل نصف عبء العمل المعتاد. فوضع أهداف واقعية خلال هذه الفترة يساعدك على البقاء متحفزاً دون الشعور بالإرهاق الكبير.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على إنتاجيتك عندما تتدهور صحتك النفسية؟
4. اتّبِع قاعدة "العشر دقائق"
قد تتخيل أن المهمة، سواء العمل أو الدراسة أو التنظيف أو أياً كان، أصعب مما هي عليه في الواقع، أو تخشى ألا تنجزها ضمن المستوى المطلوب، ما قد يجعلك تتحاشى البدء فيها. للتغلب على ذلك، أخبِر نفسك أنك ستعمل على المهمة لمدة 10 دقائق فقط، وستتوقف بعد ذلك، ثم وعندما تتم العشر دقائق، اسأل نفسك إن كنت تريد الاستمرار أم لا؛ فغالباً ما تكون البداية هي الجزء الأصعب، لكنها وبمجرد أن تحدث يصبح الاستمرار أسهل بكثير.
5. أضف المتعة إلى المهمة
تؤثر عواطفك في دوافعك، فعندما تشعر بالإحباط أو الملل أو الوحدة أو القلق، فقد تتأثر رغبتك في أداء مهامك؛ لكن ثمة طريقة بسيطة لجعل هذه المهام أكثر جاذبية؛ وهي إقرانها بشيء ممتع، ما قد يحسن مزاجك ويزيد قدرتك على الإنجاز.
على سبيل المثال: استمع إلى الموسيقى المبهجة في أثناء ممارسة التمارين الرياضية، أو دردش مع صديق في أثناء أداء الأعمال المنزلية، أو أشعل شمعة معطرة لإضفاء أجواء لطيفة على وقت العمل، أو ادعو صديقك لتنفيذ أعمالكما معاً.
الفكرة هي إضافة لمسة من المرح دون المساس بالتركيز؛ لذا تجنَّب إقران أفعال تشتت الانتباه مع مهام تحتاج إلى التركيز. على سبيل المثال، قد تؤدي مشاهدة التلفزيون في أثناء العمل على مشروع مهم إلى تشتيت انتباهك، وهو ما ينعكس سلباً على أدائك.
6. بسِّط قائمة المهام الخاصة بك
قد تقتل قائمة المهام المتراكمة حافزك، فقد تشعر عندما ترى عدداً كبيراً جداً من المهام أنه من المستحيل إنجاز كل شيء، فتنأى عن فعل أي شيء. وضع في اعتبارك أيضاً أن الإنسان غالباً ما يقلل من تقدير الوقت الذي تتطلبه المهمة، لذا وعندما تستغرق المهمة وقتاً أطول من المتوقع، فقد يحكم على نفسه بالكسل وعدم الكفاءة، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الشعور بقلة التحفيز وإنجاز مهام أقل.
لإدارة هذه المشكلة، راجِع قائمة مهامك للتحقق من مدى واقعيتها، وقلل مهامك إن كانت كثيرة جداً، وصنفها حسب الأولوية، كما من المفيد أن تقسِّم المهام الكبيرة إلى خطوات أصغر قابلة للتنفيذ.
7. ابحث عن الإلهام
لا بأس من البحث عن بعض الإلهام هنا أو هناك، فقد يكون ذلك وسيلة قوية لإشعال حماسك مجدداً. على سبيل المثال، جرِّب أن تستمع إلى المدونات الصوتية أو تشاهد فيديوهات لأشخاص واجهوا صراعات مماثلة ونجحوا، فهذا من شأنه أن يذكّرك بأن التغلب على التحديات أمر ممكن ويسهّل عليك مواجهة تحدياتك الخاصة. فضلاً عن أن التواصل مع أشخاص داعمين يشجعونك ويحفزونك أمر مهم، لأن مناقشة أهدافك معهم قد يثير فيك شعوراً بالمسؤولية.
ومن الخطوات التي قد تلهمك أيضاً هي أن تعيد التفكير في السبب الأساسي الذي دفعك إلى تحديد أهدافك. اسأل نفسك، لماذا أردت هذا في المقام الأول؟ عندما تركِّز على المعنى الأعمق وراء هدفك، مثل الرغبة في تحسين صحتك، أو السعي إلى تغيير حياتك المهنية للحصول على حياة مرضية، أو مساعدة الآخرين، فقد تنجح في تحفيز نفسك من جديد.
اقرأ أيضاً: تكتم أهدافك أم تعلنها؟ علماء نفس يجيبون
8. اعتنِ بنفسك
احصل على قسط كافٍ من النوم، واتبع نظاماً غذائياً متوازناً، ومارس التمارين الرياضية بانتظام، وخصص وقتاً للمرح والتنزه في الطبيعة؛ إذ تسهم العناية بجسمك وذهنك على تحسين طاقتك وحالتك المزاجية، ما يسهّل عليك تحقيق الأهداف والمهام اليومية دون الشعور بالإرهاق.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه ثمة العديد من الحالات الصحية الجسدية التي قد تتورط في نقص الدافع؛ مثل نقص فيتامين د، أو نقص فيتامين ب 12، أو نقص مستوى الحديد، أو مشكلات الغدة الدرقية، أو اختلال التوازن الهرموني وغيرها، لذلك تحقق من هذه القضايا.
9. كافِئ نفسك
خطط لمكافآت صغيرة عند إنجاز المهام، مثل أخذ استراحة قصيرة، أو تناول وجبة خفيفة مفضلة، أو تخصيص وقت لممارسة هواية، أو مشاهدة برنامج تلفزيوني أو غيرها. فالمكافآت ستشعِرك بالسعادة وتخلق رابطاً إيجابياً مع إنجاز المهام.
10. اطلب المساعدة إذا لزم الأمر
إذا شعرت بفقدان الدافع لأكثر من أسبوعين، أو كان ذلك يؤثر في حياتك اليومية، ففكر في التحدث إلى مختص الصحة النفسية؛ إذ يكون الافتقار إلى الدافع في بعض الأحيان علامة على معاناة الاكتئاب أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أو بعض الحالات النفسية الأخرى. تذكر أن الإرشادات المهنية يمكن أن تساعدك على تحديد أي مشكلات أساسية تعوق تحفيزك وتعالجها.